بعد حالة الإرباك وفقدان القدرة على التعامل مع وتيرة العمليات المسلحة التي تأخذ منحى متصاعداً في الضفة الغربية والقدس، برغم كل الطوق الذي تفرضه المنظومة الأمنية الإسرائيلية التي تعمل ليل نهار وتُضافر جهودها وتحشد طاقاتها وتعبّئها في وجه المقاومة، اتّخذ العدو عدّة إجراءات «انتقامية» اليوم في محاولة لإظهار سيطرة الأجهزة الأمنية بعد فشلها.
وفيما لا تحمل هذه الإجراءات أي جديد على المستوى العسكري، إذ إنها تكرار لسياسات قديمة مثل الهدم وتعزيز الاستيطان وتكثيف الاعتقالات وطرد عائلات منفذي العمليات، فهي تمثل اعترافاً ضمنياً بفشل الحلول العسكرية في القضاء على العمليات المقاوِمة، ولا سيّما الحديث عن تسهيل إجراءات حصول المزيد من المستوطنين على رخصة لحيازة أسلحة الذي يجسّد التهرّب من المسؤولية، والتجسيد لحالة الاستنزاف التي تعانيها أجهزة الأمن الإسرائيلية التي لم تعد قادرة على توفير الأمن.

وفجر اليوم، حاصرت قوات العدو بأعداد كبيرة، وبقرار من المجلس الوزاري المصغر للعدو «الكابينت» المتخبّط، منزل عائلة منفذ عملية القدس الشهيد خيري علقم التي أسفرت عن مقتل ثمانية مستوطنين وإصابة أكثر من عشرة آخرين في القدس قبل يومين، وأغلقته بألواح حديدية بعد طرد سكانه منه. كذلك، قرّر العدو إغلاق منزل منفّذ عملية سلوان، الأسير محمد عليوات، الذي أسفرت عمليته التي قام بها أمس عن إصابتين، إحداهما خطيرة.

يأتي ذلك بعد حالة الارتباك التي برزت خلال مؤتمر وزير الأمن القومي للعدو، إيتمار بن غفير، مساء أمس، وهو يتهم مستشارة حكومته القانونية بتأخير تنفيذ قرار الإغلاق الذي اتفق عليه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجهاز «الشاباك».

وضمن حالة الإرباك والصدمة التي تسيطر على حكومة العدو، استعرض نتنياهو ــــ على غير العادة ــــ صورة لاجتماع «الكابينت»، بحضور رئيس حزب «شاس»، آريه درعي، المطرود من الحكومة كمستشار، وهي صور لا تُنشر في العادة. كما نشر نتنياهو القرارات التي تشمل معاقبة أهالي منفذي العمليات، وتعزيز الاستيطان، وتسهيلات في منح الرخص بحمل السلاح للمستوطنين. وفي السياق، قال نتنياهو: «قررنا تعزيز الشرطة بسرايا من الجيش للمساعدة في منطقة القدس وفي المناطق القريبة من خط التماس».

وبحسب رئيسة قسم العمليات في شرطة العدو، سيغال بار تسفي، تم نشر حوالي 400 ضابط شرطة في القدس، مشيرة إلى «رفع الجهوزية». وأضافت، في حديث إلى صحيفة «معاريف»، أنه «وقع هذا الشهر فقط 32 عملية، بما في ذلك 29 محاولة تنفيذ عمليات، فيما أسفرت ثلاث عمليات عن سقوط قتلى». وأشارت إلى أنه «من بين محاولات تنفيذ العمليات، هناك 17 محاولة كانت بإطلاق النار، وخمس عمليات بعبوات ناسفة تم فيها تحييد المنفذين، وتم القضاء على خمسة أفراد وأصيب شخص بجروح خطيرة، كما تلقينا 41 تحذيراً لتنفيذ عمليات أخرى».

كما أجرى رئيس أركان جيش العدو، هرتسي هاليفي، اليوم، جولة في ما تسمى فرقة الضفة، وأجرى تقييماً للوضع على خلفية الأحداث الأخيرة واطّلع على استعدادات قواته لـ«مواجهة السيناريوات المختلفة».

كذلك، شرعت قوات العدو، اليوم، بهدم 14 مبنىً للفلسطينيين في شرق القدس، بتوجيهات من بن غفير. كما وصلت قوات وحدة «يوآف» التابعة لشرطة العدو وما يُسمّى بـ«سلطة الأراضي الإسرائيلية» والدوريات الخضراء إلى نقطة زرع الأشغال في منطقة النقب، من أجل القيام بزراعة أشجار استيطانية، بهدف السيطرة على أراضي فلسطينيّي النقب بقوة الشرطة. يُشار إلى أن بن غفير إلى جانب كونه وزيراً للأمن القومي، هو أيضاً وزير للنقب والجليل والأطراف، وأخذ هذه الوزارات من أجل تطبيق سياسته الاستيطانية في هذه المناطق.

وفي سياق اعتداءاتها الانتقامية، صعّدت قوات العدو من اعتداءاتها على الأسرى الفلسطينيين، وسُجّل العديد من الاقتحامات في عدة سجون، نكّلت خلالها قوات القمع بالأسرى، ونقلت العديد منهم. وإثر ذلك، استمرّ التوتر داخل السجون لليوم الثاني على التوالي وخاصة في سجون النقب والدامون وعوفر.

في المقابل، قالت وزارة الأسرى والمحررين في غزة إن «فرض عقوبات على الأسيرات واقتحام أقسامهن وإغلاقها هو سلوك لاإنساني ويمسّ مشاعر الأسرى بشكل مباشر، وعلى إدارة السجون أن تتذكر عملية الأسير البطل يوسف المبحوح قبل عام من الآن انتقاماً للحرائر».

وأكدت فصائل المقاومة الفلسطينية أن المساس بالأسرى في سجون الاحتلال سيكون له تداعيات داخل السجون وخارجها. وقالت الفصائل في بيان، اليوم، إن «ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال من إجراءات قمعية هو عدوان إجرامي غاشم». وأضافت إنّ «هذا العدوان الفاشي والعنصري هو محاولة خبيثة لحرف الأنظار عن الفشل الذريع الذي أحدثته العمليات البطولية في القدس العاصمة وحصدت بها أرواح المغتصبين».

وأمس، كشفت لجنة الطوارئ الوطنية العليا للحركة الوطنية الأسيرة أن «الساعات القادمة ستشهد تصعيداً في خطواتها في مواجهة عدوان الاحتلال المستمر على الأسرى». وقالت، في بيان، إنه «ضمن سياسة خلط الأوراق التي يسعى إلى تطبيقها الوزير الصهيوني الحاقد بن غفير، عزلت إدارة سجون الاحتلال عدداً من الأسرى، واتخذت إجراءات عقابية بحقّ عدد من الأسرى والأسيرات بدعوى احتفالهم بعملية الأمس».