الطقس الحار والخواء الجاف يتركان آثارهما على وجه مزارع من آل الهاشم في العاقورة (جبيل). يجلس القرفصاء على قارعة الطريق أمام سيارته البيضاء المُعدّة لنقل الفواكه. العرق يرسم سيولاً تنساب بين تجاعيد وجهه. قرابة منتصف النهار لم يكن قد اقترع بعد. لا يبدي حماسة عظيمة لذلك رغم أنّ «ابن عمي مُرشح على لائحة التجديد والإنماء» المؤلفة من مختلف عائلات العاقورة، بمن فيهم آل الهاشم. أما اللائحة الثانية فهي لائحة «الحوار الدائم» التي ترأسها رئيس البلدية الحالي سيمون مرعب، المدعوم من النائب السابق فارس سعيد. لائحة مرعب، التي سقطت أمس، استثنت آل الهاشم من تركيبتها «وهذه هي خطيئتهم. ألفوا لائحة من 15 عضواً لأنهم يريدون طردنا (الهاشم) خارج البلدة»، استناداً إلى المزارع العاقوري. يمج سيجارته بحنق ويزفر دخانها قائلاً: «لا يوجد أجمل من هذه القرية، ولكن لا أحد يهتم بها. أنا أريد اللائحة التي تساهم في إنماء العاقورة». الرجل شأنه شأن مُعظم أبناء بلدته: «الخلافات لا نُحب أن نُسلط الضوء عليها»، في إشارة إلى الصراعات التاريخية التي تقسم العاقورة. إلا أنه يُحمّل مسؤولية عدم إتمام المصالحة على خير إلى «جيراننا في قرطبا»، غامزاً من قناة سعيد.العاقورة هي أكبر بلدات الجرد الجبيلي التي تمتد على مساحة 110 ملايين متر مربع تقريباً غير ممسوحين، فتتداخل الأمور الخاصة بالعامة، ما شكل عامل تفجير لكل المجالس البلدية التي تعاقبت في البلدة. تنقسم بين حيّ آل الهاشم (المشايخ) وبين الأهالي الذين يتهمون المشايخ بالتعالي عليهم. لم تعتد البلدة الجردية مثل هذه الحركة، «لا نرى هذه العجقة إلا في الانتخابات»، تُعقّب السيدة من آل بو يونس. هي اقترعت لمن «سيخدم العاقورة ولا صحة لما يُقال عن إقصاء لإحدى العائلات، فكلنا أبناء ضيعة واحدة». اللافت أنّ الأغلبية من العاقوريين كانوا يقترعون ويهمون بمغادرة المكان. أمام الفرن القديم، كانت مجموعة من الأطفال تركض وتلهو، غير آبهة ربما للمنافسة التي تشهدها العاقورة. إحدى النساء تُخبر رفيقتها: «بدي إشرب من ميّ العاقورة وبرجع بروح عا المجدل». أما المزارع الثاني، فيسبقك إلى إلقاء التحية بوجه بشوش وشاربين كثيفين ترتسم من تحتهما بسمة مؤنسة. يحلف: «بحقّ مار سابا ما انتخبت ولا بِدّي انتخب».
في المغيري والحصون وعلمات ومشّان ولاسا كان المشترك هو التركيز على الإنماء والشراكة

على المقلب الآخر، لم يمضِ اليوم الانتخابي في بلدة أفقا على خير. «الله لا يوفقهم»، يصرخ الرجل الذي غادر دون الاقتراع. لعلعت أصوات الرصاص في الهواء، فبدأ السكان بالهرولة بجنون: الأم تنهر ابنتها للدخول إلى المنزل. والشاب يدعو الصبية إلى الانتظار في منزل شقيقته ريثما تُفتح الطريق. كانت ملالات الجيش اللبناني قد وصلت لفضّ الإشكال الذي وقع بين أشخاص من آل زعيتر قسم منهم يدعم لائحة العائلات والقسم الآخر ينتمي إلى «لائحة الوفاق» التي يدعمها حزب الله وحركة أمل. هذه الأخيرة، في الشكل، هي المسيطرة على الأرض: الأعلام، الصور والشالات على رقبات الرجال. قبل الإشكال، كانت كاميرات الهواتف لا تلتقط سوى شلالات المياه المتفجرة من بين الصخور.
