أصداء عملية مزارع شبعا لا تزال تتردّد في الوسط الإسرائيلي، وانعكست في تقارير المعلقين الذين رأى بعضهم أن إسرائيل انطلقت من تقدير بأن ليس من مصلحة حزب الله الردّ على عدوان القنيطرة. فيما اختار آخرون التحذير من أن الحرب مع الحزب مختلفة تماماً عن أي حرب مع أي طرف آخر. وحاول بعض ثالث لفت نظر قياداتهم إلى الأبعاد التي تنطوي عليها عملية شبعا، لجهة أن عدم وضعها في سياقها الصحيح يُعَدّ هروباً من الواقع. وهو ما التقى مع توصيف ما جرى بأنه «منعطف استراتيجي». علماً بأن هذه التعليقات وردت تعقيباً على ردّ حزب الله، قبل أن يلقي الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، كلمته التي حدد فيها قواعد جديدة للصراع مع العدو.
ووصف المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل رد حزب الله بأنه كان محسوباً ومحدوداً، وأكد أن التوجيهات التي أصدرتها قيادة الجيش تشير إلى قرار باحتواء الحدث لا التصعيد. وغمز من جهة الخلفية الانتخابية لبنيامين نتنياهو وسعيه إلى إبداء حزم أمني عشية الانتخابات، محذراً من أن الحرب الشاملة مع حزب الله أمر مختلف تماماً، و«من الصعب أن نتوقع كيف يمكن الحرب أن تخدمه»، خصوصاً أن لا أساس للاعتقاد بأن «المواجهة العسكرية الواسعة ستنتهي بالضرورة، بانتصار واضح ومقنع ويعزز مكانته».
وتساءل هرئيل عمّا إذا كان مسار التطورات سيؤدي إلى إعادة رسم معادلة تتعلق بقصف قوافل أسلحة نوعية تابعة لحزب الله، وما إذا كانت إسرائيل ستكرر خطواتها العدوانية، مع علمها أن حزب الله يمكن أن يجدد عملياته من الجولان ومن المنطقة الحدودية اللبنانية، لأن «من الواضح أن ما كانت تقوم به إسرائيل في سوريا، لم يعد مقبولاً بعين الخصم». ولفت هرئيل إلى أنه رغم وجود حقائق تحدد توازن الردع بين الطرفين، وتساعد على إبعاد الحرب، إلا أن الأمور تحصل بسرعة في المنطقة، وبنحو غير متوقع.
من جهتها، حذرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» من أن عدم وضع عملية حزب الله في سياقها الصحيح يُعَدّ هروباً من الواقع، وقالت إنها تشير إلى مستويين: عملاني واستخباري عال جداً، لمقاتلي حزب الله، خصوصاً أنهم عرفوا ماذا يستهدفون ولم تنطلِ عليهم عملية تمويه الآليات التي كانت تبدو كما لو أنها آليات مدنية، وحققوا إنجازاً عسكرياً دقيقاً، ورغم الضربة الموجعة التي تعرضت لها إسرائيل، إلا أنها لم تسبب التصعيد.
إلى ذلك، وصف المعلق العسكري في الصحيفة اليكس فيشمان، ما جرى بأنه «منعطف استراتيجي» لدولة إسرائيل، لكنه رأى أن هذا الأمر لم يقرره أحد رسمياً. ولفت إلى أنه على مدار السنوات الأربع الماضية، منذ اندلاع الأحداث في سوريا والمنطقة، حرصت إسرائيل على ألّا تسقط داخل هذا «الثقب الأسود»، وألّا تُجذَب إلى داخل الصدامات في العالم العربي، وألّا تتدخل علناً في سوريا ومصر. لكن حين قرر من قرر تغيير الاتجاه، باغتيال عناصر حزب الله، دسّ أنفه في المواجهة في سوريا. وأقر فيشمان بأن قرار مهاجمة حزب الله في الجولان، انطلق من فرضية أن ليس للحزب وإيران مصلحة في توسيع المواجهة مع إسرائيل وفتح جبهة أخرى ضدها، في الوقت الذي يخوضون فيه القتال في سوريا والعراق ولبنان. إلى ذلك، أضاف فيشمان أن هناك من اعتقد أيضاً أن الردع الإسرائيلي قوي بما يكفي كي يكبح حزب الله والإيرانيون ردود أفعالهم. لكنه لفت إلى أن الردع «ليس علماً دقيقاً»، مشيراً إلى أنه عندما تغتال إسرائيل جنرالاً إيرانياً ونجل عماد مغنية في وضح النهار، فإنك «ببساطة ترغم الجانب الآخر على تنفيذ خطوات، وتهدم بيديك الردع الذي بنيته». وحذر فيشمان من أنه غير واضح ما «إذا كانت ايران قد أغلقت حسابها مع إسرائيل، وهو ما يعني أنه يتعين على إسرائيل النظر إلى ما يحدث في خارج البلاد».