أُغلق منذ ثلاثة أيام، باب الترشّح للانتخابات البلدية في بلدة حاصبيا على 54 مرشحاً ومرشحة. 4 نساء هنّ: فاتن سابق، سميحة أبو دهن، سميحة شروف وغادة الكاخي قدّمن ترشحهنّ، في ظل أجواء متوتّرة جراء "تمنّي" بعض مشايخ خلوات البياضة عدم مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية في حاصبيا وإعلان امتناعهم عن التصويت لأي لائحة تضم نساء. وتتجه بعض الأحزاب المتنافسة في المنطقة إلى استبعاد النساء عن لوائحها استجابةً لرغبة السلطة الدينية. حتى اليوم، لا تزال معالم المعركة الانتخابية مبهمة، إذ إن مساعي التوافق بين الأحزاب لا تزال مفتوحة، في مقابل ترشّح مجموعة من المستقلين تحت عنوان "حاصبيا للكل".
انقسام في صفوف المشايخ: مع وضد

يؤكّد كبير مشايخ خلوات البياضة غالب قيس لـ«الأخبار» أنّ "المشايخ يرفضون بشكل قاطع مشاركة المرأة في الحياة السياسية لأسباب دينية وعقائدية"، معلناً "أننا قلنا للأحزاب إن كل لائحة يوجد فيها نساء سنقاطعها بالكامل". لكن هل سيكون هناك نوع من الحرم على النساء بعدم الترشح أو على الناس بعدم انتخابهنّ؟ يجيب قيس: "موقفنا سلبي تجاه أي مرشّحة، لكن كل إنسان لديه رأيه ولا يمكننا أن نلزم أحداً بشيء". بالمقابل، يستغرب بعض المشايخ في خلوات البياضة القرار، لافتين إلى أنّ "قانون المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز سمح للمرأة بأن تكون عضواً في المجلس المذهبي وأن تشارك في انتخاب شيخ العقل، وهذا أمر أسمى من انتخابات البلدية. فكيف نناقش إذاً مسألة السماح للمرأة بالترشح للبلدية!". يشير هؤلاء إلى أنّ "النساء الدرزيات تبوأن مراكز متقدمة على مر التاريخ، وكثيرات كنّ رائدات في أعمالهنّ"، معتبرين أن "هذا الأمر يُصنّف في خانة المظلومية، فكيف يمكن منع المرأة من المشاركة والترشح للانتخابات، في حين أنّ نسبة المقترعات على لوائح الشطب في حاصبيا أعلى من نسبة المقترعين، كما أنّ نسبة المتخرجات الجامعيات في حاصبيا أعلى من المتخرجين؟". برأيهم، "هناك أشخاص آراؤهم "تقدمية"، وهناك آخرون متمسكون بتقاليد "معيّنة"، أمّا الناس فهي مخيّرون في آرائهم وللمرأة كامل الحرية في أن تترشح، إذ لا إكراه في الدين وتبقى الحرية للناخبين في انتخاب النساء".
تبدو مشيخة العقل محرجة جداً أمام هذه الإشكالية وتتحاشى الدخول في النقاش لما فيه من خصوصية لخلوات البياضة، لافتةً إلى أنها لم تُبلّغ بهذا الأمر، وملمحةً إلى أنّ المجلس المذهبي يضم نساء.

النساء المرشحات: لن ننسحب

بعض الهيئات النسائية في حاصبيا رفضت أن تبقى صامتة، فأعلنت في بيان أول من أمس "التوجه لمقاطعة العنصر النسائي الاقتراع في حال عدم الموافقة على مشاركة المرأة في هذه الدورة الانتخابية، وخاصة بعدما بدأ يتسرب من قبل بعض الجهات الدينية رفضها لمشاركة المرأة في هذا التوجه، حيث العرف في هذه القرى والسائد على مدى السنوات الماضية، يقضي بإبعاد المرأة عن مثل هذا الاستحقاق". أما المرشحات فيتجهن إلى الاستمرار في ترشحهنّ بعدما انكفأت الأحزاب حتى يوم أول من أمس عن إدخالهنّ ضمن لوائحها. أولى اللواتي تقدّمن بترشحهنّ كانت المرشحة فاتن سابق التي قدّمت للمرة الأولى برنامجاً انتخابياً. تؤكّد استمرارها في ترشحها كمستقلّة، معلنةً أنهّ "مع احترامنا للمشايخ الأجلاء، نحن لسنا ضدّهم وهذا رأيهم. إلا أن مشاركة المرأة هو حق أساسي ولا يقلّل من قيمة أحد، إنما على العكس يؤدي إلى تقدّم المجتمع". تعلم سابق أنها قد لا تنجح في الانتخابات، لكنها ترى أن العمل المتراكم سيؤدي في النهاية إلى نتيجة إيجابية.
بدورها، تقول المرشحة سميحة أبو دهن إنه "لا بد دائماً من أن يكون هناك من يُقدِم على الخطوة الأولى، وليكن لنا فخر أن نكون "كبش محرقة" في تحرير المرأة التي تشكل نصف المجتمع والتي صنعت الرجل"، مضيفةً "لسنا بوارد تحدّي أحد، من الممكن أن ننجح في دخول المجلس البلدي أو نفشل، لكن في كلتي الحالتين نكون قد أسسنا لدخول المرأة مستقبلاً للمجلس البلدي". تؤكّد أبو دهن أنها لم تتعرض "لأي ضغوط من المشايخ الذين تكنّ لهم كل الاحترام ولم يطلب أحد سحب ترشيحي"، لكن "مع احترامي للجميع، طالما نقوم بأمور صحيحة لا يجب أن يقف شيء أمامنا".
قانون المجلس المذهبي سمح للمرأة بأن تكون عضواً في المجلس المذهبي

من جهتها، تشدد المرشحة غادة الكاخي على عدم حصول أي ضغوط على المرشحات، لافتةً إلى أنّ "النساء المرشحات رائدات". تشير الكاخي، وهي عضو منتسب الى الحزب التقدمي الاشتراكي، إلى أن "الحزب هو من رشحني ولا تزال اللائحة محط نقاش، لكن في حال حصول إصرار على عدم وجود نساء في اللائحة، سيطرح الحزب لائحة غير مغلقة فيها مقعد شاغر، ما يعني إمكانية خرق النساء وهذا ما يجب أن تنتهجه الأحزاب الأخرى". تؤكد الكاخي "أنّنا سنكمل معركتنا حتى تكشف الصناديق عن نتائج التصويت. حتى لو لم نتمكن من الوصول إلى المجلس، فمجرد كسر هذا التابو يعد إنجازاً بذاته".

الأحزاب تخضع للسلطة الدينية

معظم الأحزاب حسمت موقفها، وإن بشكل "مراوغ"، في الانصياع لرغبة المشايخ، مع تأكيدها في الوقت عينه على حقوق المرأة. يعلن الأمين العام المساعد في الحزب الديموقراطي الدكتور وسام شروف أنّه "مع اقتناع الحزب الكامل بأهمية دور المرأة في كل الميادين وحقها في المشاركة بكل الاستحقاقات، لكن رأي المشايخ وموقعهم له حيثية مهمة جداً. لذلك لن نخرج عن عباءة مشايخ خلوات البياضة ولن تحصل أي خطوة سوى بالتنسيق معهم". يلفت شروف إلى أنّ "موقف المشايخ آت من خصوصية دينية نحترمها وليس من السهل على أي حزب تجاوز موقف رجال الدين".
أما منفذ عام حاصبيا في الحزب السوري القومي الاجتماعي لبيب سليقا فيوضح أنّ "موقف الحزب واضح من المرأة والرجل ونحن نعوّل على المرأة، حتّى إنّ أولى شهدائنا كانت امرأة"، فهل يعني هذا الأمر ترشيح الحزب القومي لامرأة؟ يجيب سليقا أنّ الحزب "يلتزم رأي المرجعيات الدينية، لكن إذا رأينا أن هناك ضرورة لوجود سيدة في المجلس فليس لدينا أي مشكلة". يقول سليقا "نحن طبعاً نشجّع النساء، وهذا المنطق لا نقبله رغم "الخصوصية الدينية" التي يتحدثون عنها، لكن المسؤولية تقع على الأحزاب السياسية للتصدي لهذا المنطق".
مصدر قيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي مقرّب من النائب وليد جنبلاط يؤكد أنّ "الحزب لا يمكن أن يكون إطلاقاً مع هذا الرأي ولا يمكن أن نتماثل مع أي موقف ديني أو سياسي يحرم المرأة من حقها مع احترامنا لكل المرجعيات". ويشدد على أن الحزب "مع مشاركة المرأة ولا يمكن أن نساير أي موقف من هذا النوع، ونعتز بأن طائفة الدروز من أكثر الطوائف ليبرالية من ناحية إعطاء المرأة حقوقها. والدليل أن المرأة ممثلة في المجلس المذهبي ولها الحق بالتمثيل والتصويت". إلّا أنّ مصادر محلّية في الحزب لمّحت إلى أنّ "المسألة ليست عبارة عن تحدّ، وحتى اليوم لم تتحدد ملامح المعركة ولم تعلن لوائح"، مشيرةً إلى أن "من المحتمل أن يكون هناك نساء على لائحتنا ومن المحتمل أن لا يكون".
هكذا، في حين تقيس الأحزاب المعركة من منظار انتخابي، يبدو أنّ المعركة لم تعد في عدد الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها كل حزب، إنما باتت معركة تحرير مجتمع بأكمله وامتحان للأحزاب التي تنادي بالتقدمية والمساواة والعدالة لتطبّق مبادئها على أرض الواقع رفضاً للأفكار الرجعية. فهل ستتبنى الأحزاب النساء المرشحات علناً وتدخلهن ضمن لوائحها؟