وسّعت نتائج الانتخابات النيابية نفوذ حزب الله على حساب رئيس الحكومة سعد الحريري «حليف الغرب»، الذي تلقّى الضربة الأكبر بعدما خسر تيار المستقبل ثلث تمثيله في المجلس (من 33 مقعداً في 2009 إلى 20 مقعداً في 2018)؛ ذلك ما خلصت إليه «نيويورك تايمز» في تقرير بعنوان «انتخابات لبنان تعزّز نفوذ حزب الله». تضيف الصحيفة أنّ نتيجة انتخابات السادس من أيار، شكَّلت رافعةً كبيرة للحزب، ما يستدعي، على الأرجح، حذر كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج العربي، وخصوصاً السعودية. الصحيفة نفسها توقّعت أن يكون للحزب حقائب أساسية في الحكومة الائتلافية، محذرةً من أنّ حضوره القوي في البرلمان، قد يعرّض مصالح لبنان الإقليمية والدولية للخطر، في وقتٍ تعتمد فيه الدولة اللبنانية على المساعدات الخارجية، لدعم الاقتصاد والجيش، فضلاً عن التعامل مع عبء النزوح السوري.قراءة مشابهة برزت في «واشنطن بوست»، إذ اعتبرت أيضاً أنّ حزب الله هو «المنتصر الأكبر» في الانتخابات، بعدما أمّن «الفيتو» بحصوله على ثلث مقاعد البرلمان، في مقابل خسارة كبيرة للحريري. ربطت الصحيفة قراءتها لـ«الانتصار الكبير» بإعلان السيد حسن نصرالله، أول من أمس، أنّ «تركيبة المجلس النيابي الجديد تشكّل ضمانة وقوة كبيرة لحماية خيار المقاومة الاستراتيجي ولحماية المعادلة الذهبية، الجيش والشعب والمقاومة».
سببٌ آخر لتفرّد حزب الله بالسلطة التشريعية، وفق «واشنطن بوست» هو تراخي الحريري في مواجهة «الميليشيا الشيعية»، على الرغم من ضغوط «حليفه التقليدي: السعودية» التي أجبرته، لهذا السبب تحديداً، على الاستقالة العام الماضي. المفارقة أنّ الصحيفتين الأميركيتين استندتا في رصدهما وتحليلهما إلى مصدر واحد، يعمل محلّلاً في «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» البريطاني؛ هو إميل الحكيّم.
في تقرير مجلة «ذي أتلانتك»، ينحصر «الرصد» في بعلبك «واحدة من أكثر المناطق فقراً، حيث يعيش نحو 40 في المئة من السكان تحت خط الفقر، وأكثر من نصفهم عاطلون من العمل». تقرير «سرّ نجاح حزب الله الانتخابي»، استند في معظمه إلى تصريحات رئيس بلدية بعلبك الأسبق، «المعارض» غالب ياغي. بالنسبة إلى المجلة، عاقب الناخبون أكبر حزب داخل الكتلة السنيّة (المستقبل) بسبب سوء الإدارة. ولكن القصة تختلف لدى الانتقال إلى مناطق نفوذ حزب الله. هناك «حتى لو جمعت جميع اللوائح التي تعمل ضدّ الحزب أصواتها في المنطقة (الجنوب مثالاً)، فإنّها لن تفوز بما يكفي للحصول على مقعد واحد».
لكن خلاصة القراءة تقول إنّ «حزب الله يتمتع بشعبية حقيقية داخل المجتمع الشيعي»، والسبب أنّ «خطاب الحزب الذي يركّز على أنّه حمى البلاد ضد التهديدات، سواء الإسرائيلية أو الجهادية، تُرجمت في الانتخابات الأخيرة». كذلك إنّ «ضعف» الدولة اللبنانية يُعَدّ «ورقة رابحة» للحزب، تسمح له بتقديم نفسه على أنه «القوة الوحيدة القادرة على حماية مؤيّديه من الأعداء الداخليين والخارجيين». نقطة أخرى تحسب لحزب الله، هي خطابه الانتخابي الذي ركّز على التنمية ومكافحة الفساد، بدل التركيز على مقاومة إسرائيل، أو قتاله في سوريا. مثل هذا الخطاب (الانتخابي)، وضع خصومه الشيعة في وضع صعب. يؤكد التقرير أنّ نتائج الانتخابات قد لا تحقق الكثير لتغيير الطريقة التي يُحكم بها لبنان، أو «الأوليغارشية البلوتوقراطية»، وفق وصف «أحد السياسيين اللبنانيين».

المتفائلون والنجاح الأميركي
بحسب مجلة اليمين الأميركي «فورين بوليسي»، يجادل المنتقدون بأنّ سياسة واشنطن في لبنان «فشلت لأنّها لم تكن قادرة على نزع سلاح حزب الله أو فصل الأخير عن إيران». لكن ذلك لم يكن هدفاً واقعياً أبداً، أو على الأقل ليس هدفاً يمكن الولايات المتحدة أن تسلكه «دون أن تسبّب حرباً أهلية أخرى في لبنان وربما مواجهة عسكرية مع إيران، وكلاهما ستكون نتائجه مدمرة بالنسبة إلى الشرق الأوسط والولايات المتحدة».