الانتخابات في قضاء جبيل الذي يضم 80600 ناخب وبلغت نسبة الاقتراع فيه قرابة 56٪، اتخذت في الإجمال صبغة عائلية. وفي القرى التي برزت فيها لائحة للأحزاب، «تمردت» القوى المحلية على قرارات قياداتها على اعتبار أنّ «أهل مكة أدرى بشؤونها». في المغيري والحصون وعلمات ومشّان ولاسا كان المشترك هو التركيز على «الإنماء والشراكة مع حفظ حصة كلّ فريق». في لاسا، فازت لائحة حزب الله وأمل، في مقابل تقدّم اللوائح المنافسة في عدد من القرى.
الأبرز في الوسط الجبيلي كانت ضيعة ترتج، حيث الانقسام السياسي بين النائب السابق إميل نوفل وأحد وجهاء البلدة نجيب الخوري، المدعوم من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. إضافة إلى المراكز الانتخابية في البلدة، استُحدث مركز ساحلي في عمشيت. الأنفس المتشنجة تفجرت في فترة ما بعد الظهر، فوقع إشكال عُلّقت على إثره العملية الانتخابية قبل إقالة رئيس القلم الذي كان يحمل ثلاث قوائم انتخابية. النتيجة كانت سقوط نوفل في مسقط رأسه.
في عمشيت، نُصبت ثلاث خيم أمام المدرسة الرسمية، حيث تنافست ثلاث لوائح. هنا أيضاً برز الخلاف بين القاعدة العونية التي دعمت لائحة روميو غاريوس والقيادة التي دعمت مع القوات اللبنانية لائحة طوني عيسى. يُبرر مارك ذلك بأن «عيسى أمضى 18 سنة في البلدية والإنماء صفر. قيادة التيار دعمته لأنه يملك عدداً من الأصوات التي من المُمكن أن تؤمن الربح». ماكينة «التيار» توحدت مع ماكينة عيسى، في حين أنّ شباب القوات اللبنانية، الذين يدعمون عيسى أيضاً، كان لهم مكتب خاص بهم في عمشيت. توقعاتهم بعد ظهر أمس كانت أن تفوز لائحة عيسى كاملة «كونها تواجه لائحتين غير مكتملتين».
في مدينة جبيل، عاصمة القضاء، ورغم انكفاء التيار الوطني الحر عن منافسة رئيس البلدية الحالي زياد حواط، وترشح السيدة كلود مرجي منفردة، خاض حواط معركة تثبيت وجود أمس في المدينة. استغل الأملاك العامة واستعمل حائط القلعة البحرية الأثرية وسور قلعة جبيل من أجل رفع صوره عليها، مخالفاً بذلك القانون. كذلك فإنّ الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات سجّلت مخالفات عدّة ضد حواط، منها، بحسب أحد أعضائها: «توزيع القوائم الانتخابية داخل أقلام الاقتراع ووجود عدد كبير من المندوبين». حواط الذي كان يُدرك سلفاً أنه سيفوز بولاية جديدة، أراد تلقين مرجي درساً «لتجرّئها» على الترشح ضدّه. تُخبر «الأخبار» كيف تعرضت لشتّى أنواع الشتائم، «مناصرو حواط توجهوا إليّ بالإهانات. كذلك تعرضوا للوزير السابق شربل نحاس فقالوا له: لو فيك خير ما شحطك الجنرال (ميشال عون)، طالبين منه العودة إلى بيروت لأن لا دخل له بجبيل». وتضيف أنه «غبت نص ساعة، رجعت لقيت في رجّال جايي على المشكل»، الأمر الذي دفع بالجيش إلى التدخل «وتحديد عدد المندوبين والطلب ممن لا عمل له الابتعاد مسافة 75 متراً». مرجي في صدد «تحضير كتاب اعتذار إلى نحاس ودراسة سوسيولوجية لدراسة تطور المجتمع، لأن هذه ليست أخلاقه».