انتهت الانتخابات في محافظة جبل لبنان الأسبوع الفائت، لكنّ سكان حيّ السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت كانوا على موعد أمس مع انتخابات محافظة البقاع التي «نزحوا» إليها منذ ساعات الصباح الأولى لاختيار ممثّليهم
أحمد محسن
كانت منطقة حي السلّم في الضاحية الجنوبية لبيروت شبه خالية أمس. تقلّصت جحيم الاكتظاظ في الأزقّة بعدما توجّه الجميع بقاعاً. بعض حافلات النقل، نشطت منذ الصباح الباكر لنقل الأهالي إلى قراهم. بعضهم على نفقة المرشّحين البقاعيّين، وبعض قليل آخر، على نفقته الخاصة. الحنين إلى بلداتهم الأولى حقيقيٌ وواضح. تسابقوا إلى الحافلات، والسيّارات، صعوداً إلى القرى الأم.
هكذا، بعد الفجر بقليل، كانت معظم الحافلات قد غادرت إلى البقاع. أحد الناخبين استغرب السؤال عن اقتراع سكان المنطقة تحديداً. في رأيه، الأمر معروف. هو توجّه إلى البقاع، لينتخب ابن عمّه في مدينة الشمس، فبعلبك أولاً. فيما رأى صديق آخر له، في الانتخابات، فرصة لتغيير الجو. الطقس جميل، والحرارة معقولة، وسهول البقاع الشهيّة مغرية. أما المعركة الانتخابية في المنطقة، فمحسومة. هذا ما يؤكده شخص آخر من آل المقداد. كان الشاب واقفاً في «الموقف الجديد»، يحتسي قهوة الصباح. يسخر من بعض الشائعات التي تتحدث عن تشرذم في عائلته. يؤكّد أن اللائحتين في بعلبك، وإن ضمّتا مرشحين مختلفين من العائلة، فكلتاهما «مع المقاومة».
في الموقف أيضاً تمترست مجموعة من الشبّان، الذين فضّلوا البقاء في الحي، لأن النتائج في قراهم «مضمونة». كانوا يحملون أعلام حزب الله. تسألهم إذا كانوا منتمين إليه، فينفون نفياً قاطعاً، لكنهم «مع المقاومة». من أنتم إذاً؟ نسأل. يعرّفون عن أنفسهم ضاحكين: «نحن الطفار».
الساعة 11 قبل الظهر، ولا يزال الموقف شبه خالٍ من زحمته. فجأةً، يظهر بعض «الطفار» مجدّداً. صوّتوا باكراُ، وعادوا إلى مواقعهم. الشباب صوّتوا للمقاومة، على الرغم من تحفّظهم على «حرمان أحيائهم السكنية الحالية». هذا الحرمان منع آخرين من الانتخاب، منهم «أبو حسن» سائق أجرة ستّينيّ، مولود في الهرمل، ويعيش في الحي منذ 30 عاماً. سيكلفه «المشوار» إلى الهرمل 50 ألف ليرة في أحسن تقدير، مبلغ مكلف بالنسبة إلى صاحب أسرة. ولأن النتائج معروفة سلفاً في قريته، لم ينتخب. لم يمنع فقر حال الرجل من إطلاقه موقفاً سياسيّاً، أكّد فيه أنّ «حزب الله يعمل بجهد في الهرمل، وسيحوّل المنطقة هناك إلى جنّة».
في الأحياء الداخلية، تقلّصت الزحمة أيضاً. تتفرّع من «حيّ البركات» أحياء عدة. طبقة واحدة هناك: معدومة. الانتخابات فرصة البعض للخروج من «الغيتو». لكنّ جعفر لم ينتخب. يوضح علاقته بالسياسة ببساطة. الأحزاب راضية عنه ما دام موقفه واضحاً من المقاومة. ولهذا، هو واحد من الذين يعتبرون وجود المخدرات بديهيّاً مثلاً. يقول: «السيد يعرف البير وغطاه». المخدّرات سُوّغت. الحشيشة أهم من الانتخابات. ففي رأيه، هي التي صارت وسيلة عيش في مدن الصفيح الجديدة. يطلق موقفاً هو الآخر: «انسَ البلدية الآن، تعاطي الحشيشة ليس مستهجناً، كما تصر الحملات الأهلية، التي تقيم مؤتمراتها في الفنادق البعيدة». الشاب العشريني، يمقت تلك الإعلانات التي تدعو الشباب إلى الإقلاع عن المخدرات، ويمقت صور المرشحين، حتى البقاعيين منهم. جعفر ليس عبثياً، ولديه وجهة نظر تقول إنّ كل شيء مخدّر. السياسيّون مخدّرون. الطوائف مخدّرة. الوظائف في الدولة (جيش وقوى أمن داخلي) تستخدم لتخدير الشابّ برواتب مذلّة وتقديمات بخسة جداً. كل شيء مخدّر. وتالياً، الانتخابات البلدية ليست سوى مخدّر جديد. وفي موازاة هذه الآراء المتمردة، يرى علي، من قرية اليمونة، أن الانتخابات مسرحية مستمرة، ولهذا السبب، لم يشارك عائلته التي انتقلت بكثافة للاقتراع. فضّل البقاء في المنزل.
إلى «مدينة العباس» سر. المشهد نفسه. صار الوقت ظهراً. بدأت الحركة تستعيد طبيعتها. هنا أيضاً ضاق الشباب ذرعاً بما آلت إليه الأمور، لذلك لم يُعر معظمهم الانتخابات أهمية. حسن أحدهم. يستغرب كيف أنه يقطن هنا، ويلعب كرة القدم هنا، فيما ينتخب في بعلبك، بينما لا يعرف إلى أيّة بلدية يلجأ: الشويفات؟ المريجة؟ الليلكي؟ يسأل. حسن يريد أن يشارك في الحياة السياسية. لكنه، يريد «أن يكون ذلك منطقياً». من غير المعقول أن يقترع الجميع في حيّ السلم أمس، بينما انتهت انتخابات جبل لبنان يوم الأحد الفائت.