قاعة «الحوراء زينب» في منطقة الغبيري. هنا، كان «يوم الحشر»، صباح أمس، في القاعة التي احتضنت ماكينة حزب الله الانتخابية. لا هدوء في هذا المكان، الذي عبر من أمامه، قبل يومٍ، جسد الشهيد مصطفى بدر الدين، واحتضن في الساعات الماضية تعب الآتين من الجنوب للتصويت للائحة «التنمية والوفاء». على أبواب القاعة الثلاثة، توزّع حرّاس بلباسهم الأسود يستقبلون الناخبين الجنوبيين. يرشدونهم، بحسب «نفوسهم»، إلى الأمكنة المخصّصة، في انتظار اكتمال العدد، للانطلاق صوب مراكز الاقتراع، التي توزّعت على: مدرسة الغبيري الرسمية في حيّ الجامع ومدرسة «غندور» في شارع أسعد الأسعد ومدرسة الغبيري الثالثة للبنات قرب «روضة الشهيدين».
في الطريق الفاصلة بين «الحوراء زينب» ومركز الاقتراع الأول، «يتفرطع» شباب وشابات يوزّعون على المارة والعابرين في سياراتهم لائحة التحالف المكوّنة من 21 عضواً. تسهل معرفة هؤلاء من قبعاتهم. على الضفّة المقابلة، أمام روضة الشهيدين، «سرب» من «الحركيين» يساعدون أيضاً في توزيع اللائحة على المارة. وحدهم، مندوبو لائحة «الغبيري للجميع» كانوا قلّة. وقفوا قرب باب مركز الاقتراع يوزّعون لائحتهم على مناصريهم وأقربائهم وبعض معارفهم للطلب منهم «بالمونة» تمرير اللائحة، أو في أحسن الأحوال، تمرير بعض الأسماء منها. يعوّل هؤلاء على هذا المركز (مدرسة الغبيري الرسمية الثالثة للبنات)، فهنا «ثقل» الكتلة السنّية التي تنتخب في المنطقة، حيث تقدّر بأربعة آلاف «وكسور»، كما يقول المرشح في اللائحة واصف الحركة. التعويل هنا على هؤلاء لأنّ لهم في اللائحة أربعة مرشّحين من أصل 20، مقابل مرشّح واحدٍ لهم على لائحة التحالف.
إلى المحطّة الثانية، في حيّ الجامع. على باب الحيّ، نصب مندوبو لائحة «الغبيري للجميع» خيمتهم. على الطاولة التي تحلّقوا حولها، لوائح شطب وبعض أرقام الهواتف لبعض «مفاتيح» الحيّ. يتوزّع الشباب مهماتهم، بين مكلّفين توزيع اللوائح إلى المراقبين في مراكز الاقتراع و«الشغالين» على الهواتف، يسألون عن نسبة المقترعين. النسبة لم تكن تبعث على الحماسة حتى الثانية بعد الظهر، حيث سجّلت 27% في مدرسة حيّ الجامع. وهي النسبة الأعلى التي سجّلها أهالي الغبيري حتى تلك الساعة في الأقلام الثلاثة.
في مدرسة «الغندور»، المحطة الأخيرة، يستبقون الدخول إلى مركز الاقتراع، بسؤالهم اليتيم «انتخبتوا؟»، وماكينات انتخابية تفرز الأصوات وتوزّعها «بأرضها» ما بين اللائحتين، مستندة إلى كلام الخارجين من المركز الانتخابي. هكذا، مثلاً، تترجم عبارة السيّدة المسنّة لأحد المرشحين على لائحة التحالف «مبروك سلفاً»، صوتاً للائحة.
