في ما يأتي برقية أرسلها السفير الإماراتي إلى بلاده يوم 14 تشرين الثاني 2017:تقرير من أحد مصادرنا الخاصة يتضمن ردود الفعل بين الأحزاب اللبنانية على مقابلة الحريري وذلك على النحو التالي:
المقابلة التي أجراها الرئيس سعد الحريري. وجد اللبنانيون فيها تراجعاً عن التصعيد الذي أطلقه في بيان الاستقالة الذي أعلنه يوم السبت في الرابع من تشرين الثاني، كما اعتبروا أن كلام الحريري والسقف السياسي الذي وضعه في المقابلة، لا ينسجم مع التصعيد السعودي واللغة التصعيدية تجاه لبنان وتجاه ما يقوم به حزب الله، لكن الحريري حاول الظهور بمظهر المرتاح والواثق بنفسه، مستخدماً لغته وأسلوبه في المقاربة السياسية للأمور، فتحدث بشخصيته الهادئة، والتي تعيد ربط النزاع مع حزب الله، من دون استفزاز، أو استدراج العداء معه، وهذا ظهر حين قال إنه حريص على التسوية وعلى العلاقة مع رئيس الجمهورية، ولكن بشروط العودة إلى النأي بالنفس والالتزام به.
تنقسم التقديرات حول موقف الحريري، حيث يعتبر البعض أنه أصر على الهدوء كي لا يقال إنه مجبر على التصعيد، ونفى كل الإشاعات التي تقول إنه محتجز وقيد الإقامة الجبرية، ولذلك تقصد مدح رئيس الجمهورية، للالتفاف عليه وعلى ما قاله قبل المقابلة، بأن ما يقوله الحريري لا يعتد به لأنه مخطوف. وهكذا لم يعد بإمكان عون اعتبار الحريري مخطوفاً، والدليل أنه رحب بما قال واعتبره موقفاً إيجابياً.
في المقابل، هناك من اعتبر أن الحريري ظهر متعباً، وكأنه غير مقتنع بما حصل معه، ويريد التراجع عن الاستقالة، والحفاظ على التسوية لأنه لا يريد خسارة الحكومة، ولا ما حققه في هذه التسوية، فيما هناك وجهة نظر أخرى، وهي وجهة نظر حزب الله، الذي اعتبر أن الحريري تراجع بناء على تراجع السعودية، والتي على ما يبدو تعرضت لضغوط دولية كبيرة، بسبب ما حصل مع الحريري، ولأن الدول الكبرى والمؤثرة كالولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية ترفض التصعيد السعودي في لبنان، وترفض نقل المواجهة إليه، ويعتبر الحزب أن زيارة الوزير ثامر السبهان إلى واشنطن لم تكن إيجابية ولم يحصل أي اتفاق لإقناع الأميركيين بدعم السعوديين بالتصعيد، وبالتالي اضطر السعوديون إلى التراجع، وهذا ما انعكس تراجعاً لدى الحريري الذي أبدى استعداده للتراجع عن الاستقالة.
ويشير حزب الله إلى أن طريقة إدارة هذه الأزمة السياسية، والتعاون بين آل الحريري، خصوصاً بهية الحريري ونادر الحريري مع الحزب ومع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، أدى الى تحقيق هذه النتائج، وتم تطويق مساعي السعودية التي تريد التصعيد في لبنان، وفرط التسوية.
تؤكد مصادر متابعة أن الاتصال كان مفتوحاً طوال الوقت بين نادر الحريري وقيادة حزب الله، وهذا التنسيق يعتبره الحزب أنه ساهم كثيراً في امتصاص الصدمة، وفي التكاتف حول آل الحريري، والتمسك بزعامة سعد. وتعتبر المصادر أن الاتصالات التي أجراها آل الحريري بعدد من السفارات والدول كانت تشدد على ضرورة الحفاظ على سعد، وعلى عودته إلى لبنان، وهذا ما ارتكز عليه الحزب، للنجاح في شن حملة مضادة ضد السعودية، رفع عنوانها الأساسي رئيس الجمهورية ووزير الخارجية. ويعتبر حزب الله أن آل الحريري وبعض المقربين من سعد لا يريدون التورط بالتصعيد السعودي، لأنهم يعتبرون أنهم قد يتركون في منتصف الطريق، أو لأنهم يعتبرون أن الجو الدولي ليس منسجماً مع الجو السعودي، بالتالي فإن السعودية ستتراجع في النهاية، وإذا ما اتخذوا مواقف تصعيدية، فهذا يعني أنه سيرتد عليهم سلباً سياسياً في لبنان، إذا ما ناصبوا العداء لحزب الله.
