انتهت خلوة المكتب السياسي برئاسة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل إلى «لا شيء» بعد أن بقي الأخير مصراً على دفن رأسه في رمال الانتخابات النيابية، مُنكراً سيره بالحزب نحو الخسارة. لكن الصراخ الذي علا داخل الغرفة المغلقة لن يبقى طويلاً مكتوماً، لا سيما مع حراك بعض قدامى الحزبيين وآخرين باتجاه تأسيس جبهة سياسية مرادفة تمثل الحزب الفعلي لا كتائب «لبناننا».بدت بكفيا، أول من أمس، كمنطقة عسكرية مغلقة حيث يتم إخضاع الوافد إلى مقر عائلة آل الجميل لتفتيش صارم ثم يُحجَز هاتفه الخلوي وتُنزَع بطاريته، الأمر الذي لم يحصل يوماً حتى في عزّ الحرب. كما لم يحصل يوماً أن صدرت القرارات السياسية من منزل العائلة (مقر الخلوة) عوضاً عن بيت الكتائب المركزي.
الخلوة هي للمكتب السياسي الذي أتى بغالبية أعضائه سامي الجميل نفسه، ويفترض أن يمثل أعلى سلطة حزبية، وبالتالي أن يكون موضع ثقة رئيس الحزب. ما إن اكتمل النصاب، حتى بدأ النقاش من الوضع الذي انتهى إليه الكتائب بعد صدور نتائج الانتخابات حيث انخفضت كتلته من خمسة نواب إلى ثلاثة. حصل انقسام في الآراء بين من يرى أن التراجع سياسي بالدرجة الأولى، ما يستدعي مراجعة تقود إلى محاسبة من ساهم ببلوغ هذا النفق، وبين من يعتقد أن الأوضاع على ما يرام ولا تستوجب هذا الاستنفار، وجلّ ما يمكن فعله، هو «معاقبة من باع واشترى الأصوات الكتائبية وخان حزبه». وهؤلاء هم «رئيس إقليم زحلة الذي تسلم مبلغاً مالياً من الحزب قبيل الانتخابات، فلم يبلغ النائب السابق ايلي ماروني بها ولا استثمرها في الماكينة الانتخابية التي لم تكن موجودة أصلاً»، بحسب مصادر الخلوة.
ومن زحلة إلى الأشرفية، لم يدعم الحزب النائب نديم الجميل بدولار واحد ولا عملت الماكينة الحزبية لمصلحته، فاضطر إلى الاستعانة بأصدقائه لتأمين مصاريف المندوبين. في المتن الشمالي، «باع منسقون أصواتاً كتائبية لمصلحة المرشح سركيس سركيس والنائب ميشال المر». وفي كسروان، «انضم رئيس قسم ذوق مصبح مسعود مراد إلى ماكينة النائب نعمة افرام. وفي جبيل، سبق رئيس الإقليم السابق طنوس قرداحي حزب الله إلى إعلان اللائحة. فيما انتخب غالبية كتائب تنورين النائب السابق بطرس حرب عوض دعم المرشح الكتائبي سامر سعادة». أيّد سامي الرأي الثاني القائل بتحويل المخالفين إلى لجنة التأديب وإقالة كل من فشلوا في إيصال «الثورة السياسية» إلى الرأي العام. حمّل جزءاً من المسؤولية للأمين العام رفيق غانم من زاوية فشله في التنظيم الإداري. بينما اعتبر غانم أنه تحول كبش محرقة للهزيمة الانتخابية، في حين تم تشكيل أمانة عامة رديفة قوامها المجموعة المقربة من سامي والتي كانت تحتكر العمل الإداري والحزبي. طلب بعض الأعضاء أن يترأس أمين الجميل الخلوة، فرفض سامي على مضض. الأمر هنا له وحده.

«مكانك راوح»
في تحليل أسباب عدم تصويت الكتائبيين لمرشحي الكتائب، تبين للمشاركين في الخلوة، وفق مصادرها، «أن الكتائبيين كما غالبية المواطنين كانوا يقصدون مكاتب نواب القضاء على اختلاف انتماءاتهم لطلب الخدمات، خصوصاً بعد أن سحب سامي وزراءه من الحكومة؛ وبالتالي صوتوا لمن يخدمهم». لذلك، تم الاتفاق على إنشاء مؤسسة حزبية مركزية للخدمات والتوظيف حتى يتمكن الحزب من الإمساك بالكتائبيين من خلال الخدمات. هنا، اعترض القيادي التاريخي جوزيف أبو خليل على الدراما الحزبية، فالحزب برأيه «بأفضل مراحله وأحواله، وفي أوقات كثيرة، كنا نخسر سابقاً. فبيار الجميل (المؤسس) لم يفز بداية بأي مقعد ولكنه كان في السياسة بحكم الفائز دائماً. العدد ليس هو المعيار». المداخلة نفسها قدمها أبو خليل قبل عشر أو عشرين أو خمسين سنة. يتبدل رئيسه ولكن يبقى مضمونه عينه. يريد الكتائبي العتيق من سامي المقتنع بنظريته، إعادة الحزب الذي بلغ الثامنة والثمانين من عمره إلى نقطة الصفر أي العام 1936 (زمن الانتداب).
بعض الكتائبيين باعوا أصواتهم لمرشحي اللوائح الأخرى فيما التحق بعض المسؤولين بماكينات الأخصام


من جهة أخرى، تصعب مقارنة سامي اليوم بجده (بيار) أو حتى بعمه (بشير)، بعد أن فشل حزبياً وسياسياً منذ تسلمه الرئاسة. وفي هذا السياق، يعلق أحد الكتائبيين قائلاً: «أعطونا بيار الجميل وخدوا كل النواب». فشل يستدعي مراجعة شاملة «واستقالة إذا استدعى الأمر»، بحسب المصدر نفسه. إلا أن ما سبق هو مجرد تمنيات، فسامي أمين الجميل يتعامل مع الأمر كمحارب أعزل في وجه جيوش جرارة. لا يريد الاعتراف أن شعبية الكتائب حصرت بشخصه والدليل نيله كل الأصوات في المتن الشمالي مقابل ألفي صوت فقط للنائب الياس حنكش. يوافقه في نظريته هذه الوزير السابق سليم الصايغ. إذ لا ينبغي للحزب جلد ذاته، فـ«الشيخ» تعرّض لمؤامرة والكتائب فعلياً نجحت في إيصال مرشحين على قياس حجمها وبقوتها الذاتية. من هذا المنطلق، انتهى يوم أول من أمس الطويل من النقطة التي بدأ منها أي «مكانك راوح». مددت الخلوة ليوم آخر، لأن أحداً لم يفهم ما يريده سامي حتى سامي نفسه باستثناء إصراره على إلقاء المسؤولية على بعض الكوادر لإسكات الأصوات المعارضة.

الكتائب أم كتائب «لبناننا»؟
خلافاً لتوقعات غالبية أعضاء المكتب السياسي، بقي سامي متمسكاً بموقفه، في اليوم الثاني والأخير (أمس) من الخلوة التي عقدت في بيت الكتائب المركزي. أصر رئيس الحزب على دفن رأسه في الرمال. قرر الجميل تأديب الآخرين لا نفسه. فالمشكلة بنظره ليست في الخطاب والخيارات (الأسماء) ولا في السياسة المتناقضة (معارضة السلطة والتحالف معها في آن)، إنما «في سوء إدارة وأمانة بعض رؤساء الأقاليم والمنسقين والكوادر».
وعلى طريقة الأحزاب اللبنانية أو «السوبرماركت»: يفلس المتجر بسبب حسابات صاحبه غير الدقيقة وتعيينه مديراً يافعاً لا يملك من الخبرة ما يخوله إدارة دكان صغير لا متجر كبير، فيقتص المالك من الموظفين الصغار ويطردهم بدلاً من محاسبة نفسه أولاً ومديره ثانياً. لكن المفارقة أن الجلسة كانت صاخبة وتخللها الكثير من الصراخ نتيجة إصرار ما لا يقل عن 13 عضواً على إجراء تعديلات جذرية في سياسة الحزب وتركيبته مقابل 6 يصفقون للشيخ، فيما البقية يتفرجون.
في المحصلة، انتهت الخلوة إلى تواصل عدد من الكتائبيين الحردانين أو الذين فصلهم سامي وأبعدهم، «لتشكيل جبهة سياسية مرادفة ستمثل حزب الكتائب الفعلي لا كتائب «لبناننا» التي يريدها سامي»، على حد تعبير أحد المعارضين.



نديم يتمايز عن سامي


تحدث نديم الجميل في خلوة الأمس بحدة عن ضرورة الاعتراف بالخسارة والعودة إلى مبادئ الحزب التي لا تشبه الوضع الذي آل إليه في الآونة الأخيرة، واقترح فتح صفحة جديدة مع الحلفاء التقليديين والقيام ببادرة حسن نية عبر الاقتراع لمصلحة مرشح القوات أنيس نصار لمنصب نائب رئيس مجلس النواب. رفض سامي كل اقتراحات ابن عمه وظل متمسكاً برؤيته، ففض الاجتماع من دون أي حلّ يذكر.