لا يمكن الربط بين نادر الحريري ونتيجة الانتخابات النيابية التي خيّبت تيار المستقبل. فالرجل الأقرب إلى سعد الحريري، لم يكن يدير الماكينة الانتخابية لتياره. هو مهندس اللوائح والتحالفات. لكنه لم يكن مسؤولاً عن تحشيد المناصرين، وتأمين مشاركتهم في الانتخابات. انحصرت مهمته في اختيار المرشحين، والاتفاق مع الحلفاء على توزيع المقاعد في الدوائر، أو على الافتراق. يقول أحد الذين تابعوا التفاصيل الانتخابية للتيار الأزرق إن نادر الحريري كان، مثلاً، خلف اختيار وليد البعريني، الذي أنقذ ضَمُّه إلى اللائحة الزرقاء تيارَ المستقبل من خسارة مقعد سنّي في عكار، على الأقل. كما أنه وقف خلف استقطاب محمد القرعاوي وهنري شديد في البقاع الغربي، ما سمح لـ «المستقبل» بالحفاظ على نصف المقاعد في الدائرة. يضيف المصدر: لا يتحمّل نادر مسؤولية عدم التزام أنصار المستقبل بالتصويت لمرشح التيار نقولا غصن في الكورة، أو لمرشحه على لائحة التيار الوطني الحر - الطاشناق في بيروت الأولى، ولا في سوء توزيع الأصوات في زحلة، ولا في تراكم الأخطاء الذي حال دون ارتفاع نسبة التصويت في صيدا بما يمكّن «المستقبل» من الحصول على نائب جزينيّ إلى جانب بهية الحريري. لا بد من الإشارة إلى أنه، عند قراءة نتيجة الانتخابات، لا يمكن النظر إلى كتلة المستقبل كخاسرة لـ13 مقعداً (من 33 مقعداً، إلى 20). ثمة 8 مقاعد، على الأقل، كان التيار يضع يديه عليها، بحكم النظام الأكثري، وفقدها بمجرد قبوله بالنظام النسبي. أما خسارته الفعلية، فمحصورة في خمسة مقاعد، كانت حسابات نادر تتوقع الفوز بها: مقعد في الكورة، وآخر في بيروت الأولى، وثالث في جزين، ورابع في البقاع الأوسط، وخامس في مرجعيون - حاصبيا. خابت توقعات المدير السابق لمكتب رئيس الحكومة، نتيجة سوء أداء ماكينة المستقبل، ونظراً لتراكم الأخطاء، وضعف الإقبال على صناديق الاقتراع.يجزم مستقبليون، وبعض أصدقاء نادر الحريري، أن الأخير قرر تحمّل المسؤولية، والاستقالة. لكن، هي ليست مسؤولية الانتخابات. ثمة تموضع جديد للرئيس سعد الحريري، بعد السابع من أيار 2018، ربطاً بالخيارات السعودية والأميركية في لبنان. ونادر صار عنواناً لكل ما لا تريده السعودية: المصالحة مع الرئيس ميشال عون، وربط النزاع مع حزب الله، والابتعاد عن سمير جعجع الذي تعتمده الرياض رجلاً أوّل لها في لبنان. ونادر صاحب نظرية تقوم على قاعدة الاحتماء بالولايات المتحدة من الضغوط السعودية. نجح في ذلك حتى حصل الرئيس الحريري من الرياض على كل ما يريده: أفرجت عنه بلا قيد ولا شرط، وسحبت الملف اللبناني من يد ثامر السبهان، قبل أن «تستعيد» رَجل الأخير من بيروت، السفير وليد اليعقوب. نفّذت الرياض ما طلبته واشنطن، إرضاءً لرئيس الحكومة. لكن ذلك لا يعني تجاهلها ما «ارتكبه» نادر، الذي قاد، بعد الرابع من تشرين الثاني الماضي، المجموعة «المستقبليّة» التي استند إليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبقية القوى السياسية الرئيسية، لـ«تحرير» سعد الحريري من الرياض، وتجنيبه مصير نزلاء الـ«ريتز كارلتون» الآخرين، وإبقائه لاعباً أساسياً في الحياة السياسية اللبنانية. لم يكن نادر يشك في خطورة الدور الذي أداه حينذاك. يذكّر أحدُ أصدقائه بالاتصال الذي أجراه به السبهان، بعد أيام على اختطاف الحريري. الاتصال الذي دام نحو نصف ساعة، كان «عاصفاً»، بمقاييس التخاطب السعودي - اللبناني. فعندما أمر ممثل طويل العمر آل الحريري بالتوجه إلى الرياض لمبايعة بهاء، رفض نادر الأمر. وعندما طلب السبهان العمل على تهدئة الشارع اللبناني ووسائل الإعلام التي تتهم المملكة باحتجاز رئيس الحكومة، رد نادر بأن «لبنان بلد فيه حرية صحافة، وعليكم أن تتخذوا خطوات لتهدئة الشارع»! عدّ السبهان هذه الإجابة بمثابة تبنٍّ لكل ما يُحكى عن إعداد نادر العدة لتحركات شعبية تحت شعار «الحرية لرئيس حكومتنا».
هذه التفاصيل التي تتقاطع في رواية مقربين من سعد الحريري، ومن ابن عمته، ومن السبهان، تُقال كدليل على أن السعودية، ومعها الإمارات أيضاً، لن تنسى ما فعله نادر الحريري، لا كردّ فعل وحسب، بل عن وعي وتصميم على جعل سعد الحريري متمسكاً بـ«لحيته اللبنانية» بعدما تخلى عن «سكسوكته السعودية». لكن الرواة أنفسهم يطرحون سؤالاً مفاجئاً: السعودية لن تنسى ما فعله نادر، لكن هل ينساه سعد؟ أصلاً، الأخير ينكر تماماً أن مكروهاً أصابه يوم 4 تشرين الثاني 2017 في الرياض. والدليل على ذلك، قبوله بخروج نادر من دائرة القرار. ربما لا تصح التسمية. ليست «دائرة قرار». ثمة شخص واحد يتخذ القرارات جميعها، اسمه سعد الحريري. وحتى يوم السبت الفائت، كان له مستشار وحيد، اسمه نادر. الآخرون في مراتب أدنى. وبين الرجلين، ثمة سر أدى إلى إخراج الثاني. الأكيد، أن نادر لن يعمل في الشأن العام، خارج بيت الحريري. والأكيد أيضاً أن الشاب الكتوم لن يكشف السر. والأكيد أيضاً وأيضاً أن رئيس الحكومة سيستغل إخراج نادر لخلخلة «مسامير» ثقيلة من خشبة تياره. أول هؤلاء، ربما، نهاد المشنوق.