لا شك في أن المسرح جذاب، وحفلة الزجل مسلية، وفرقة الزفة تشجع على الرقص. لكن كان الأجدى بمن يريد بناء دولة حقيقية، لا صالة أعراس، أن يبدأ من بيته الصغير، أو بالأحرى من مهرجان إعلان أسماء مرشحيه. فرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي دعا الناخب يوم أمس إلى التصويت لمن يعرف كيف يدير الشأن العام، بدا بعيداً كل البعد عن الشأن العام والهموم العامة. يريد من الناخب أن يقترع «للأفعال لا الأقوال»، ويقف هو ومرشحوه أمامه يقولون ويقولون ويقولون على مدى ساعتين من الوقت. كان يكفي الناخب إعلان مرشحي القوات خلال حفل تدشين مشروع اجتماعي أو صناعي أو زراعي أو افتتاح مستوصف صحي حتى يقتنع بأنه «صار بَدّا قوات»، إلا أن كل ما تلقاه كان قد سمعه منذ تسعة أعوام بالضبط. والأكيد أن حزب الله الذي افتتح جعجع مهرجانه بالحديث عنه لم يمنع وزراء القوات ولا نوابه من تحقيق أي إنجاز خلال ولايتهم النيابية والحكومية. وإذا كان من ملل حقيقي لدى المواطنين، فهو ذاك الذي أصابهم جراء السياسيين الذين يلعبون دور المطاوع لتحفيزهم على انتخابهم ويبالغون في الحديث عن نظافة كفهم وثقافتهم وتاريخهم الناصع علّهم يحيدون الأنظار عن قلة أفعالهم.
لم ينجح «القوات» بتقديم مشاريع اجتماعية، رغم حصوله على أبرز وزارتين خدماتيتين

أما الاستخفاف بعقول الناخبين، فتلك مصيبة أخرى. هكذا، يطيب لجعجع الحديث عن ضرورة محاسبة «السلطة» من أجل دولة جديدة ومشاريع وأحلام وردية عبر انتخاب القوات التي تشكل اليوم جزءاً من هذه السلطة عبر ثمانية نواب و3 وزراء! ليس ذلك فحسب، بل يدخل في صلب التفاصيل عبر دعوة اللبنانيين إلى الاقتراع لمن يعرف كيف يحلّ مشكلة السير بين نهر الموت ونهر الكلب. وتناسى أن وزراءه لم يقدموا أي مشروع جدي لحل هذه المشكلة، بل صوتوا مع مشروع جسر جل الديب الذي أقرّ في الحكومة الحالية، والشبيه بجسر نهر الموت حيث يعاني المواطنون يومياً نتيجة سوء التصميم. لا همّ، أصلاً طموح جعجع تخطى السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبات يرى أن التغيير يبدأ من الرئاسة الأولى، أو بالأحرى زوجته ستريدا «شجعته» على الحلم كما تفعل كل امرأة محبة لزوجها وتريده في أعلى المراتب: «بوصول الحكيم إلى سدة الرئاسة الأولى سيصبح لبنان كبشرّي بالإنماء والكرامة والمسؤولية»، فكان أن أُعجب «الحكيم» بالفكرة ورددها بخفر وراءها من دون أن يسمي نفسه: «بانتخاب بشير الجميِّل رئيساً للجمهوريّة عام 1982 انضبط الوضع بشكل تلقائي في جميع إدارات الدولة وقبل تسلّمه لمهماته».

«هدوء تام... المرشح ينام»

يوم أمس، طغت أجواء الاحتفال على كلمات المرشحين المفترضين إلى الانتخابات النيابية، فوقفوا كلّ بدوره يلقي «الشعر» ويحرص على السجع في جمله، فلم تجد هموم الناس ومشكلاتهم مكاناً لها في القافية. البداية من عكار حيث لا يزال مرشح القوات هو نفسه العميد المتقاعد وهبه قاطيشا عن مقعد الروم الأرثوذوكس. والأخير ينتظر بناء الدولة حتى يفتح منزله أمام المواطنين أو أقله يُعد مشروعاً واحداً لهم في منطقة تئنّ من القلة في كل المجالات. علماً أن حزب القوات يشغل حالياً اثنتين من أكبر الوزارات الخدماتية: الصحة والشؤون الاجتماعية. فيما مرشحا قضاء بشري عن المقعدين المارونيين هما ستريدا جعجع وجوزف إسحق. الأولى أتمت واجباتها في القضاء، وباتت تُعدّ مشاريع مستقبلية كسيدة أولى، لذلك أحسن الحزب اختيار مرشحه الثاني ويدعى جوزف إسحق الذي سيكون أول مرشح من خارج عاصمة القضاء. في الكورة، المرشح ليس سوى النائب فادي كرم عن المقعد الأرثوذوكسي. وهو بالمناسبة يحصر دوره بإذاعة البيانات الهجومية عندما يقرر «الحكيم» رفع الصوت؛ وفي ما عدا ذلك، يقول أحد المراقبين: «هدوء تام، المرشح ينام». والواضح أن همّ المرشحين كان بالدرجة الأولى كسب ودّ رئيسهم، لذلك انكبّ نقيب المهندسين السابق في الشمال ماريوس بعيني على التغزل بـ«قدسية» جعجع. وبالمناسبة، بعيني هو نفسه الذي سبّب انقساماً في الجسم القواتي في زغرتا عندما كان منسقاً، الأمر الذي استدعى إقالته وتعيين آخر مكانه، أضف إلى ذلك الاعتراض على كونه من خارج المدينة (زغرتا).