أما النائب وليد جنبلاط، فيقول إنه من الأفضل الصمت وعدم الحديث، كي لا يتضرر صديقه الشخصي والعزيز سعد الحريري، لأنه يجب التضامن معه في هذه الفترة. ولا أحد قادر على التكهن بما يحصل معه، وإذا ما كان جزء من مشكلته له علاقة بما يحصل في السعودية من مكافحة الفساد، إضافة إلى ربط الأمر، بالتصعيد السعودي ضد إيران، فيما الحريري غير قادر على خوض هذه المواجهة. ويقول جنبلاط: إن الحريري بدا متعباً جداً، وغير مرتاح، ولا يتوقع أنه سيعود إلى لبنان على رغم قوله إنه سيعود قريباً، وحتى لو عاد فهو سيعود ليصر على الاستقالة. ويعتبر جنبلاط أن الحريري أعطى انطباعاً أساسياً لأساس الصراع والأزمة، وهو يتعلق بالملف اليمني، إذ إن السعودية تريد التصعيد في لبنان، لتحقيق نتائج في اليمن، بعد انقضاء ثلاث سنوات على عاصفة الحزم، وهذا يتأكد من خلال كلام الحريري عن أن مشكلة السعودية مع حزب الله بدأت في شكل فعلي منذ تدخله في اليمن. ويعتبر جنبلاط أن لا حل للملف اليمني إلا بالدخول بحوار مباشر بين السعودية وإيران، لوقف الاستنزاف. أما عن المرحلة المقبلة في لبنان، فلا يتوقع جنبلاط أن يقف التصعيد، لا بل سيستمر، وقد يكون اقتصادياً هذه المرة، مبدياً تخوفه من طرد اللبنانيين من الخليج، وهذا ما يؤدي إلى أزمة اقتصادية كبرى.
وفيما أشاد رئيس مجلس النواب نبيه بري بموقف الحريري، فهو لا يزال يعتبر أن الحريري مغلوب على أمره، واستدراجه إلى معركة هو ليس جزءاً منها، وهي سترتد عليه سلباً، داعياً إلى ضرورة العودة عن الاستقالة، لأن لبنان لا يمكن إلا أن تحميه التسوية والحفاظ عليها.
لا يزال الانقسام سائداً داخل تيار المستقبل، فالبعض يعتبر أن كلام الحريري موزون ويمثّل شخصيته، وهو متمسك بطروحاته السابقة والمحافظة على ربط النزاع مع حزب الله، ومن بين هؤلاء من يؤكد ضرورة الحفاظ على التسوية والتمسك بها، لأنه لا تمكن مواجهة حزب الله، ومواجهته في ظل هذه المرحلة قد تؤدي إلى انكفاء المستقبل عن السلطة، فيما يعتبر مستقبليون آخرون، وهم ضد التسوية، أن الحريري لجأ إلى هذا الخطاب كي لا يقال أنه مجبر على التصعيد، ولذلك التزم بأدائه المعتاد، لكنهم يعتبرون أن هذا لن يحل الأزمة، ولن يؤدي إلى تجنيب التصعيد الآتي على المنطقة. ولا شك أن داخل المستقبل صراعاً ينقسم إلى قسمين، قسم بين الذين يريدون التسوية، وأبرزهم نادر الحريري وبهية الحريري، نهاد المشنوق، غطاس خوري، بوجه الذين يريدون التصعيد والمواجهة، كفؤاد السنيورة، أحمد فتفت، وغيرهما، وهذا الصراع، يدور بين هذين القسمين، على وجهة نظر من ستنتصر في النهاية، ليكون الأقرب إلى الحريري وإلى السلطة والمواقع القيادية.
د. حمد سعيد الشامسي
السفير
14/11/2017