في مطلع نيسان 2022، اغتالت قوّة إسرائيلية خاصة الشاب سيف أبو لبدة، رفقة الشهيدَين صائب عباهرة وخليل طوالبة من مخيم جنين. وأبو لبدة، وهو ابن مخيّم نور شمس، يُنسَب إليه تأسيس «كتيبة طولكرم»، غير أن التشكيل الجديد لم يسِر على طريق ممهَّدة أسوة بكتيبتَي «جنين» و«نابلس» أو حتى مجموعات «عرين الأسود». إذ تعرّض نشطاؤه، ولا سيما من «الجهاد الإسلامي»، لحملات أمنية متتابعة، شنّتها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، التي تُحكم على نحو نوعي، سيطرتها على المدينة، فيما عمل الاحتلال، في إطار سياسة «جزّ العشب»، على تتبّع أيّ كادر تحيط به شبهات نيّة الانخراط في الفعل المقاوم، وهو تمكّن في نهاية آذار الماضي من اغتيال القيادي أمير أبو خديجة، أحد مؤسّسي «كتيبة طولكرم».مع ذلك، وفيما كانت كتائب المقاومة من شمال الضفة إلى جنوبها، تعيش ضغطاً أمنياً متواصلاً طوال العامَين الماضيَين، عمل مقاومو طولكرم بكثير من «الحكمة والرويّة»، بحسب ما يقول مصدر مقرّب من المقاومة في المدينة لـ«الأخبار»، مضيفاً أنه «معروف عن شباب طولكرم وحالات المقاومة التي تنامت في خضمّ الانتفاضة الثانية عام 2000، أنهم أكثر هدوءاً، يأخذون وقتهم للنضوج، ويبنون أفعالهم على دراسة تجارب الآخرين، وفهم سلوكيات جيش الاحتلال وأساليبه، كي يبعدوا عن أنفسهم خطر الاجتثاث والاستنزاف. وشهد ليل الإثنين - الثلاثاء التطبيق الفعلي لكلّ ما كان يقال عن شباب طولكرم من أنهم «حاذقون، حذرون، شديدو العناد والهدوء»؛ إذ فشلت قوّة إسرائيلية خاصة، قوامها المئات من الجنود والآليات المصفّحة، في أكبر اجتياح للمدينة استمرّ لنحو 6 ساعات، في اعتقال أو اغتيال أيٍّ من المطلوبين. وعلى عكس المتوقّع، لم يكتفِ مقاومو الكتيبة بتشغيل صافرات الإنذار وإعادة التموضع، بل باغتوا قوات وحدة «دوفدوفان» الخاصة بكمائن وشراك كانت معدّة سلفاً لاستقبالها. وبحسب بيان «كتيبة طولكرم»، فقد «حاول العدو الصهيوني اغتيال مجاهدينا بعملية عسكرية كبيرة عاث خلالها فساداً في مخيم نور شمس، إلّا أن معيّة الله ويقظة مجاهدينا الأبطال كانتا لهم بالمرصاد، حيث تمكّنوا بعون الله وقوته وتوفيقه من التصدّي لقوات الاحتلال وآلياته المدجّجة، وخوض اشتباكات عنيفة، وتحقيق إصابات مؤكّدة في صفوف العدو». وتابع بيان الكتيبة في سياق حديثه عن المنجز الذي أحاطته الحاضنة الشعبية بأجواء احتفالية استمرّت حتى شروق الشمس: «تمكّن مجاهدونا من تفجير عدد من العبوات الناسفة في آليات الاحتلال بشكل مباشر في أكثر من منطقة (...) كما أوقعوا قوات الاحتلال التي تمركزت في ساحة المخيم بحقل من النار لم تشهد له مثيلاً من قبل، محقّقين إصابات مباشرة». وإذ لم تستطع المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية التعمية على تلك الخسائر، فهي اعترفت، في وقت لاحق، بإصابة جندي من «دفدوفان» بشظية عبوة ناسفة، فيما أعلنت «سرايا القدس» تدشينها عبوة جديدة حملت اسم «سيف 1» نسبةً إلى المؤسّس سيف أبو لبدة.
عمل مقاومو طولكرم بكثير من «الحكمة والرويّة»


غير أن المفاجآت لم تتوقّف عند إجهاض مخطّط مغافلة المقاومين في «نور شمس» للمرّة الثالثة خلال أسبوع واحد؛ إذ نفّذ المقاومون عملية إطلاق نار دقيقة، استهدفت سيارة حارس أمن مستوطنة «حرميش» القريبة من قرية قفين شمالي طولكرم، وتسبّبت بإصابته بجروح خطيرة، قبل أن يعلَن مقتله لاحقاً. ودفعت هذه الوقائع المتلاحقة رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة، يوسي دغان، إلى المطالبة بإعادة نشر الحواجز في مختلف مدن الضفة، قائلاً: «أعيدوا الحواجز فوراً... إنهم يصطادوننا مثل البطّ». في الأثناء، شنّت قوات الاحتلال عملية أمنية كبيرة استهدفت مخيم نور شمس وقرية قفين، في محاولة للقبض على المنفذين، الذين أعلنت «كتيبة طولكرم - وحدة الرد السريع» أنهم يتبعون خلاياها. ويشير تطوّر الأحداث، وفق مصدر مقرّب من المقاومة في المدينة، إلى أن خلايا المقاومة هناك، تعمل بعدّة رؤوس، أي أن الوحدات التي حضرت سريعاً للتصدّي لقوات الاحتلال في شوارع طولكرم، ليست ذاتها التي نفّذت العملية. ويقول المصدر: «هذا هو أكبر كوابيس الاحتلال، أن يظنّ أنه ينجز في جنين ونابلس وأريحا، بينما يتجهّز آخرون لمشاغلته وإرهاقه في طولكرم ومناطق أخرى يعتقد في الوقت الحالي أنها خارج الحسابات».