في مطلق الأحوال، «لا معركة حقيقية في الغبيري»، يقول أحمد الخنسا، المرشّح نائباً لرئيس البلدية في لائحة التحالف. يبني استنتاجه على «الجو العام السائد منذ الصباح الباكر في أقلام الاقتراع»، كما على «هوية اللائحة التانية التي كانت عبارة عن مجموعة من التناقضات، واختارت أعضاءها على قاعدة إنو وين في ثغرة استغليناها». هذا البناء المتناقض يحسم الأمر بالنسبة إلى وضع «لائحتنا التي يتوقع أن تأتي كاملة بفارق جيّد، علماً أنّنا لا نتحدّث هنا عن كامل اللائحة بقدر ما نتحدّث عن النسبة في آخر النهار»، وهو ما لا يؤيّده أصحاب اللائحة المنافسة، مستندين إلى «جوّ الناس الذي يمكن أن يعطينا أيضاً، كما في الدورة السابقة حيث حققنا نسبة 33% من الأصوات». يترك هؤلاء الحكم للصندوق، وإن «كنا نعوّل على الأصوات التي لم تنتخب لائحة التحالف وتلك الممتعضة من آداء البلدية طوال 3 دورات». وإذا ما خذل هذا الصندوق، يكفي «أننا فرضنا معركة في الغبيري ولم نستسلم»، يقول الحركة.
في الغبيري تُترجم عبارة السيّدة المسنّة لأحد المرشحين على لائحة التحالف «مبروك سلفاً»، صوتاً للائحة

«المعركة» التي فُرضت في الغبيري، فرضها أيضاً، في حارة حريك، زياد دكاش، إذ وقف في وجه لائحة «التنمية والوفاء والإصلاح»، ناسفاً فرصة التوافق التي «كانت لا تزال حاضرة حتى مساء أول من أمس السبت، حيث كنّا نعوّل على لقاء الجنرال ميشال عون بدكّاش لثنيه عن ترشحّه»، يقول زياد واكد، رئيس بلدية الحارة الحالي والمرشّح لولاية أخرى هذه المرّة في لائحة التحالف.
لم يثن الجنرال دكاش إذاً، وبقي يواجه وحيداً. هذا البقاء دفع المسيحيين في مركز اقتراع مدرسة سان جورج في الحارة إلى تسجيل حضور كثيف، حيث بلغت النسبة في الساعات الثلاث الأولى ما بعد فتح صناديق الاقتراع نحو 20%، على ما قال واكد. وزادت النسبة أكثر، عندما تحدّث البعض عن أنّ «القوات اللبنانية دعمت دكاش في الخفاء نكاية بالتيار الوطني الحر». هذه الخبرية كافية لنشر «الذعر» السياسي في الحارة التي تضمّ على لوائح الشطب نحو 5500 ناخب مسيحي وعلى أرضها 14 بيتاً فقط.
لا يرى هؤلاء أنّ ثمّة معركة بين لائحتين، بقدر ما هي معركة «حشد» للائحة التحالف، وهو ما يتجلّى أيضاً في المركز الذي يقترع فيه المسلمون. يشير علي الحركة (المرشح لعضوية البلدية لمرّة رابعة)، إلى أنّ «المعركة هي معركة حشد، وتحديداً في قلم المسيحيين، فهناك معركة تبيان أحجام، خصوصاً بعد سريان الخبرية التي تقول بدخول القوات اللبنانية على الخط، خفية»، لافتاً إلى أنّ النسبة «في قلمهم قد تتعدى ستين في المئة».
ما عدا ذلك، «الأجواء عادية» بلدياً. أما اختيارياً، فالمعركة محتدمة، إذ إنّ هناك أكثر من 17 مرشّحاً لثمانية مقاعد اختيارية: 4 للمسيحيين و4 للمسلمين. ويشير الحركة إلى أنّ «التحالف دعم، بشكلٍ غير مباشر 3 مختارين وترك المقعد الرابع للناس»، وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى المختارين المسيحيين.
في برج البراجنة، المعركة أيضاً اختيارية. والمباراة هنا على 12 مقعداً (زادت 3 مقاعد هذه الدورة) يتنافس عليها أكثر من 25 مختاراً. حتى ساعات ما بعد الظهر، لم يكن هناك شيء واضح في ما خصّ تلك المعركة. ففي حيّ المنشيّة مثلاً، «الصندوق هو الحكم. فعلى أربعة مقاعد اختيارية يتنافس 10 مرشّحين من بينهم 4 مرشحين لعائلة رحّال، وهي الكتلة الأكبر في الحي»، يقول زهير جلول، رئيس البلدية الحالي والمرشح نائباً للرئيس في لائحة التحالف.
