يكاد يكون التواصل يومياً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم. بطبيعة الحال، يكون مرسوم التجنيس ثالثهما في هذه الأيام. التدقيق في القصر الجمهوري بنتائج عمل فريق الأمن العام يوازيه اهتمام استثنائي من وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي كان يريد للمهمة أن تنجز قبل عيد الفطر، ليتبين له أن التدقيق يحتاج إلى مزيد من الوقت قد لا يتعدى نهاية الأسبوع الطالع.بعدما وُضِع مرسوم التجنيس في عهدة اللواء عباس إبراهيم حتى يتبين له بياض الأسماء المستحق من سوادها المهرب في العتمة، طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومن دون أي ضجيج، تحديد مكامن الخلل الذي تسلل منه وعبره من تجرأوا على فعلٍ أبعد ما يكون عن أمانة المسؤولية، وبالتالي وفروا مادة سياسية لمن هم على استعداد دائم للتصويب على رئاسة الجمهورية.
يدرك عون أنه ليس وحده المسؤول عن المرسوم. ثمة مرجعيات أخرى أدرجت أسماء في متن المرسوم وسهلت من حيث تدري أو لا تدري استخدامه جسر عبور لاستهداف رئيس الجمهورية، غير أن المعترضين قرروا التصويب حصراً على بعبدا.
لماذا؟ يجيب المقربون لأنه يمتلك شجاعة وطريقة في ممارسة الحكم لم يألفها الآخرون. فعندما زاره اللواء إبراهيم وعرض عليه المخارج المطروحة لحل أزمة مرسوم التجنيس، وكلها رهن بشجاعة رئاسة الجمهورية، كان جواب عون: أنا مستعد لتحمل المسؤولية كاملة وليسجل التاريخ أنني وقعت على مرسوم وقررت تجميده استجابة للرأي العام وليس لأهواء السياسيين أو أصحاب الغرضيات.
عون والمشنوق سيتسلمان تقرير إبراهيم قبل نهاية الأسبوع


أدرك عون أن الإنجاز الذي حققه التيار الوطني الحر في الانتخابات النيابية، والدعم الشعبي المتنامي لكل من يتبنى مشروع بناء الدولة وتطبيق الدستور، بما في ذلك مكافحة الفساد، «حرّك المتضررين الذين ما انفكوا يصوبون على رئيس الجمهورية منذ اليوم الأول لاعتلائه سدة الرئاسة الأولى. لذلك، أصبح مرسوم التجنيس شماعة لاستهداف رئاسة الجمهورية وصولاً إلى إضعافها وشل قدراتها في المرحلة المقبلة، لكن هؤلاء لا يخبرون حقيقة الجنرال الذي تعود أن يخرج من كل أزمة أكثر صلابة وقوة».
«لم يستطيعوا النيل من رئيس الجمهورية لا في السياسة بتثبيت التسوية الرئاسية وتحصينها بالانتخابات النيابية وبوضع البلد على مسار تأليف حكومة العهد الأولى، ولا في الأمن بعدما ثبّت معادلة الاستقرار بقدرات وطنية، رسمية ومقاومة، مما دفع الخارج إلى اللحاق بهذا الإنجاز عبر إعادة إحياء مقولة المظلة الدولية الحامية للاستقرار اللبناني، وفي كل هذا، هناك متضررون، وبالتالي المطلوب محاصرة الرئيس القوي وشن حملة ممنهجة عليه» على حد تعبير المقربين من رئاسة الجمهورية.
لم يعتد هؤلاء المتضررون، يقول القريبون من عون، «على رئيس جمهورية يلجأ إلى ممارسات دستورية تحصل للمرة الأولى في تاريخ لبنان، فهل يرفع أحد غيره الصوت في موضوع النازحين الذي يهدد لبنان في كيانه ومستقبل وجوده؟ ولماذا لم يصوب على الرئيس سعد الحريري أو وزير الداخلية نهاد المشنوق، وهما شريكان بالتوقيع على مرسوم التجنيس، هذا كله إن دلّ على شيء، إنما على أن الهدف هو ميشال عون».
في المعلومات، أن الامن العام، وبإشراف اللواء إبراهيم، يواصل عملية الاستعلام عن أسماء 430 شخصاً شملهم مرسوم التجنيس، وعدا عن الأسماء الخمسة التي كانت موضوعة في خانة الشبهة من قبل بعض الأجهزة الأمنية، قبل توقيع المرسوم، يجري الحديث عن عشرات الأسماء التي وضع الأمن العام ملاحظاته عليها أو أدرجها في خانة غير المستحقة للجنسية، على أن يترك لدوائر القصر الجمهوري أو السراي الكبير أو وزارة الداخلية أن تتخذ القرار النهائي بالأخذ بملاحظات الأمن العام أو إهمالها. ومن المتوقع أن يسلم اللواء إبراهيم تقريره النهائي إلى كل من عون والمشنوق قبل نهاية الأسبوع الحالي.
في السياق نفسه، قالت مصادر معنية بالمرسوم إن مجريات مرسوم التجنيس الأخير تفرض وضع معايير حقيقية، بحيث لا تمس الصلاحية من جهة، ولكن تحترم المعايير في المستقبل من جهة ثانية، وأكدت أن رئيس الجمهورية وعد رئيس المجلس النيابي نبيه بري بإعداد مرسوم جديد للتجنيس فور الانتهاء من المرسوم الحالي، على أن يراعى فيه التوازن الطائفي الذي غاب عن المراسيم الثلاثة (1994 و2014 و2018).