الحديث عن حرب إسرائيلية على وعي جمهور المقاومة في لبنان وفلسطين والمنطقة ليس تكهّناً ولا فرضية، ولا مجرد تحليلات واستنتاجات، بل هو حقيقة تؤكدها يوميات الأداء الاسرائيلي والمعسكر المعادي للمقاومة. فإلى جانب الحروب العسكرية والسياسية والامنية، يشن هؤلاء ايضاً حرباً نفسية وتضليلية تستهدف وعي جمهور المقاومة. ويستند هذا التصويب الى إدراكهم أن جمهورها هو مصدر قوتها.
مع أن الحرب على الوعي ليست إبداعاً جديداً ولا تكتيكاً اجترحه جيش العدو، بل هو جزء من التكتيكات القتالية غير المرتبطة بعصر أو بلد أو جيش دون آخر، إلا أن الجديد هو اتساع نطاقه وتطور أساليبه وفنونه وزيادة فعاليته، بفعل تطور وسائل الاتصال بشكل عام، وبشكل خاص وسائل الاتصال الاجتماعي، التي وفّرت فرصاً وامكانات لم تكن متوافرة في أي مرحلة من تاريخ البشرية. ونتيجة ذلك في كثير من الاحيان أنه قد يكون لها الكلمة الفصل في حسم الحرب، وفي أحيان اخرى قد يتحقق عبرها ما لم يتحقق عبر الدم والنار.
هذا النوع من الحروب كان محور تقرير نشره «معهد أبحاث الامن القومي» في جامعة تل ابيب. ويأتي في ظل تكثيف الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة نشاطاته الدعائية والنفسية التي تجسّد حربه على وعي جمهور المقاومة في لبنان وفلسطين. ويسعى الجيش، بحسب التقرير، الى «توجيه خطاب مباشر إلى العديد من الجماهير المستهدفة في الدول المعادية»، بما في ذلك «العناصر الإرهابية في الشبكات الاجتماعية». وتُستَخدم مختلف أنواع القدرات التي «تطورت في السنوات الاخيرة في الجيش، والتي تهدف الى... التأثير على العدو، وأيضاً الحفاظ على الردع». ووصف التقرير التطور التكنولوجي والحضور السري والعلني في الشبكات الاجتماعية على بأنه «ذخر استراتيجي لدولة إسرائيل، الى جانب الذخر الذي تشكله الانشطة العسكرية التقليدية».

المعركة على الوعي
تشمل 3 مسارات تدعم
المعركة في ميدان القتال


وقدّم التقرير عينة من «مجموعة متنوعة من الإجراءات العلنية والسرية التي اتخذها الجيش الإسرائيلي... لنقل الرسائل إلى الجماهير المستهدفة في لبنان والمنطقة والعالم». وأوضح أن الجيش الإسرائيلي يعمل ضد حزب الله في لبنان «بجهود توعوية أخرى»، حيث يسعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، والمسؤول عن الشبكات الاجتماعية في العالم العربي، أفيخاي أدرعي، إلى الوصول إلى مختلف الفئات المستهدفة في لبنان...
وكشف التقرير عن أنه عشية الانتخابات المتوقعة في لبنان، في أيار المقبل، تم نشر مقال يعرض نشاطات الجيش الاسرائيلي في الشبكات الاجتماعية في لبنان، في موقع إخباري لبناني، موجه بشكل مباشر الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. لكن التقرير عاد وأشار الى أنه ما زال من الصعب تقييم تأثير هذا النشاط على حزب الله، لافتاً إلى أن الجيش يكثّف جهده في الآونة الأخيرة، كجزء من «محاولة المحافظة على تراكم القوة في المنطقة».
ويشرح تقرير معهد أبحاث الامن القومي جانباً من الفرص التي وفرها تطور التكنولوجيا للتوجه مباشرة «إلى جماهير مستهدفة مختلفة، وتخلق في الواقع ساحة أخرى للمعركة، اضافة الى ساحة القتال العسكرية الكلاسيكية، حيث تجد الجيوش والدول نفسها في مواجهة جهود العدو عبر استغلال الفضاء التكنولوجي والشبكات الاجتماعية لتحقيق الإنجازات حتى من دون تفعيل وسائل حركية، أو إلى جانبها». ورأى أن هذا الأمر يفرض على الجيوش والدول أن تعمل على المستويين الدفاعي والهجومي، من أجل تنفيذ أهداف عبر التأثير على الجمهور المستهدف من العدو، بمن فيهم صناع القرار والقادة والمقاتلون، وكذلك الرأي العام المحلي والدولي.
أما بخصوص أنماط الحرب على وعي هذه الجماهير، فيمكن تقسيمها الى ثلاثة أنواع، أولها «عمليات سرية»، حيث لا يكون الهدف على علم بأن هناك جهداً «حربياً على الوعي» يجري ضده. ثانيها «الدعاية الكاذبة». وثالثها «شنّ حملات تستهدف الوعي، مثل الإعلانات والرسائل، مقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إلى لبنان، أو نشاط الجيش الإسرائيلي على الشبكات الاجتماعية اللبنانية». ولفت التقرير إلى أن «العمل في الفضاء المفتوح يتطلّب مهارة تنطوي على فهم علم النفس الجماعي وتحليل الجماهير المستهدفة، لكي يكون بالإمكان «شنّ حملات تؤثر على مجموعة واسعة من الجمهور المستهدف».
وأوضح التقرير أن الجيش الإسرائيلي يناقش مسألة من ينبغي أن يقود الحملة على الوعي والتأثير، انطلاقاً من حساسيتها. ونتيجة ذلك، يعمد إلى تعيين المتخصّصين في هذا المجال، مشيراً إلى أن المعركة على الوعي تشمل ثلاثة مسارات، استباقية «قبل الحرب»، وأخرى مرافقة لها «خلالها»، وبعدها، أي «في نهاية الصراع»، وجميعها تدعم المعركة الرئيسية في ميدان القتال.
وخلص التقرير إلى أن المعركة على الوعي ترتكز على رؤية شاملة، «تدمج بين جميع الهيئات والسلطات المعنية، بما في ذلك الجيش والأجهزة الأمنية، والكيانات القانونية والاقتصادية والدبلوماسية، الأمر الذي يتطلّب التوجيه المستمر لجمع المعلومات الاستخبارية والبحوث، وبالتالي تطوير أدوات وقدرات في العمل على ساحة الوعي، ضد مجموعة متنوعة من الجماهير المستهدفة، وضد تهديدات قائمة، وقدرات إحباطية ضد تهديدات في طور التشكل، وفي النهاية قدرات هجومية، لتحقيق أهداف في مقابل جمهور مستهدف متنوع».