أعداء كثر جمعتهم اللائحة التوافقية «لِطرابلس» التي تُنافس في الانتخابات البلدية. بعد التقاء نجيب ميقاتي وسعد الحريري، شخصت الأنظار إلى الجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش). يُراهن كُثر على أن هذين الطرفين سيعملان على تشطيب بعضهما البعض.هذان المكونان هما جزء من الحالة الإسلامية في طرابلس، يُضاف إليهما السلفيون وحركة التوحيد وهيئة علماء المسلمين وغيرها من القوى والشخصيات غير المنظمة. إلا أنّ العلاقة بين أتباع عبدالله الهرري (الأحباش) و«الجماعة» هي علاقة صراع دائم، عقائدي ــ ديني وسياسي. الجماعة الإسلامية تتهم "المشاريعيين" بأنهم «أصحاب فتنة تابعون للاستخبارات السورية ويتجسسون علينا في المساجد ليُقدموا التقارير بحقنا إلى الأجهزة الأمنية». جُرح بعضهم لم يندمل بعد. أحد المشايخ يتذكر كيف «سبّب لي الأحباش الأذى وسُجنت بسببهم». لا يفوت أنصار «الجماعة» الإشارة إلى أن «الأحباش تكفيريون أكثر من السلفيين، ولكن الإعلام لا يضيء عليهم». كرة الاتهامات يعيدها الأحباش إلى ملعب «الجماعة»: هؤلاء «ينتمون إلى العقيدة الوهابية». وهذه العقيدة التي يراها «الأحباش» بدعة، كانت الدافع لاغتيال رئيس جمعيتهم الشيخ نزار الحلبي عام 1995 في بيروت، وكانت بيئة التحريض على «المشاريع» وتكفيرها وإخراجها من المساجد ولو بالقوة.
بيد أنّ كلّ هذه «الأحقاد» وُضعت جانباً بعد أن تحالف الغريمان التقليديان في الانتخابات البلدية التي ستجري غداً، مؤكدين التزامهما لائحة التوافق برئاسة عزام عويضة، التي يدعمها كلّ من النواب: نجيب ميقاتي، محمد الصفدي، سعد الحريري، روبير فاضل و«الأفندي» فيصل كرامي. في حين أنّ السلفيين فضلوا «إقصاء» أنفسهم بأنفسهم عن المشهد الانتخابي عبر الاعتكاف عن الدخول في تحالف «على الرغم من أن الشيخ سالم الرافعي كان قد أبدى استعداده لدعم لائحة التوافق»، كما يقول المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في طرابلس إيهاب نافع. السلفيون في طرابلس ينقسمون بين من سيُشكل لائحة خاصة به وبين من يُعارض الانتخابات انطلاقاً من إيمانه بأن الانتخابات في ظلّ دولة غير إسلامية لا قيمة لها، وعلى قاعدة أن «طالب الولاية لا يُوَلّى».
أحد المشايخ ممن هم على اتصال بالرافعي، وفضل عدم الكشف عن اسمه، يؤكد أنّ الرافعي يدعم لائحة «قرار طرابلس» المدعومة من وزير العدل أشرف ريفي «وهو كان قد أولم على شرف الأخير الاثنين الماضي بحضور عدد من المشايخ مثل رائد حليحل، علي طه، حسام الصباغ وزكريا المصري. إلا أنّ ريفي لم يحضر لأنه سافر لـ 18 ساعة إلى الإمارات العربية المتحدة». ويكون الرافعي بهذه الخطوة، إن صحّت، قد مضى في تحدّي توجهات مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار الذي «وجه رسالة إلى مشايخ دار الفتوى محذراً إياهم من الاقتراع لريفي»، وفقاً للمصدر عينه.
الأحباش والجماعة الإسلامية يلتزمون الاقتراع للائحة التوافق كاملة

تُتَّهَم «الجماعة» والأحباش بأنهما لن يلتزما لائحة التوافق وأنهما سيعمدان إلى تشطيب بعضهما. لكنّ لمرشح المشاريع الخيرية على لائحة «لِطرابلس» زاهر كبارة رأياً آخر. هو يؤكد أنهم والجماعة الإسلامية سيلتزمون انتخاب لائحة كاملة «لأننا في هذا التحالف سوياً». وما يقال عن تشطيب «هو كلام سياسي. أظن أننا نحن الاثنين لدينا ما يكفي من الخبرة وماكيناتنا لديها ما يكفي من الوعي حتى نلتزم هذا التحالف»، مُقارناً بين تحالفهما الانتخابي ولقاء معراب بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وثنائية حزب الله وحركة أمل. بالنسبة إلى كبارة «نخوض معركة إنمائية، ونحن جزء من المعادلة، ومن الطبيعي أن نكون ممثلين في لائحة التوافق».
على الوتر نفسه يعزف نافع: «صدر عنّا تعميم بأن يلتزم الـ5000 صوت الذين نقدر على تجييرهم اللائحة. التشطيب سيصيب مباشرةً المسيحيين والعلويين، علماً أننا حرصاء على وجود المسيحيين ونعتبر العلويين جزءاً من المدينة». على الرغم من ذلك، لا يُنكر نافع أنّ «العلاقة مع الأحباش ليست في أحسن أحوالها، ولكننا في الوقت نفسه لا نتماهى مع خطاب أشرف ريفي. جمعية المشاريع مكون من مكونات المدينة».
تنظر «الجماعة» إلى الانتخابات البلدية على أنها يجب أن تكون إنمائية، «لكنها أخذت طابعاً سياسياً في المدن الكبرى كطرابلس وأصبحت معركة إثبات وجود». الجماعة الإسلامية «علاقتها جيدة مع كلّ القوى». حاول ريفي استمالة أعضائها «لكننا رفضنا لأننا فكرنا أننا إذا ترشحنا معه سنرسب وتربح جماعته وسنخسر العلاقة مع بقية الأفرقاء». «قبلتهم» كانت لائحة التوافق «خاصة أننا دُعينا إليها منذ فترة وأبلغنا الجميع تمسكنا بها حتى ولو لم نكن ممثلين، لأننا نعتقد أنه حان الوقت لاختيار الكفاءات دون النظر إلى الانتماءات السياسية». هذا الكلام ينفيه إصرار «الجماعة» على ترشيح عضوين حزبيين على اللائحة. يوضح نافع أنه «حين وجدنا أن كل طرف يُسمي المقاعد التي تخصه، شاركنا في ذلك».
الوضع الشعبي للإسلاميين في طرابلس يبدو في تراجع مستمر منذ سنتين، وخاصة بعد المعركة الخاسرة التي خاضها جزء منهم ضد الجيش. يُضاف إلى واقعهم الشعبي غياب أي إطار جامع لهم. في حين أنهم لو تكتلوا لشكّلوا قوة حقيقية تحولت إلى «فرقة دعم» للائحة التي يدعمونها. لا ينفي نافع ذلك، «ولكن هذه خيارات مختلفة وليست انشطاراً سياسياً».