لن تسلم معظم أحزاب لبنان السياسية من الهزات والارتدادات الانتخابية، قبل السادس من أيار وبعده. الجماعة الإسلامية نموذجاً. تنظيم الإخوان المسلمين ـــ فرع لبنان، وجد نفسه في خضم بحر انتخابي هائج. «الربيع العربي» الذي راهنت عليه «الجماعة» لم يأت لمصلحتها. صار البعض ينظر إليها كأنها عبارة عن «بعبع» سياسي. الاستقالة الأخيرة لرئيس المكتب السياسي في الجماعة الإسلامية أسعد هرموش دليل جديد على تشظّي البيت الداخلي. أعلنها الرجل الهادئ في شريط مسجل وزّع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. حاولت القيادة تطويق ذيول الاستقالة التي خالفت أعراف تنظيم «الإخوان المسلمين». أعراف تفترض الكتمان وعدم خروج الخلافات أبعد من البيت الداخلي.في بيانها، عطفاً على خروج الأمر إلى العلن، قالت الجماعة الإسلامية إن أسعد هرموش «يعلم بأن معالجة الأخطاء التنظيمية من صلاحيات القيادة حصراً، وهي ستقوم بواجبها حتماً بعد الاستحقاق الانتخابي». وأشارت إلى أن الخيارات التي تتبنّاها لا تؤخذ على مقاسات أشخاص أو مناطق أو مجموعات. ورغم كيلها المديح لأسعد هرموش «صاحب الباع الطويل في مؤسسات الجماعة وأنظمتها»، لكنها صوّبت عليه، ملمّحة إلى أسباب أخرى تقف خلف الاستقالة غير تلك التي ساقها في بيانه. أشار بيان التنظيم بوضوح إلى أن هرموش «واكب طيلة الأشهر السبعة الماضية الاستحقاق النيابي وما تم إقراره (قرارات وخيارات على صعيد التحالفات والمرشحين)».
أوحى هرموش باستقالته أنه قيادي في «المستقبل» وليس رئيس المكتب السياسي في «الجماعة»


تكرر أوساط النائب السابق أسعد هرموش ما قدمه في شريط الاستقالة المصور. هنا استعادة للأسباب: «عزفت عن الترشح نظراً لطبيعة قانون الانتخاب الظالم الذي يفرض تحالفاً انتخابياً مُلزماً ويحاصر ساحتنا بخياراتها الحرة ويصادر إرادتها. ولأن تحالف آخر ساعة لا يحقق المصلحة الاسلامية والوطنية ولا يؤمن نتيجة انتخابية معتبرة، آثرت الصمت. لكن استمرار البعض بالتعرض لموقفي وتحميلي تبعات ومسؤوليات لست مسؤولاً عنها، جعلني أعلن استقالتي».
لم يقتنع رفاق هرموش في المكتب السياسي وشورى الجماعة بأسباب الاستقالة المعلنة. تحدثوا عما سمّوه «لمسات حريرية واضحة» هي في صلب قرار الاستقالة. استحضروا اعتكاف هرموش، بالطريقة نفسها، قبيل الانتخابات النيابية السابقة (2009)، عندما أصرّ وقتذاك على تحالف الجماعة الإسلامية مع تيار المستقبل. وعندما قرر التيار الأزرق عدم إشراك الجماعة في لوائحه باستثناء العاصمة (النائب الحالي عماد الحوت)، فضّل عدم ترشيح أيّ من رفاقه في «إخوان لبنان» وتجيير أصوات الجماعة الإسلامية لتيار المستقبل.
في موسم الانتخابات الحالية، عبّر أسعد هرموش عن تمسّكه بالتحالف مع تيار المستقبل. هذا المناخ كان موجوداً في الجماعة، لكن المفارقة أن الحريري قرر التبرّؤ من نصيرته الدائمة بناءً على تمنيات إماراتية وسعودية ومصرية. تدخل الأتراك مع الحريري ولكنه لم يخالف إرادة «بيت المال السياسي»، على حدّ تعبير أحد قياديي الجماعة الإسلامية. يربط البعض في التنظيم بين عزوف هرموش عن الترشح وبين استقباله أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري الأربعاء الماضي، أي قبيل تعميم فيديو استقالته. أخيراً، «أوحى هرموش بخطوته بأنه قيادي في «المستقبل» وليس رئيس المكتب السياسي في الجماعة التي تخوض الانتخابات ضد المستقبل في أكثر من دائرة، من صيدا إلى عكار مروراً بالشوف وبيروت والبقاع الغربي. تتويج الاستقالة سنشهده اليوم بنزول سعد الحريري إلى دارة هرموش في بلدة السفيرة في الضنية خلال جولته الشمالية. ما هو المقابل الذي وُعدَ به هرموش؟. يهمس «الإخوان» بأن هرموش «تلقّى وعداً من الحريري بتعيينه وزيراً في الحكومة المقبلة... لننتظر ونرَ»!
يرفض الأمين العام للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي الذي يدير المكتب السياسي فعلياً منذ أشهر، بعد تفاقم الخلاف مع هرموش، مقاربة الملفات الداخلية عبر الإعلام. عن أزمة هرموش، يكتفي بالآية التي كتبها على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار استقالة هرموش: «إن الذين يبايعونك، إنما يبايعون الله (...)، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه».