لا شيء يشبه اللحظة الأولى لخروج الأسير فؤاد الشوبكي من سجنه، سوى لوحة جبل المحامل الشهيرة. «شيخ الأسرى» (83 عاماً)، بدا وهو يطلّ من سيارة الإسعاف التي وصلت به إلى مدينة الخليل رافعاً شارتَي النصر، وكأنه العجوز التي تتوسّط حيطان البيوت في مخيّمات اللاجئين، أو الرجل الذي يَحمل على ظهْره قبّة الصخرة، وقد أثقلت «الشيلة» الكبيرة قامته حتى احدودب منها ظهْره فيما هو مصرّ على التمسّك بها. ظُهر أمس، غمرت القشعريرة أجساد مَن حَضروا المشهد المهيب، حيث تسعة من الأحفاد يقبّلون الشيبة والكفّ المجعّد اللذَين لم يروهما ويلمسوهما طيلة حياتهم، وستّة أبناء استوطن شيب الانتظار رؤوسهم، بينما أمّهم، أمّ حازم، غادرت الحياة عام 2011 قبل أن تشهد الفرحة الكبرى.

ابن الزمن الجميل، رفيق الراحل ياسر عرفات، قبطان «سفينة تصحيح المسار»، هو عسكري وسياسي فلسطيني يحمل رتبة لواء، وكان مسؤولاً عن الإدارة المالية المركزية العسكرية في الأجهزة الأمنية الفلسطينية وأحد أعضاء المجلس الثوري لحركة «فتح» و«المجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية». أبو حازم، الذي ولد في 12/9/1940 في حيّ التفاح في مدينة غزة، كلّفه الراحل أبو عمار، في مطلع الانتفاضة الثانية عام 2002، بالعمل على عسكرة الانتفاضة، ليتولّى الرجل مسؤولية توصيل شحنات السلاح من إيران إلى فلسطين. وفي الثالث من كانون الثاني 2002، نفّذ جيش الاحتلال عملية عسكرية سمّاها «سفينة نوح»، بهدف السيطرة على سفينة «كارين A» في البحر الأحمر، والتي ضبطتْها البحرية الإسرائيلية على بُعد 500 كيلومتر من ميناء إيلات، ووجدت على متنها 50 طنّاً من الأسلحة، بينها صواريخ وقاذفات وراجمات وقنابل وألغام مختلفة، وصواريخ مضادّة للدروع مِن مِثل «ساغر»، ومواد متفجّرة متطوّرة من نوع «C4»، وقوارب مطّاطية وأدوات غوص، وأسلحة رشاشة وصاروخية.
تَحرّر الشوبكي منتصراً وهو ما زال يؤمن بأن «الله معنا والأسرى مشاريع شهادة


وفي عام 2002، وفي خضمّ الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية ضمن عملية «السور الواقي»، ضغطت دولة الاحتلال على السلطة الفلسطينية لإقالة الشوبكي من منصب مدير المالية العسكرية، وهو ما لبّته رام الله، زاجّةً بـ«ربّان السفينة» - كما يحلو للأسرى تسميته - في سجن أريحا، ومعه الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية» أحمد سعدات، وعناصر الخلية المسؤولة عن اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي. وفي 14 آذار 2006، اعتقله جيش العدو من سجن أريحا، ليُحكم عليه بالسجن 17 عاماً، وتبدأ معاناته مذّاك من أمراض سرطان البروستاتا وارتفاع ضغط الدم، بالإضافة إلى عِلل أخرى في عظامه وعينه أقعدتْه عن الحركة.
تَحرّر الشوبكي منتصراً وهو ما زال يؤمن بأن «الله معنا والأسرى مشاريع شهادة»، قال ذلك «والد الأسرى» في أوّل حديث له تحت الشمس. بدت ابتسامته عندذاك وسط مُحبّيه في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكأنها تعيد إلى القضية شبابها الذي لا يدوسه قطار السنين.



«ثلاثاء الحرية» نُصرةً للأسرى
لليوم الـ29 على التوالي، واصل الأسرى الفلسطينيون في سجون العدو الإسرائيلي خطواتهم النضالية ضدّ إجراءات إدارة السجون، إذ أرجعوا، أمس، وجبتَين من الطعام، وأخّروا خروجهم إلى الساحات، واستمرّوا في لبس الزيّ البنّي. وفي المقابل، أبلغت الإدارة، «لجنة الطوارئ العليا للأسرى»، أنها ستُوسّع من دائرة عقوباتها في حال استمرّ المعتقَلون في خطواتهم، وهو ما ردّت عليه الحركة الأسيرة بإعلان مضاعفة حالة الاستنفار والتعبئة في صفوفها، حتى موعد الإضراب المفتوح عن الطعام، والمنتظَر انطلاقه مع بداية شهر رمضان. ودعت «اللجنة»، «الشعب الفلسطيني في كلّ أماكن تواجده إلى جعْل يوم الثلاثاء من كلّ أسبوع "ثلاثاء الحرية"، إحياءً لذكرى "الثلاثاء الأحمر" الذي قدّم فيه الفلسطينيون خيرة أبنائهم على مذبح الحرية في زمن الانتداب والاحتلال البريطانيَّيْن».
(الأخبار)