لعل ادق ما يصح في وصف حصيلة الانتخابات البلدية والاختيارية، في جولاتها الاربع، انها لم تكتفِ باشهار انهيار الائتلاف الاوسع منذ عام 2005، بل وضعت الحلفاء وجهاً لوجه في معارك انتخابية سياسية بقشرة انمائية ليس الا: القوات اللبنانية في مواجهة النائب دوري شمعون في دير القمر، وفي مواجهة الحليف الانتخابي التقليدي في البترون الوزير بطرس حرب في تنورين، والنائب هادي حبيش في القبيات، وحزب الكتائب في جونيه وغوسطا والمتن وجزين والقبيات وتنورين. لم يكن الرئيس سعد الحريري احسن حالاً في معركة طرابلس ضد الوزير المستقيل اشرف ريفي. كذلك حال تيار المستقبل في الضنية. قد يصح التساؤل ايضاً، في خاتمة ما حصل في الاسابيع المنقضية، عن مغزى الخلاصة الآتية ومآلها: ربح الحريري ائتلافاً عريضاً استثنائياً في طرابلس مع الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي والنائب عبداللطيف كبارة و"الجماعة الاسلامية" ــــ وكانوا يمثلون حتى الامس القريب ماضيها وحاضرها ــــ وخسر المدينة نفسها. ربح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حليفاً مسيحياً هو الرئيس ميشال عون وخسر حلفاءه النواب المستقلين المسيحيين جميعاً بدءاً من بيروت مروراً بالجبل وصولاً الى الشمال. خسر حليفه السنّي، من دون ان يربح حليفاً شيعياً.
الحلفاء وجهاً لوجه في معارك سياسية بقشرة انمائية

كان ثمة درس آخر لا يقل اهمية هو ان التجربتين الحزبيتين ــــ التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ــــ اخفقتا في ان تكونا بديلاً من البيوت السياسية التقليدية والعائلات في اكثر من مكان، في المتن وكسروان وجبيل ذهاباً الى الشمال. لم يلتقِ الحزبان المسيحيان وثالثهما حزب الكتائب سوى في انتخابين اثنين فقط: في زحلة واجهوا زعامة آل سكاف، وفي بيروت تحت مظلة التعاون مع الحريري ثمن مناصفة مقاعد مجلسها البلدي. مع ذلك حرم ناخبو الاحزاب المسيحية الثلاثة الحريري الاصوات التي توقعها.
وما لم يسع بيروت تحميل انتخاباتها عنواناً سياسياً، اثقلت العناوين السياسية على انتخابات طرابلس: لم يكن اقتراعاً ضد خيار الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية فقط، بل اوصدت طرابلس الباب نهائياً في وجه فرنجيه بعدما فتحه عليه الحريري اولاً، ثم مأدبة مفتيها الشيخ مالك الشعار. كان اقتراعاً ايضاً على رفض ترشيح جعجع عون انطلاقاً من موقف ريفي منه. لكنه اقتراع ايضاً ضد ما يعدّه الوزير المستقيل مهادنة الحريري حزب الله وضد استمرار الحوار السنّي ــــ الشيعي في عين التينة. واقتراع على صورة ذهاب ريفي الى ضريح الحريري الاب يضع زهرة عليه على اثر اغتيال مصطفى بدر الدين. واقتراع يقول بالاصرار على المحكمة الدولية التي يمثل ريفي احد مفاتيح تحقيقاتها الاولية. واقتراع على اول خلاف بين ريفي والحريري يوم رفض وزير العدل اطلاق الوزير السابق ميشال سماحة وحمل بعنف على المحكمة العسكرية ثم خاض معركة اعادته الى السجن، قبل ان يتبرأ الحريري من تصرّف وزيره ويلزم الصمت حيال استقالته دونما تضامن معه. الى ذلك كله، هو اقتراع ضد الحليف الجديد في الانتخابات البلدية، حزب رفعت عيد، في الساعة الاخيرة التي سبقت اقفال صناديق الاقتراع، المتهم بتفجير مسجدين في طرابلس. بيد انه اقتراع ضد الحريري كذلك بسبب تحالفه مع ميقاتي الذي كان اسقطه في الاستشارات النيابية الملزمة في كانون الثاني 2011، في هزيمة غير مسبوقة في بيت اعتاد، وخصوصاً مع الحريري الأب، ان يغادر الحلبة ولا يسقط على ارضها.
اذا كان لا بد من الاخذ في الحسبان كل الدوافع تلك، يصبح من باب لزوم ما لا يلزم تبرير فوز ريفي في طرابلس على حلفاء اليوم ـــ اعداء الامس رغم تجنيد هؤلاء 13 الف مندوب مقيم ومتجول بين مراكز الاقتراع.
ما افضت اليه انتخابات طرابلس انها وضعت ريفي في منزلة الندّ للحريري، في وقت لم يسع الرئيس فؤاد السنيورة ان يكون عليه في صيدا. وقد لا يكون عابراً التنبه الى ان الحريري تصالح مع معظم الوجوه السنّية البارزة من بين خصومه التقليديين كالنائب السابق عبدالرحيم مراد وفؤاد مخزومي، ناهيك بمظلته لرئيس الحكومة تمام سلام، والتحالف الجديد مع ميقاتي والصفدي وكرامي كي يجد نفسه هذه المرة في مواجهة مَن خرج من بيته. بيد ان المهم ايضاً حرص وزير العدل المستقيل، ابان الحملة الانتخابية ثم بعدها، على ان ينسب الى نفسه البنوة السياسية للحريري الاب.
يختصر النائب السابق فارس سعيد مآل قوى 14 آذار: عام 2005 اردنا حزب الله ان يشبهنا ويكون على صورتنا، فاذا نحن الآن ــــ بعد الانتخابات البلدية والاختيارية ــــ نشبهه وعلى صورته. خرجنا من المساحة الوطنية الواسعة التي تجتمع فيها كل الطوائف لندخل في ما يريد حزب الله ادخالنا فيه، وهو عودة كل منا الى طائفته. الا انه من بيننا هو الاقوى في طائفته.