يخوض الرئيس سعد الحريري الانتخابات مطمئناً إلى قوته. في حسابات ماكينته، أسوأ نتيجة سيحققها تياره هي الحصول على 21 نائباً. مقارنة بالعدد الحالي لأعضاء كتلة المستقبل (33 نائباً)، يكون الحريري أول الخاسرين من النسبية. إلا أن رئيس الحكومة لا ينظر إلى الأمر من هذه الناحية. فهو سيحتفظ، في حال تجاوزه عتبة العشرين نائباً، بلقب رئيس أكبر كتلة نيابية. كما أنه سيبقى «السني الأقوى»، والمرشح الأول لرئاسة الحكومة، وسيكسر «شائعة» أنه «الأول بين متساوين في الطائفة السنية»، ليقول: أنا الأول، والفارق شاسع بيني وبين الآخرين.لكن، تحت هذا العنوان الكبير، ثمة معارك «صغيرة» يخوضها الحريري، خسارتها تلحق به ضرراً معنوياً كبيراً: معركة «الدائرة السنية الأكبر في لبنان»، أي دائرة الشمال الثانية (طرابلس ـــ المنية الضنية)، حيث يواجه خصمين: نجيب ميقاتي بهدف محاصرته، وأشرف ريفي لكسره؛ معركة الحصول على مقعدين في صيدا ــ جزين؛ معركة الحصول على مقاعد غير سنيّة، ومسيحية بالدرجة الأولى؛ والأهم مما سبق، معركة الزعامة في بيروت، وتحديداً، في دائرة «بيروت الثانية».
أهمية النسبية أنها ستلغي نتائج الانتخابات النيابية التي أجريت في الأعوام 2000، و2005، و2009. لم تعد بيروت «زي ما هيي». غازي كنعان ليس هنا ليهندس للحريري قانوناً يناسبه، وتحالفات تسمح له بحسم المعارك. يقف رئيس التيار الأزرق اليوم ليواجه الحقيقة كما هي: نصف بيروت لا تؤيده.
في حسبة بسيطة، يمكن أن تصل نسبة التصويت في «بيروت 2» إلى أكثر من 46 في المئة: نحو 50 في المئة عند الناخبين السنة (106 آلاف مقترع)؛ نحو 50 في المئة عند الناخبين الشيعة (38 ألفاً)؛ ونحو 30 في المئة لدى المسيحيين (15 ألفاً)؛ ونحو 50 في المئة عند الدروز (2500)؛ ليبلغ عدد المقترعين نحو 162 ألفاً (الحاصل الانتخابي، أي الحد الأدنى اللازم للحصول على مقعد، يمكن أن يصل إلى نحو 14700 صوت). وبحسابات غالبية الماكينات، لن يكون بمقدور الحريري الحصول على أكثر من 65 في المئة من أصوات المقترعين السنّة، أي أقل من 70 ألف صوت. فباستثناء لائحتي 8 آذار وحركة الشعب وحلفائها، سيغرف الآخرون من صحن «المستقبل».
وإذا أضيف إلى سلة التيار الأزرق نحو ألفي صوت شيعي، و5 آلاف صوت مسيحي، ونحو 2000 صوت درزي، فستصبح النتيجة نحو 80 ألف صوت كحد أقصى، في مقابل نحو 80 ألفاً لخصوم الحريري: قوى 8 آذار، فؤاد مخزومي، «المجتمع المدني»، صلاح سلام ـــ الجماعة الإسلامية، أشرف ريفي، حركة الشعب والمرابطون وحلفائهما، وبقية اللوائح.
80 ألف صوت ستمنح «المستقبل» 6 مقاعد.
سيناريوهات الرعب: تَراجُع عدد الفائزين من لائحة الحريري إلى 5!


أما لائحة 8 آذار، فيمكن أن تحصل على نحو 35 ألف صوت شيعي، و10 آلاف صوت سني، و5 آلاف صوت مسيحي، أي ما مجموعه نحو 50 ألف صوت.
بدوره، يمكن أن يحصل مخزومي على 15 ألف صوت (على رغم أن بعض التقديرات ترجّح عدم فوز لائحته). وإذا لم تؤمن بقية اللوائح أيَّ حاصل، فهذا يعني تقاسم المقاعد وفق الآتي: 6 مقاعد للائحة المستقبل، 4 مقاعد لقوى 8 آذار، ومقعد للمخزومي.
ما ينقذ الحريري من هذا السيناريو، هو حصر التمثيل بلائحته وبلائحة 8 آذار (ألا تفوز أي لائحة أخرى بأي مقعد). وهنا، سيحصل (في حال تحقيقه الأرقام المذكورة أعلاه) على 7 مقاعد، ليبقى لخصومه 4 فقط.
لكن، ثمة سيناريوات أخرى، يمكن وصفها بسيناريوات الرعب للحريري. «عمودها» ألا تصل نسبة التصويت السني إلى 50 في المئة، وعدم تمكّن اللائحة الزرقاء من الحصول على 65 في المئة منهم، وأن تتجاوز 4 لوائح الحاصل: «المستقبل»، 8 آذار، مخزومي، و«المجتمع المدني» أو «سلام ـــ الجماعة»، مع الأخذ في الاعتبار أن اللوائح الثلاث الأخيرة ستقاسم المستقبل أصواته، وستخفض بالتالي نسبة تصويت الناخبين السنة له. في هذه الحالة، قد يتراجع عدد الفائزين من لائحة الحريري إلى 5!
ماذا يعني ذلك؟ ثمة واقع لا يمكن تجاوزه. حتى لو فاجأت النتائج رئيس الحكومة نفسه، والعاملين في ماكينته الانتخابية، وكل شركات الاستطلاع، وقضى الأسبوع المقبل منفقاً المال، وشاداً عصب جمهوره، وساعده الحظ بعد إسقاط كافة الأصوات التي صبّت للوائح التي لم تبلغ الحاصل، وتمكّن من حجز 7 مقاعد، فسيبقى الواقع البيروتي يؤرقه: نصف ناخبي العاصمة ليسوا معه. وهنا الهدف الأول للنسبية: تحطيم الأوهام التي بناها النظام الأكثري.