حيفا المحتلة | مثّل إقرار قانون رفع نسبة الحسم في الكنيست الإسرائيلي هذا العام مؤشرا خطيرا على مصير الأحزاب العربية، إذ إن رفع النسبة يؤدي إلى صعوبات في تحصيل عدد الأصوات اللازمة للحصول على مقعد، ما قد يقود الكتل العربية إلى خارج الكنيست.
ومنذ اللحظة الأولى لقرار حل الحكومة الإسرائيلية وإعلان انتخابات مبكرة في آذار المقبل، وجدت الأحزاب العربية نفسها أمام حالة طوارئ، إذ عليها السير نحو «معركتها الإجبارية والمفاجئة» في ظل غياب رصيد ميداني أثقلته مواقفها «الضعيفة» خلال العدوان الأخير على غزة. ومن الأساس، فإن تاريخ المشاركة العربية في الكنيست لم يحمل إنجازات ملموسة، إذ لم تتمكن الأحزاب التي تعاني التشرذم من منع قانون عنصري أو تهويدي واحد طوال عشرات السنوات من احتلال فلسطين.
ودوما تتهم هذه الأحزاب بأن نشاطها البرلماني «نضال استعراضي أمام الكاميرا»، لذلك لا تواجه الدعوات إلى خوض الانتخابات بقائمة موحدة إلا على قاعدة «مجبر أخوك لا بطل»، فيما يتواصل الضغط من أجل مقاطعة الانتخابات التي كلما تذكر، يلوح التهديد ضد الأحزاب العربية في عقر شارعها، وخاصة بعدما تسربت أنباء عن تصويت جميع النواب العرب في الكنيست على قانون يقر إعفاءات تتعلق بالضمان الاجتماعي للجنود الإسرائيليين.
في كل الأحوال، تدور هذه الأيام مفاوضات حثيثة بين الأحزاب، وإن لم تظهر أي نتائج أو تحالفات حتى اللحظة، فإن المتوقع أنه لا يعلن وحدة حقيقية، فالنواب العرب وكتلهم مثقلون بتداعيات التحالفات السابقة في الانتخابات البلدية، قبل سنة، بجانب استمرار الاختلاف في المواقف اتجاه البلاد العربية، ولا سيما الشأن السوري.
ومع أن النائب إبراهيم صرصور (الحركة الإسلامية) يرى أن «الوحدة مطلب شعبي»، فإنه لم يشرح أسباب تأخرهم في تلبية هذا المطلب الشعبي، كما توقع «خروج الشارع العربي للتصويت». على ضفة مقابلة، يرى النائب جمال زحالقة (التجمع الوطني الديموقراطي، أسسه عزمي بشارة)، أن «رفع نسبة الحسم خلق تجاوبا من الأحزاب للعمل من أجل الوحدة»، موضحا في الوقت نفسه أنه لا يمانع أن تحوي القائمة المشتركة نائبا يهوديا، في إشارة إلى «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة» التي تحتوي بين مقاعدها موقعا مضمونا لنائب يهودي.
كذلك، رغم أن بين «الجبهة» والحزب الشيوعي (أحد مكونات الجبهة)، وبين «التجمع الوطني»، حائط من الاختلافات والخلافات، فإنه يستشف من تصريح زحالقة أن «التجمع» لا يمانع في أن يتفاوض مع الجبهة، الأمر الذي أكدته لقاءات الأيام الاخيرة بين شخصيات من الحزبين.
رفع نسبة الحسم للحصول على مقاعد يثير الخطر الوجودي على الأحزاب العربية


أما النائب عفو اغبارية (عن الجبهة الديموقراطية)، فلم يقل شيئا يختلف عن موقف سابقيه، لافتا إلى أن تركيبة القائمة المشتركة في حال إقرارها ستكون أمرا ثانويا. وحينما تسربت، الأحد الماضي، أنباء عن أن النائب محمد بركة (الجبهة والحزب الشيوعي) هو من سيترأس القائمة المشتركة، سارع الرجل إلى نفي هذه التسريبات، لكن قضايا انتخابات الكنيست لدى فلسطينيي 48 ليست محصورة في المفاوضات بين القوائم الحزبية، فثمة من يرى في المقاطعة قضية مبدأ، وأن «الكنيست ليست ساحة نضال مطلقا»، لذلك قرر كثيرون المقاطعة.
ويقود حركة المقاطعة مركبان، حزبي وشعبي، والحزبي يتمثل في حركات تقاطعها من ناحية المبدأ كـ«حركة أبناء البلد، والحركة الإسلامية (جناح رائد صلاح). وشعبيا يقود أكاديميون وطلاب هذا الاتجاه. أما حركة «كفاح» القومية، التي تأسست منذ أشهر، فأعلنت منذ البداية مقاطعتها للانتخابات والكنيست، وأوضحت أن «لا جدوى من المشاركة، بل مشاركة الأحزاب العربية تغطية على كل القوانين والقرارات الإسرائيلية مهما اعترضوا عليها صوتيا»، لكن «كفاح» قالت إن «الدعوة إلى المقاطعة ليست موجهة ضد النواب العرب، بل ضد المؤسسة الاستعمارية، وللتصويت ضد مؤسسات الاحتلال».
وتاريخيا، تعد «أبناء البلد» ذات ماض عريق في مناكفة الاحتلال وإسقاط شرعيته، وتكرر موقفها على لسان القيادي فيها رجا اغبارية. مثلها فعلت الحركة الإسلامية، التي أكدت أن موقفها غير قابل للنقاش.
في المقابل، تعد«الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، التي تشمل الحزب الشيوعي ومركبات يسارية أخرى، أقدم الأحزاب في المشاركة داخل الانتخابات الإسرائيلية، علما بأن جمهورها شيوعيون ويساريون أغلبيتهم الساحقة من العرب مع أقلية يهودية. و«الجبهة» تقول في أدبياتها إنها حزب عربي يهودي «يؤمن بالشراكة وحل الدولتين»، وهو خط الاتحاد السوفياتي السابق في رؤيته إلى الصراع في المنطقة.
والأحزاب العربية الأخرى بدأت الظهور تباعا منذ انتخابات 1988، إذ تأسس «الحزب الديموقراطي العربي»، وفي التسعينيات أحزاب التجمع (عزمي بشارة) والحركة العربية للتغيير (أحمد الطيبي) والحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي)، والأخيرة ظهرت بعد الانشقاق عن الجناح الشمالي برئاسة صلاح، وهي من الأحزاب المؤيدة للمشاركة في الكنيست.