المعزوفة نفسها تتكرّر هنا: «حزب الله استحوذ على نصف مقاعد البرلمان»، وبعد نتيجة كهذه، من المرجّح أن تنتشر في واشنطن، وفق «فورين بوليسي»، «شائعة كاذبة» تقول إنّ السياسة الأميركية في لبنان كارثة. تنصح المجلة قرّاءها: «لا تأخذوها على محمل الجد». في الواقع، تؤكّد، أنّه «من بين جميع الاستثمارات الأميركية في الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي، حقّق لبنان العائدات الأكبر». تلخص المجلة رؤيتها بالآتي: «تتنافس الولايات المتحدة بشراسة مع إيران للتأثير بهوية لبنان السياسية وتوجهه الاستراتيجي». فلبنان بلدٌ مهم بالنسبة إلى أميركا والعالم، وإذا خسرت واشنطن «النضال من أجل لبنان»، ستُحرَم نقطة وصول رئيسية إلى المتوسط - حيث تقيم روسيا وجوداً استراتيجياً - «وسيكون لإيران مركز متقدّم على الحدود الشمالية لإسرائيل».
من هنا، ترى «فورين بوليسي» أن هدف واشنطن النهائي يجب أن يكون مساعدة لبنان في مواجهة تحدياته الداخلية المختلفة ودرء أيّ تدخل خارجي «غير مرغوب فيه»، كما تصفه. هذا، بالطبع، يعَدّ «مشروعاً طويل الأجل ويتطلّب صبراً»، شارحة سبب تمدد إيران في لبنان، تقول «فورين بوليسي» إن واشنطن تخلّت عن البلاد في أعقاب اغتيال الحريري. لكنها إذ «تعلّمت» من أخطاء الماضي، لا يزال أمامها طريق طويل، واستراتيجيّة من شقين: دعم الدولة اللبنانية والضغط على حزب الله.
في الشق المتعلق بدعم الدولة، يقول التقرير، «إنه قطاع الأمن»، هناك حقّقت واشنطن أعلى المكاسب. بفضل المساعدة الأمنية التي قدمتها الولايات المتحدة والتي بلغت قيمتها 1.5 مليار دولار منذ عام 2006، تمكّن لبنان من بناء جيش قوي! وللمشككين بحيادية الجيش اللبناني، «كل ما عليكم القيام به هو التحدث مع قادته لمعرفة مدى استقلالية القوات المسلحة». هؤلاء، تضيف المجلة، «معجبون بالمُثل الأميركية أكثر من فلسفة حزب الله، ويجري تدريبهم على القتال مثل الجيش الأميركي». وهذا الجيش أثبت أنّه شريك فعال وموثوق في مكافحة الإرهاب، «خلافاً للعديد من الشركاء العسكريين العرب الآخرين، فهو قادر على تعلّم أفضل الممارسات من الجيش الأميركي».
«من بين جميع الاستثمارات الأميركية في الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي، حقّق لبنان العائدات الأكبر»


في ما يتعلّق بالضغط على حزب الله، تقول المجلة إن حرمانه الوصول إلى النظام المالي الدولي، بما في ذلك المصارف اللبنانية، وتطبيق عقوبات اقتصادية على إيران، أكبر ممول للحزب، خفضت من قدرته على توفير قاعدة الدعم الخاصة به.
وحقيقة أنّ التيار الوطني الحر وتيار المستقبل خسرا عدداً من المقاعد في الانتخابات الأخيرة، تدلّ على أنّ غالبية السنّة والمسيحيين في لبنان يرفضون بشكل واسع استيعاب سياسات حزب الله، هذا ملخّص قراءة المجلة، وهو «شيء يجب على واشنطن البناء عليه». لكنها تعود وتؤكد أن هذا الأمر متروك لعون والحريري (حليفا واشنطن) لتولّي زمام المبادرة، «ربما بالشراكة مع القوات اللبنانية»، التي يمكن القول إنها أكبر فائز في الانتخابات وأقوى معارض لحزب الله.
من هنا، إن مكاسب الولايات المتحدة في لبنان كبيرة، لكن يمكن عكسها بسهولة إذا اتّبع المسؤولون الأميركيون النصيحة المضلّلة لمن يدعون إلى قطع المساعدات الأميركية أو جعلها تعتمد على مواجهة حزب الله بمزيد من العدوانية التي تبين أنها لم تكن سياسة ناجعة. السعودية جرّبت ذلك أخيراً عندما احتجزت الحريري وأجبرته على الاستقالة، لكن «الجهد» عاد بنتائج عكسية، ما أجبر الرياض على إعادة النظر بنهجها العقابي.
تخلص «فورين بوليسي» إلى أنه لا ينبغي الحكم على سياسة الولايات المتحدة من خلال قدرتها على هزيمة حزب الله أو فصله عن إيران. معايير النجاح تتمحور حول ما إذا كانت واشنطن قادرة على خلق مجموعة من الظروف السياسية والاجتماعية والأمنية في لبنان تسمح للحلفاء المحليين بالتعامل «السلمي» مع التحدي الذي يشكّله حزب الله. على هذه الجبهة، ترى «فورين بوليسي» أن واشنطن حقّقت دون شكّ، تقدماً، خصوصاً أنه «غالباً ما تكون الخيارات التي تواجهها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بين السيئ والأسوأ»، وهذا يعني أنّ واشنطن لن تحصل على كل ما تريده في لبنان، نظراً للاستقطاب السياسي العميق والضعف الداخلي في البلاد، لكن إذا استطاعت مواصلة وقف أكثر خطط إيران من خلال بناء الدولة، «فإنّ ذلك سيكون نصراً».