كشف الإستحقاق الإنتخابي ومبايعة الوزير جبران باسيل أن رشيد في مسرحية «فيلم أميركي طويل» كان على حق وأنه لا يوجد 160%.لم يكن التيار مقسوماً بين 80% يريدون إنتخابات و80% لا يريدون إلا «الصرفة» ومنع إنقسام التيار، بل هم عينهم الثمانون في المئة يقولون الشيء ونقيضه. أدرك العونيون أنهم «بشر» وكباقي اللبنانيين. سقطت الهالة المقدسة عنهم واصابتهم «الدالتونية» فباتوا غير قادرين على تمييز البرتقالي من الازرق والأخضر والزيتي...

لن يشعر العونيون بالوحدة بعد الآن. إنتهت عزلتهم القسرية، وبات بإمكانهم الإنضمام الى نادي الأحزاب اللبنانية التقليدية. لن يغلق الباب في وجههم هذه المرة. سيستقبلون بالأحضان وبإبتسامات لا تخلو من الشماتة.
ألم يقل الجنرال إن التحرر أصعب من التحرير؟ لم يكن الرجل مخطئاً. ساهم العونيون في تحرير الوطن وفشلوا في تحرير أنفسهم. الآن سيفهمون «اللبناني» الآخر بشكل أوضح. لن يستغربوا بعد الآن قبول باقي اللبنانيين بالأمر الواقع، لن يستهجنوا تعطيل الإنتخابات النيابية والتمديد، حتى مفهومهم للشراكة الذي لطالموا نادوا به سيتغير حين يدققون في محتوى تنظيمهم الداخلي والصلاحيات المطلقة المعطاة للرئيس.
من مزايا النظام السياسي اللبناني أنه حيوي لا يشيخ، قادر على تجديد شبابه وضخ دماء جديدة في شرايينه. كثر حاولوا هدم هذا النظام منذ تكوينه فانتهى النظام بأسرهم ولو بعد جهد جهيد.
ولكن ما يميز العونيين أنهم لم يكونوا ضحايا النظام.
في 13 تشرين كان يفترض أن تنتهي الحالة العونية الشاذة. جنرالهم في المنفى، وسرعان ما سيقبلون بالأمر الواقع. لكنهم حاربوا نظام الوصاية وأدواته الداخلية. تحملوا السجون والتعذيب ولم يرضخوا.
ومع عودة الجنرال من المنفى صمد العونيون في وجه حملات تهميشهم وحذفهم من المعادلة الداخلية. حتى محاولات «كسر» الجنرال في الآونة الأخيرة، أكان في ما يتعلق برئاسة الجمهورية وقيادة الجيش لم تثنهم ولم تثبط عزيمتهم.
لطالما تسلح العونيون بالأمل. الأمل هو ما أبقى تيارهم على قيد الحياة. رفضوا الإستسلام وأدركوا أن الصراع طويل وأن الدرب شاق ومتعب. الأمل ببناء دولة زادهم إيماناً بقضيتهم، الأمل بإنتصار المواطنية على التبعية والإقطاع والتوريث السياسي، الأمل بوطن تحترم فيه إرادة الشعب و تكون فيه صندوقة الإقتراع هي الفيصل.
لم يستطع أحد سلب العونيين الأمل. حاربوهم، همّشوهم، عزلوهم، وبعد أن يئسوا تركوهم يتلهون بأملهم حتى يغلبهم الملل.
ولكن، ما عجز عن تحقيقه أعداؤهم وخصومهم في السياسة تبرع العونيون بإنجازه، المشهد أشبه بتخيل «رامبو « يقاتل من هب ودب من المتربصين به على جميع الجبهات و»يزمط»... وفجأة يقرر أن ينتحر.
ليس الخلاف من يقود التيار ومن سيكون الرئيس ومن الأكفأ. الخلاف على الطريقة التي اختير بها الرئيس. قضى العونيون على أملهم بملء إرادتهم. أطلقوا رصاصة الرحمة على ديمقراطية أرادوها لسائر الوطن ففشلوا في إحترامها في حزبهم.
أما المأساوي في التجربة الحزبية العونية فهو الحديث عن خطر إنقسام الحزب بسبب الإنتخابات، وهنا يبرز السؤال المحوري: إذا كان حزب يضم منتسبين وناشطين لطالموا نادوا بالديمقراطية والحرية مهدداً بالإنقسام بسبب إنتخابات، فما الأمل الذي نرجوه من إنتخابات على مساحة وطن يعشعش في كل زاوية فيه حزب؟
تنازل العونيون عن حلمهم بمحض إرادتهم والآن بات عليهم أن يتشاركوا الكابوس مع باقي اللبنانيين... في انتظار الأمل.