أما بلدياً، فثمّة راحة في الضيعة لنجاح لائحة التحالف، وإن كان المطلوب من هذه الانتخابات رفع النسبة إلى أقصى ما يمكن. وقد تبدو الأمور محسومة بالنسبة إلى البعض. ويعوّل هؤلاء على جملة أشياء منها، مثلاً، عائلة منصور التي اختير منها هذه المرة المرشح لرئاسة البلدية، الدكتور عاطف منصور، فقد تعكس «الآية» التي كانت تصفهم طوال الدورات الماضية بأنهم «كتلة غير ناخبة». يضاف إلى ذلك، توجّه العائلات الأخرى «لاختيار لائحة التحالف كرمى للمقاومة أكثر مما هي انتخابات جبّية»، يقول جلّول، وإن كان هذا الخط لم يستطع إرضاء الكل في الانتخابات، ومنهم عائلة حرب، التي امتنع البعض منهم عن التصويت احتجاجاً على عدم تمثيلهم، علماً أنهم من بين الكتل الناخبة الأكبر هناك.
مع ذلك، الأصوات «مجيّرة» في غالبيتها لمصلحة التحالف. وفي بعض الأحيان، قد يصل الناظر إلى اللافتات «المبايعة» للائحة التحالف والتي علّقت في مختلف الأحياء، بأسماء العائلات الموجودة، إلى اعتبار هذه النتيجة محسومة، بعيداً عن لغة الصناديق.
أما من بقي خارج السرب، فبـ«المونة» تأخذه لائحة «قلبي لبرج البراجنة»، إضافة إلى أصوات المناصرين للمرشحين فيها الذين استقرّ عددهم على 16 مرشحاً، بعدما تراجع اثنان منهم عن الانسحاب «الوهمي». هذه «المونة» لا يستطيع معها رحّال تخمين ما قد تكون عليه النتيجة، فالإنجاز المتيقّن منه هذه المرّة هو «توزّع المندوبين على مراكزهم»، لا أكثر من ذلك ولا أقل.




أطفال عطلة الأحد
عند مدخل حيّ السيّاد في برج البراجنة، تفترش مجموعة من الصبية «المصلبيّة» هناك، يوزّعون لوائح للمرشحين الاختياريين. كانوا 6، وكان كل واحد منهم يلبس كنزة الحملة الانتخابية للشخص المفترض أنه يدعمه. أوّلهم كان هاني، ابن العشر سنوات. كان يحمل في يده لائحة أحد المخاتير. يوقف المارة ويطلب منهم «هذا الاسم»، مشيراً بإصبعه إليه. نصل إليه، فيشير لنا إلى الاسم. يدور هذا الحديث معه: هل تعرفه؟ فيجيب: «لا، بس بتعرفو عمتي». لا يعرف هاني هذا المختار المفترض ولن يعرفه. يكفي أن تكون عمته هي من تعرفه كي يتسلم عنها توزيع اللوائح. ومثله يفعل أحمد وجاد الذي لم ينم إلا ساعة واحدة في الليل، لانشغاله بتعليق صور المختار الذي كان يوزّع اسمه أمس. يفرح الأخير لقيامه بهذه المهمّة، فهي مسلّية «نوزّع الأوراق ونلعب مع أصدقائنا»، والأهم من ذلك كلّه أنّه «ليس درساً».
جاد الذي يتسلم هذه المهمّة للمرة الثانية، لا يزال عاجزاً عن التمييز بين «المخترة والبلدية»، فعندما نسأله: هل تعرف ماذا تفعل؟ يجيب ببراءة الأطفال المعهودة: «رئيس البلدية خلصت مدّتو، ووقتا بيصير هيدا الشي بيقدمو رؤسا جداد بس ينجحوا بيعملو مختارين لست سنين». أصلاً، لا يهمّه الفارق. المهم هنا أنّه يمضي نهار أحدٍ استثنائي بلا درس ويفرح لسماع «كلمة شكراً عندما نعطي أحدهم ورقة»، يقول أحمد... «وعم نتروق من العلب اللي عم يجيبوهن للناس اللي لابسين كنزات متلنا».