في الطريق من جبيل إلى بعبدا، كان ثمة سيارة واحدة ناقصة أمس هي التويوتا الحمراء التي نقلت اللافتات والمناشير طوال خمسة عشر عاماً بين 1990 و2005؛ سيارة راغب أبي عقل. "البابا" الذي تصدّر اسمه المرة تلو الأخرى قائمة الموقوفين. اختار 13 تشرين الأول، ليغادر قبل عامين هذه الدنيا إثر حادث عمل.
في بجّة، لا يزال حضور أبي عقل كبيراً، فجدران كنيسة مار سركيس وباخوس تشهد على "حماسة" هذا الناشط في التيار الوطني. في أيلول 2012، قررّ راغب أن يستقبل العماد ميشال عون في زيارته الجبيليّة على طريقته. وصل الى سطح الكنيسة، وأمسكه رفاقه من رجليه وتدلّى في الهواء من أجل وضع صورة عملاقة لعماده على ارتفاع 15 متراً ونزل بعد إنجاز المهمّة. هو الذي كان "يعربش" على أعمدة الكهرباء ويلصق الصور واللافتات، وهو الذي كان ينشط في "كواليس" التظاهرات، يوزّع المناشير وينقل اللافتات في سيّارته الخاصّة الى مختلف المناطق اللبنانيّة غير آبه بالتهديدات، وهو الذي اعتقل واستدعي وهدد من قبل الأجهزة مرّات عدّة. ولطالما رددّ أمام رفاقه أنّه يتمنّى أن يموت في 13 تشرين الأوّل. وكان له ما أراد، فالحادث الذي تعرّض له (في 13 تشرين الأوّل 2013) وهو يعمل في العراق إثر وقوعه عن ارتفاع ستّة أمتار أعاده الى وطنه محمولاً على أكتاف أحبابه.
بدأ راغب (مواليد 1964) النضال مع أنصار الجيش اللبناني عام 1989، التحق باللواء الثامن وكان يشارك في بعض المهمّات العسكريّة حسب شقيقه طوني. بعد نفي العماد عون الى فرنسا، نشط راغب مع المجموعات الشبابيّة في حركتهم النضالية. يعود طوني في التاريخ الى مهرجانات مقاطعة الانتخابات النيابيّة عام 1992 والتي أطلقها راغب والشباب من بلدة بجّة. "كان راغب رمزاً للنضال ومثالاً للشباب، لم يكن يلهث وراء كرسيّ أو منصب أو سلطة، كان يريد تحرير لبنان. كلّ ذلك أكسبه جرأة جعلته في الطليعة، يحمي رفاقه ويتحمّل المسؤوليّة عنهم أمام المحقّقين". دعمته عائلته الصغيرة المؤلّفة من والديه بطرس ومي، وأشقائه: طوني، بسام، شاديا وشيرين وبالرغم من خوفهم عليه. إلّا أنّه عرف كيف يخفي عنهم في الكثير من الأحيان تحرّكاته.
في 7 آب 2001، كان راغب في عداد المعتقلين، ولم يبخل على رفاقه في رفع معنويّاتهم بالرغم من وجعه ومن العطب الذي أصاب ركبته بسبب الضرب الذي تعرّض له. كان النضال بالنسبة إليه أن يكون حاضراً في المكان المناسب. ولطالما ردّد "الجنرال بيعمل شغلو ونحنا منعمل شغلنا".
كانت "مجموعة راغب" توزّع البيانات والمناشير وتدعم الطلاب في انتخابات هيئاتهم في الجامعات. يخبر رفيق راغب بسام يوسف المعروف بالمغوار كيف دخلت مثلاً المجموعة الى كليّة العلوم ــ الفنار في الجامعة اللبنانيّة بعدما اجتازت الحرج والعلّيق والحواجز من أجل الوقوف الى جانب الطلاب في أحد الانتخابات، يتحدّث عن توزيع المناشير والبيانات أمام سرايا جبيل وفي الأماكن الخطيرة. "لم نكن نخاف من أيّ شيء في وجوده" يقول المغوار وفي صوته دمعة.
"ما حدا قدّ راغب" هكذا تعرّف سهام يونس عن رفيقها. هي التي نشطت ضمن "مجموعة راغب" الى جانب المغوار ومروان صليبا وغيرهم من الرفاق. تتذكّر الملاحقات التي تعرّضوا لها بعدما لبسوا أزياء تنكّرية لمناسبة عيد البربارة وجالوا في شوارع جبيل، وصولاً الى السرايا، هاتفين ضدّ الوصاية السوريّة وقد استدعوا الى التحقيق على أثر ذلك. تتذكّر أيضاً كيف "طبّت" المخابرات عليهم وهو يلصقون عام 2002 صور العماد عون على امتداد الخطّ الساحليّ لجبيل، وكيف صودرت منهم عدّة العمل. "لم يعرف راغب معنى الخوف، لم يسكت يوماً" تقول، وتخبر بغصّة كيف سقط خلال حرب تموز عن درج دائريّ وهو يؤمّن المساعدات في جبيل، وكيف نجا حينها بأعجوبة من الموت قبل أن يخطفه حادث العراق من رفاقه.
في تظاهرة 14 آذار 2005، كان راغب "مهندس" العلم اللبناني الشهير الذي رفع من قبل المتظاهرين بعدما حمل كلّ منهم قطعة منه. قضى في ساحة الشهداء أيّاماً قبل التظاهرة من أجل تنظيم رفع علم لبنان. رفيقه بيار حايك، يشير الى أنّ راغب كان أوّل الحاضرين الى الجامعات اللبنانيّة أيّام الانتخابات وآخر المغادرين منها. كان رفاقه ينادونه "يا بابا"، يجدونه أمامهم في أيّ نشاط أو تظاهرة، يجمعهم، يستمع إلى هواجسهم، يرفع من معنويّاتهم، يقلّهم في سيّارته، يهدّئ من روع أمهاتهم. كان كلّ منسّق لهيئة قضاء جبيل يسأل عنه فور تعيينه كونه "الدينامو" في جبيل. كان "الصخرة التي نعتمد عليها في النضال وفي حياتنا الشخصيّة" يقول رفيقه بسّام غانم، شارحاً "كان راغب يعرف كيف يتحمّل المسؤوليّة، كان يعرف كيف يعمل على الأرض. لم يترك يوماً الأرض أو الشباب". لم يحضر راغب إلى بعبدا، أمس، لكن طيفه لم يفارق عونيي جبيل.