منذ مدة تجاوزت الشهرين، وأهالي المخيمات في لبنان يخرجون بما يشبه الثورة ضد "الأونروا"، ويغلقون يوماً مكاتبها، ويوماً آخر يعتصمون أمام بواباتها المركزية في بيروت، احتجاجاً على سياسة التقليصات التي تتبعها الوكالة في القطاع الصحي. وقبل أشهر أيضاً، ومع قرب افتتاح العام الدراسي الحالي، كانت لدى "الأونروا" أزمة مالية أعلنت عنها، وأفادت حينها، أنه من الممكن أن تؤجل العام الدراسي للاجئين الفلسطينيين في مختلف الأقاليم.
ويومها أيضاً ساد الهرج والمرج، لإنهاء الأزمة، إلى أن جاءت تبرعات مالية تحل الأزمة مؤقتاً، ولا تنهيها جذرياً، ومن المعروف أن الوكالة الخاصة بالفلسطينيين، تعتمد فقط على التبرعات المالية من الدول المانحة، بنسب معينة تقدمها هذه الدول.
يقال إن "الأونروا" هي الشاهد الدولي الوحيد على التهجير القسري الذي مارسته العصابات الصهيونية خلال النكبة والسنوات اللاحقة. من جانب أعتقد أن هذا صحيح، ولكن من جانب آخر هناك شواهد أخرى كثيرة، هي وجود اللاجئين ومخيماتهم، والأهم وجود بعض أقاربهم وبقية شعبهم في فلسطين المحتلة سنة 1948 من القرن الفائت.
وجود اللاجئين والمخيمات، جانب مهم، في حماية قضيتهم وحقهم في العودة إلى أراضيهم، إلا أن المخيمات الفلسطينية تُباد، ويُراد لأهلها الهجرة، وإلا لماذا اليوم يستقبل اللاجئ الفلسطيني في معظم الدول الأوروبية بإقامة دائمة، وتسهيلات كثيرة، وهذا لا يعني أنني ضد قضية الهجرة والحصول على الجنسية تمهيداً للعودة إلى الديار عبر طرق التفافية، عودة أراها بالمعنى التراكمي ستؤسس لواقع جديد، سيحتم على العالم في يوم من الأيام، المطالبة بحقوق هؤلاء أصحاب الأرض، وذلك بعد أن يكونوا أصحاب جنسيات دول تحسب إسرائيل لها حساباً.
ما حصل لمخيمات اللجوء في سوريا، مثال حي على ما قد يحصل لمخيمات اللاجئين في لبنان، والمقدمات في مخيم عين الحلوة من الاشتباكات والتوترات الأمنية، وولادة خلايا متطرفة داخل المخيم، كأنها تعلن قرب اندلاع شيء فظيع سيؤدي في نهاية المطاف إلى تهجير أهله، كما حلّ بمخيم نهر البارد قبل سنوات.
كل هذا تضاف إليه أزمة "الأونروا"، التي يقلص الدعم المالي لها ويكاد ينعدم من بعض الدول، ما يجعلها مضطرة لإعلان خطة تقليص في قطاعات تعد حيوية للفلسطينيين خاصة في لبنان الذي يموت مرضاه من اللبنانيين أحياناً على أبواب المستشفيات في حال عدم توفر المال الكافي للعلاج، فما بالكم بالفلسطيني الذي بالأصل يعد معدوماً اقتصادياً في بلد الفقراء فيه هم النسبة الكبرى رغم أن ظاهر الأمور من أنواع السيارات الفخمة وأشكال البناء، يوحي بغير ذلك.
ما يحصل من وجهة نظري كلاجئ فلسطيني، هو أن إنهاء دور "الأونروا"، يتم بشكل ناعم وبمنتهى الهدوء، وبخطة مدروسة جداً، يتزامن معها تهجير اللاجئين الفلسطينيين إلى دول أخرى، مع تدمير للمخيمات، استغلالاً للظروف القائمة في سوريا، بغض النظر عن الأطراف المشاركة في هذه العملية.
ولي وجهة نظر أخرى، وهي أن جزءاً من إنهاء قضية اللاجئين بشكل ناعم وخبيث، يستوجب أن يتوزع هؤلاء في الدول الأوروبية كافة، لتصبح الهويات مختلفة. ربما هناك تعويل على اليأس من الهوية المركزية للفلسطينيين بعد كل هذا الوقت وكل هذا العبث، وتمنٍّ بأن تذوب، ولو مع الوقت والمماطلة والتيئيس، بهويات أخرى جديدة.