أوصل شارل أيوب الصحافة في لبنان إلى أمكنة سوريالية. كما في الموقع الإلكتروني لـ«الديار»، كذلك على صفحاتها الورقية. تزخر الصحيفة بالخيال السياسي (غير العلمي)، فيما بات الموقع معروفاً بنصوص تصلح كسيناريوات لأفلام إباحية. شارل أيوب واضح. في عمله صورة دقيقة لمآلات الصحافة اللبنانية في زمن احتضارها. يبتز بلا حياء. يطلب الدعم المالي بلا خجل. لكن ما يقوم به في العلن، يرتكبه كثيرون من أقرانه في السر. يكتب أيوب رسالة في جريدته إلى الرئيس بشار الأسد يشكو فيها وقف الدعم السوري، فيما يذهب، اليوم، أصحاب مؤسسات إعلامية، يوصفون بـ«المرتَّبين»، ليستجدوا المال، سراً، من أمير سعودي أو من سفيره أو من مساعد مساعده. ينشر صاحب «الديار» مقالات جنسية، فيتناقلها القراء ضاحكين، وتتهكّم «النخبة» على مهنة تكشف لنا كل يوم قعراً جديداً. لكنّ أحداً لا يأتي على ذكر «الصحيفة العريقة» التي تنسخ أخباراً من الصنف نفسه، من صحف أوروبا الصفراء، لتحتل المراتب الاولى في خانة «الأكثر قراءةً». شارل أيوب لا يراعي حدوداً في ذكوريته وهو يرد على كاتب مغمور شتمه، ولا في عنصريته وهو يشتم شربل خليل على صفحته الاولى. هي «نُخبتنا» كذلك. كثيرون من مشرّعينا عنصريون إلى حدّ الفاشية، ونسبة لا بأس بها من وزرائنا طائفيون إلى درجة رسم حدود جينية بين اللبنانيين. لكنهم في الوقت عينه «مرتّبون». يبتزّ شارل أيوب مرشحين إلى الانتخابات؟ لم يفعل عُشر ما تقوم به الشاشات البراقة، التي شرّع لها قانون الانتخاب التحوّل إلى بائعات هوى. الفارق بين النموذجين هو الصراحة لا أكثر. لم يخجل أيوب يوماً بالإفصاح عن علاقته بالمموّلين، فيما يكتم آخرون طلبهم من المرشحين إلى الانتخابات تحويل الاموال إلى حساباتهم الخاصة بدل حسابات مؤسساتهم.تبدو «الديار» نشرة هاو مستعد ليكتب بنفسه كل ما تحويه صفحاتها. لكن، كقارئ، «الديار» تسلّي في الكثير من الأحيان، وخاصة إذا ما قورِنَت بالملل الذي تبثّه «الصحيفة العريقة». ليس الهدف هنا تبرئة أيوب، ولا الدفاع عنه، ولا مجرد القول إنه كغيره من أبناء المهنة. لكن البشع في ما تعرّض له أمس أن ثمة من يستقوي بالقضاء على شارل أيوب، فيما هو غارق في ما يتهم به صاحب «الديار». ثمة حزب باع مقاعد على لوائحه في أكثر من دائرة. تعامل معها كما لو أنها غرف فنادق للإيجار. ثمة رئيس حزب يقول لمرشح متموّل «أريد أن تشتري ألفي صوت من الطائفة الفلانية» في دائرته. الأصوات تُباع في المزاد. لكن، وحده شارل أيوب هو المجرم. لا أحد سيبرر فعلة القضاء بتوقيفه ثم إطلاق سراحه. إذا كان يستحق الحرية، فلماذا أوقف؟ وإن كان السجن مكانه الطبيعي، فلماذا أطلق سراحه؟ الإجابة بسيطة. سياسي (ليس سركيس سركيس طبعاً) زجّ به خلف القضبان، وآخر أخلى سبيله. قد يقول قائل إن شارل أيوب لم يدخل السجن بسبب عمله الصحافي، بل لارتكابه جريمة تحرير «شيك من دون رصيد». حسناً. هل علينا أن نذكّر بمرشحين إلى الانتخابات احتاج تنظيف سجلاتهم العدلية إلى تدخلات مراجع رئاسية فيما آخرون لن يُلاحَقوا بجرائم متمادية؟
لم يصدر القرار السياسي بتوقيف شارل أيوب لأنه خالف قواعد ناظمة للمجتمع السعيد. جريمته أنه خدش الحياء في بلاد يشارك في حكمها ناهبون للمال العام ومجرمو حرب وعملاء. عوقب لأنه فعل ما يفعله غيره، لكن بالكثير من الصراحة وبأسلوب «مش مرتّب». و«المرتّب»، لمن لا يعلم، هي الصفة اللبنانية الأولى في الفصل بين المباح والمحظور.