كان صيف العام 2006 ملتهباً. وجوه سياسية جديدة تحتل المواقع الأمامية في السياسة الإسرائيلية. ايهود أولمرت كان رئيساً للوزراء وعامير بيرتس، الذي اعتاد الإسرائيليون مشهده في لجان العمّال، كان وزيراً للدفاع. في صباح الخامس والعشرين من حزيران، نفّذ الفلسطينيون عملية «كرم أبو سالم» على الحدود الإسرائيلية الجنوبية مع غزة، أُسر فيها جلعاد شاليط. اولمرت الذي أراد أن يثبت «شخصيته الأمنية»، وعامير بيرتس الذي أراد الدخول إلى «حرب حياته»، أقرّا عملية «أمطار الصيف» على القطاع لإعادة الجندي الأسير. وكما اعتاد أولمرت فقد وضع أهدافاً تفوق طاقته. في إعلانه عن «أمطار الصيف»، قال «لن نحتل غزة ولن نفاوض القتلة»، لكن الواقع كان على عكس ما أراده أولمرت: شاليط لم يظهر، إضافة إلى أنَّ دراما أولمرت اكتسبت حدوداً أخرى: في 12 تموز 2006، اهتزّت الحدود الشمالية من تحت كرسي أولمرت، وأسر حزب الله جنديين إسرائيليين آخرين، وتورط رئيس الوزراء في حربين على جبهتين مختلفتين لإعادة ثلاثة جنود لم يعودوا.
مع نهاية حرب لبنان الثانية، ومع بداية ايلول من العام 2006، فهم أولمرت أنَّ حياته السياسية متجهة نحو الهاوية. ولا مناص من «التفاوض مع القتلة». بدأ يتراجع عن موقفه وبدأت في المقابل «شخصيات الظلال» تتسلل الى مشهد التفاوض غير المباشر وغير المرئي بين حماس وتل أبيب. ألمانيا التي لعبت أدواراً تاريخية في صفقات تبادل أسرى سابقة بين تل ابيب و«أعدائها» بعثت بوسيطها الاستخباري، جيرهارد كونراد، ليعرف في ما بعد بكناية «الوسيط الالماني». كونراد، متحدث العربية بطلاقة، كان مسؤولاً عن الشرق الأوسط في الجهاز الاستخباري. وقف على الحد الفاصل بين الطرفين. وفي تلك الفترة عيّن أولمرت نائب رئيس الشاباك السابق عوفر ديكل ليكون مبعوثه للمفاوضات. وبدأ الحديث في أيلول عام 2006 عن صفقة يطلق فيها شاليط في مقابل 800 أسير فلسطيني. وعادت الصفقة إلى العناوين في العام 2007، لكنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ. وبحسب محلل الشؤون الاستخبارية يوسي ملمان فإنَّ الصفقة الحالية تشبه إلى حد كبير ما تم التوصل اليه في عهد ديكل (أيار 2007). حيث كان العدد أيضاً الف أسير على مرحلتين.
مع صعود نتنياهو، تمّ تغييب ديكل عن المشهد، عُين رجل الموساد السابق حجاي هداس، مبعوثاً جديداً للمفاوضات. في شباط من العام 2009 بدأت تتجلى ملامح صفقة أسرى، إلا أن المفاوضات بين الجانبين انفجرت. اتهمت إسرائيل حماس بـ«تصلب المواقف» ونشر الإعلام العبري صوراً لأسرى فلسطينيين تعدهم إسرائيل «خطاً أحمر». استقال هداس قبل شهور من منصبه كاشفاً أنَّ الحكومة لا تمنحه المساندة السياسية لإتمام الصفقة، إلى أن عُيّن رجل الموساد السابق يوسي ميدان مبعوثاً لنتنياهو. ويرى ميلمان أن ميدان قطف ثمار ما بدأه أسلافه.
محلل الشؤون العسكرية لموقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني قال إنّه منذ ايلول الماضي عاد التفاوض. وكانت هناك 6 جلسات «تقارب» بين الجانبين، حيث كان «المبعوث الخاص (لرئيس الوزراء) دافيد ميدان في غرفة، ورئيس الذراع العسكرية لحماس أحمد الجعبري في غرفة أخرى، والمصريون بينهما. في الخميس الماضي، قدّمت حماس مساراً للصفقة التي دفعت إسرائيل إلى قرار من أجل اغلاق القضية، والليونة النهائية تم التوافق عليها».
منذ دخول بنيامين نتنياهو إلى مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي في العام 2009، امتازت فترته بالجمود السياسي. متغيرات كثيرة طرأت على وضعه: المفاوضات مع الفلسطينيين متوقفة تماماً، ومعركته الدولية خائبة، أزمة مع تركيا بعد صداقة سنوات واحتجاجات اجتماعية ملأت شوارع تل أبيب مطالبة بالعدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى متغيرات في العالم العربي وضعت الإسرائيليين في حيّز الخوف من المجهول خصوصاً مع اقتحام السفارة في مصر. كل هذا إضافة إلى الصراعات الأزلية عند الحدود الشمالية وصولاً إلى إيران. إلا أن نتنياهو سجّل أمس صفقة حياته، ما سيغير وجهه «المتقلب» أمام الاسرائيليين. لكنَّ هذه الصفقة تحمل بين طيّاتها تساؤلات عدة، محلية وإقليمية، حول توقيتها الآن وبالذات. صحيح أن نتنياهو حاول تجاوز الكثير من الأزمات الحالية، لكن عينه ربما على القضية الإيرانية. وليس صدفة أن محلل الشؤون العسكرية لصحيفة «يديعوت أحرونوت» اليكس فيشمان قال تحت عنوان «كل شيء بسبب إيران».