«لعنة» البترون

للبترون قصة أخرى. يرشح القوات هنا الأمين العام السابق للحزب فادي سعد. «لعنة» الأخير تكمن في أن النائب أنطوان زهرا نجح في كسب ودّ الأهالي وشدّ العصب القواتي. وما زالت حالة التعاطف معه إثر عزله عن النيابة، تطغى على أي شيء عداه. فالقواتيون يُجمعون على «نشاطه ومحاولته العمل قدر المستطاع لخدمتهم والبقاء بجانبهم». ومن البترون إلى جبيل حيث ترشح معراب رئيس البلدية السابق زياد حواط الذي لا يختلف اثنان على شعبيته، غير أنه ليس كادراً حزبياً، بل أحد المقربين من القوات. ويبدو هذا الخيار جيداً في هذا السياق من باب التعويض على «كسل» المرشح الحزبي في كسروان شوقي الدكاش. أما في المتن الشمالي، فالأفضلية لإدي أبي اللمع عن أحد المقاعد المارونية؛ ورغم عدم إيمانه بالخدمات الفردية، يحلّ أبي اللمع ثالثاً بين المرشحين الموارنة بحسب غالبية استطلاعات الرأي.

مرشحو الاغتراب

لمعراب مرشحو اغتراب، عملوا طوال حياتهم في الخارج ووقعت «السحبة» عليهم أخيراً. في بعبدا يدعى بيار بو عاصي وقد عاد من فرنسا منذ سنوات قليلة. يشغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة الحالية، وخلال ولايته لم يرَ أن القضاء بحاجة لأي مشروع من مراكز لذوي الاحتياجات الخاصة إلى دار للمسنين وخلاف ذلك مما يمكن وزارته تقديمه. ولكنه بدأ منذ تسميته جولة على البلدات البعبداوية يستطلع أحوالها ومطالبها. وفي عاليه، يدعى أنيس نصار (أرثوذوكسي) الذي يقول موقع القوات عنه إنه «وافد إلينا من خلفية مهندس ورجل أعمال ناجح جداً في الاغتراب وعاد ليسخِّر خبراته لأجل بلده». أولى إشارات هذه الخبرات، استفاضته يوم أمس على المسرح بإخبار قصة خيالية العبرة منها: «ما بتموتوا إذا في قوات». لصيدا ــ جزين، مرشحها أيضاً عن المقعد الكاثوليكي ويدعى عجاج حداد. قضى الأخير حياته في الولايات المتحدة، ليعود إلى لبنان مرشحاً قواتياً في عام 2009. وقد سبّبت تسمية معراب له في عام 2013 استقالة المنسق ونقمة حزبية تضاعفت مع إعادة ترشيحه للانتخابات المقبلة. أما المرشح الأرثوذوكسي في مرجعيون، فليس سوى رئيس «مقاطعة الخليج» في القوات فادي سلامة.

مرشح «الفايسبوك»

تخوض القوات معركتها في بيروت الأولى بمرشح عن المقعد الأرثوذوكسي الذي توليه الدائرة أهمية كبرى. ورغم أن عماد واكيم أحد الناشطين جداً في بيروت، حيث تمكن من تشكيل هيئة ناجحة وموجودة على الأرض، إلا أن المقربين من المطران إلياس عودة يتحدثون عن عدم قبوله به لكونه من خارج الدائرة ولا ينتمي إلى إحدى العائلات السبع في الأشرفية. فيما زميله عن مقعد الأقليات رياض عاقل ينتمي إلى بيروت، ولكن لا تربطه بها أي علاقة سوى أنه كان في السابق أحد المقاتلين القواتيين. في البقاع الغربي ــ راشيا يرشح جعجع وكيل الدفاع السابق عنه أمام المجلس العدلي إيلي لحود عن المقعد الماروني. ويمثل الحزب في بعلبك ــ الهرمل كادر قواتي نشيط يدعى أنطوان حبشي. وعند سؤال الزحليين عن المرشح الكاثوليكي جورج عقيص، يجمعون على أنه «مرشح الفايسبوك». عبر الموقع الأزرق يخاطب الناخبين. وعقيص من ريّاق، وهو الأول في تاريخ زحلة الذي يرأس لائحة رغم عدم انتمائه إلى المدينة. لا يذكر عنه الزحليون شيئاً سوى أنه كان واحداً من أصدقاء رستم غزالة الثلاثة في القضاء. فيما ختام لائحة المرشحين كانت مسكاً مع النائب جورج عدوان عن المقعد الماروني في الشوف ــ عاليه، إذ كانت مناسبة للشوفيين للاطمئنان على مرشحهم بعد طول غياب عن الأرض والشاشة.