غزة | على رغم الحرج الذي يثيره الحديث عن الهدف من عمليات إطلاق الصواريخ العشوائية، فإنه صار من الضروري أخيراً، ليس البحث عن جدوى هذا النوع من الفعل، إنما عن أهدافه، ولا سيما بعد أن تَكرّر السيناريو نفسه في خلال شهر واحد. يبدأ الحدث من إقدام الاحتلال على عملية اغتيال مستفزة في الضفة الغربية، يتفاعل معها الشارع الفلسطيني برمّته، ثمّ في توقيت مدروس يحمل دلالة تشير بأصابع الاتهام إلى تنظيم بعينه، تنطلق دفعة من الصواريخ من مناطق متفرّقة في قطاع غزة، تحمل بصمة واحدة، هي السقوط في بقعة قريبة من السياج الفاصل داخل القطاع، أو في ناحية مفتوحة في غلاف غزة، وعقب ذلك، تنفّذ الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات عنيفة تتجاوز ما يستدعيه إطلاق صاروخين لم يُشغلا أساساً صافرات الإنذار، تستهدف مواقع حسّاسة للمقاومة، كموقع عسكري يحوي معامل لتخزين الصواريخ، أو ماكينات ثمينة لتصنيعها، أو نفق مجهّز لاختراق الحدود.في مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، أطلقت مجموعتان مجهولتان خمسة صواريخ محدودة المدى، تجاه مستوطنات «الغلاف»، في ما بدا وكأنه ردّ على اغتيال الشهيد القائد في «سرايا القدس» في مخيم جنين، فاروق سلامة، الذي أحدثت تفاصيل عملية اغتياله حالة من التأثّر والصدمة في شارعَي الضفة وغزة، ولا سيما أن سلامة كان عريساً يجهّز الذبائح لمراسم زفافه المقرّر عقده في اليوم التالي. آنذاك، أطلقت المجموعة الأولى ثلاثة صواريخ من شمال القطاع في تمام الساعة 9:45 دقيقة، سقط اثنان منها داخل حدود مدينة بيت حانون شمالاً، وواحد في منطقة مفتوحة قريبة من السياج الفاصل. أمّا الثانية، فأطلقت صاروخَين آخرَين من غربي مدينة خان يونس، سقط أحدهما داخل الحدود، والثاني في منطقة مفتوحة قرب السياج الفاصل. في المقابل، ردّت الطائرات الحربية الإسرائيلية، فجر الجمعة، بقصف عنيف استهدف موقع الكتيبة 13 في منطقة المغازي وسط غزة بأكثر من 12 طنّاً من القنابل، ما تسبّب بتدمير الموقع الذي يحوي مقدّرات حسّاسة للمقاومة، عن بِكرة أبيه. وفي ما يبدو تكراراً للسيناريو نفسه، أطلقت مجموعة مجهولة الهوية، ليل أمس، صاروخاً واحداً، سقط في منطقة مفتوحة بالقرب من «كيبوتس كفار عزة» القريب من السياج الفاصل، من دون أن يتسبّب بوقوع أيّ إصابات أو أضرار. وفي فجر الأحد، استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية أرضاً زراعية، قدّرت مصادر عبرية أنها تحوي «عملاً تحت أرضي مهمّاً للمقاومة».
ردّت المقاومة على القصف الإسرائيلي باستهداف موقع «صوفا» العسكري بعدد من الصواريخ


ومهما يكن، فإن نقطة الالتقاء بين عمليتَي إطلاق الصواريخ، هي غياب مسؤولية أيّ فصيل مقاوم عن تبنّيها، لا تلميحاً ولا تصريحاً، فيما تؤكد مصادر في المقاومة، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «فحص عدد من الصواريخ التي أُطلقت في مطلع تشرين الثاني الماضي، أثبت أنها لم تكن تحوي صاعقاً تفجيرياً، ما يعني أن الهدف منها، هو توفير الذريعة للاحتلال لاستثمار معلومة أمنية حصل عليها، والمسارعة في تدمير مقدّرات تقنية ولوجستية للمقاومة قبل نقلها وتأمينها». وتضيف المصادر أن «سرعة تدخّل الوسطاء عقب كلّ حادثة، تؤكد أن إسرائيل تستخدم هذه الخديعة غير المكلفة ميدانياً، في إنجاز ملفّات طارئة، من دون أن تضطرّ إلى دفع الثمن بجولة تصعيد طويلة ومكلفة».
وعلى رغم أن حديثاً كهذا يفتح الباب أمام مناكفة حزبية لا تنتهي، منها إعادة استذكار رأي رئيس السلطة، محمود عباس، بصواريخ المقاومة، حينما وصفها وقتما كانت تسيطر السلطة على غزة بين عامَي 2005 و2007 بأنها «صواريخ عبثية»، ودعا الأجهزة الأمنية إلى اعتقال أو حتى قتل كلّ مَن يصادفونه وهو يحاول إطلاق تلك الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، فإن أوساط المقاومة تبحث في هذه الأيام، سبل إعادة فرْض قواعد اشتباك جديدة، على اعتبار أن «صواريخ الضرار» أضحت مخطّطاً إسرائيلياً مكشوفاً، يهدف إلى منْع المقاومة من مراكمة قدراتها في أوقات الهدوء، ضمن سياسة «جزّ العشب» المعروفة. وعلى طريق ذلك، ردّت المقاومة ليل أمس على القصف الإسرائيلي، باستهداف موقع «صوفا» العسكري بعدد من الصواريخ، في إطار «التصدّي للعدوان». كما أعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، تصدّيها للطائرات المعادية عبر إطلاق صاروخ مضادّ للطائرات.