بعد ثلاثة أيام على استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض، بدأت تظهر في برقيات السفارة الإماراتية في بيروت آثار الموقف اللبناني الذي واجه المغامرة السعودية، وخاصة لجهة الموقف الرسمي الموحَّد الرافض لاستقالة الحريري الملتبسة. وأبرز ما في ذلك الموقف، اتفاق الرئيسين ميشال عون ونبيه بري. في ما يأتي، برقية أرسلها السفير الإماراتي إلى بلاده يوم 7 تشرين الثاني 2017
ملخص تنفيذي عن المشاورات السياسية التي يجريها رئيس الجمهورية ميشال عون مع مختلف القوى السياسية اللبنانية بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري:
بدأ الرئيس عون مشاورات سياسية «وطنية» شاملة لتحديد سبل التعاطي مع الأزمة الطارئة. ولكن الرئيس ليس في صدد إجراء استشارات نيابية في شأن «التكليف» وتسمية رئيس حكومة جديد. وكل المسار الدستوري مجمد إلى ما بعد عودة الرئيس سعد الحريري من الخارج للوقوف منه شخصياً على ما حصل وأسباب استقالته.
وعلى رغم الخلافات والتباينات التي عادت تمزق الوسط السياسي، يتفق الجميع على أن «إدارة الأزمة» من قبل الرئيس عون اتصفت في اللحظة الأولى بالتروي والتريث والتهدئة وضبط الوضع سياسياً وأمنياً ومالياً، ما أدى الى استيعاب الصدمة والموجة الأولى للأزمة التي غالباً ما تكون الأقوى والأخطر. وقد لقي موقف عون تقديراً لدى أركان المستقبل (بهية الحريري ونهاد المشنوق ونادر الحريري)، والأهم أنه لقي تأييداً كاملاً من الرئيس نبيه بري، وحيث لم يسبق أن كان الاتفاق إلى حد التطابق حاصلاً بين عون وبري كما الحال الآن.
الرئيس بري كان واضحاً وحاسماً في اعتبار أن رئيس الجمهورية على حق في استمهال الموقف إلى حين عودة الحريري، وأنه من المبكر والسابق لأوانه البحث في الحكومة الجديدة، لا بل يذهب إلى أبعد من ذلك بأن يعتبر الحكومة الحالية أنها ما زالت قانونية ودستورية، وأنه لا يعترف بحصول الاستقالة، طالما لم يوجه الحريري لرئيس الجمهورية استقالة خطية ولم يبلغ رئيس الجمهورية بها.
من الواضح أن اتفاق عون ـــ بري (ومن ورائهما «حزب الله» وهذا ما عكسه خطاب الأمين العام للحزب) هو عامل أساسي ومهم في احتواء الأزمة والتخفيف من وطأتها وأخطارها. وهذا الاحتواء يقوم بشكل أساسي على فكرة مراعاة وضع الطائفة السنية وعدم القيام بأي موقف أو تصرف يشتم منه تحدٍ أو استفزاز، لا بل إظهار التضامن والتعاطف مع الطائفة السنية التي تجتاز أوقاتاً صعبة ومرحلة دقيقة شبيهة بتلك التي عاشتها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهذا ما تعكسه الحركة المكوكية التي تشهدها دار الفتوى (هناك حراك سني موسّع)، لأجل إبقاء المظلة السنية فوق الحريري ومحاولة سحب أي شرعية من أي مرشح غيره).
على رغم هذا «النجاح الأولي» في احتواء الأزمة وتحجيم الاستقالة وخطرها، ولكن هذا لا يعني أن الأمور تسير نحو حلول، وإنما الوضع ما زال على قدر كبير من الدقة والتعقيد، خصوصاً أن لبنان أمام أزمة جديدة من نوعها ببعدين ووجهين داخلي وإقليمي، وأمام استقالة غير مألوفة وغير مسبوقة في شكلها وظروفها، وأمام وضع معقد دستورياً وسياسياً ومتشابك في خيوطه، ومن أبرز هذه التعقيدات:
هذه الاستقالة غير طبيعية أو غير عادية وهي تحدث للمرة الأولى بهذه الطريقة وتعلن من الخارج.
هناك «فراغ» في رئاسة الحكومة يحصل للمرة الأولى بعدما كان الفراغ يحصل ويتكرر خصوصاً بعد العام 2005 في رئاسة الجمهورية.
الحكومة الحالية، سواء كانت حكومة تصريف أعمال أو حكومة كاملة الصلاحيات، حكومة من دون رئيس ومن دون رأس. وهذا الوضع يثير قلق وحفيظة القيادات السنية إذا طال مع صعوبة وتعذر تشكيل حكومة جديدة مع ما في ذلك من إخلال بالتوازن الطائفي «الميثاقي».
الأزمة بين لبنان والسعودية لم يسبق أن وصلت إلى هذه المستويات وإذا كان لبنان الرسمي نجح في احتواء الشق الداخلي، وإذا كان حزب الله وحلفاؤه نجحوا في تحويرها وتغليب البعد السعودي على استقالة الحريري، أي أنها نتاج وضع سعودي داخلي أكثر مما هي نتاج صراع سعودي ـــ إيراني في لبنان والمنطقة. فإن الأزمة في شقها المتعلق بالعلاقة مع السعودية تزداد تفاقماً وتأزماً. وهذا ما عكسه تصريح الوزير ثامر السبهان الذي قال: «حزب الله» أصبح أداة قتل ودمار للمملكة ويشارك في كل العمليات الإرهابية في المملكة وفي إطلاق الصواريخ من اليمن، وعلى اللبنانيين أن يعلموا أن الوضع خطير، وعلى الحكومة اللبنانية أن تعلم أنها ستعامل وكأنها حكومة إعلان حرب على السعودية طالما أن حزب الله ممثل فيها، وعليها أن تعي أخطار ذلك وتعمل على تدارك الأمور قبل وصولها إلى نقطة لا رجعة فيها.
د. حمد سعيد الشامسي
السفير
7/11/2017