غزة| توقفت عقارب الساعة عند السادسة والنصف من مساء يوم أمس الخميس، بعد اندلاع حريق كبير في منزل يعود لعائلة أبو ريا في حيّ تل الزعتر بمخيّم جباليا شمال قطاع غزة. وفقاً لشهادة سكان الحيّ، فقد مرّت أكثر من ثلاثين دقيقة على اشتعال النيران، حاول خلالها جيران المنزل التدخّل لإنقاذ حياة نحو 28 شخصاً أحاطت بهم النيران في داخله، قبل أن تصل طواقم الدفاع المدنيّ وتباشر في إخماد الحريق. غير أن تمدد النيران التي حاصرت السكان في الطابق الثالث سبقت جهود الطواقم المتخصصة، ليبدأ عقب ذلك مسلسل الإعلان عن الضحايا؛ ثلاثة جثث متفحّمة انتُشلت من البيت، من بينها مدير مكتب وكيل وزارة العمل، ماهر أبو ريا. بعدها بدقائق، أُعلن أن عدد الضحايا ارتفع إلى عشرة.
الكارثة حلّت بعد تمكّن الدفاع المدنيّ من إطفاء النيران، إذ أعلنت وزارة الداخلية والأمن الوطنيّ أن 21 شخصاً كانوا في المنزل، قضوا جميعاً في الحريق، من بينهم الأب فرج أبو ريا، وزوجته يسرى أبو ريا، بالإضافة إلى أبنائهم الاثنين، ماهر ونادر، إلى جانب 16 آخرين من زوجاتهم وأخواتهم وأطفالهم.

خيّم الحزن على المدينة، وعلى إثره أعلنت العائلات من شمال القطاع إلى جنوبه إلغاءها مراسم الأفراح، ثم أعلنت الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الحداد العام، كما أعلن الرئيس محمود عباس تنكيس الأعلام والحداد الرسميّ على أرواح الضحايا. أما في محيط المنزل المحترق، فقد احتشد الآلاف من المواطنين، حكى بعضهم مشاهدات صادمة، الصحافي محمد عوض كان من أوائل من وصلوا إلى مكان الحدث، قال إنه شاهد النساء والأطفال يستغيثون من شرفات البيت قبل أن تلتهمهم النيران.

أما أبو محمد، وهو أحد جيران العائلة المنكوبة، فقد قال لـ«الأخبار» إن النيران اندلعت بشكل كبير ومفاجئ، وقد تمكّن الجيران من كسر باب المنزل الخارجيّ والوصول إلى الطابق العلويّ دون أن يستطيعوا الدخول، وأضاف: «أصوات صراخ الأطفال والنساء في لحظات حياتهم الأخيرة لن تغادر أسماعنا طول العمر».

مصادر عائلية ذكرت أن ماهر أبو ريا كان قد عاد لتوّه من سفرٍ طويل، حصل فيه على درجة الدكتوراه، وأن العائلة كانت قد دعت الأقرباء والأنسباء للاحتفال بيوم ميلاد أحد الأطفال وبعودة ماهر من السفر، قبل أن يندلع حريق مفاجئ أودى بحياة الجميع. وبينما قدّرت مصادر عائلية أن سبب الحريق هو تسرّب غاز الطهي المصريّ المعروف بأنه عديم الرائحة، ذكرت وزارة الداخلية أن نتائج التحقيق الأوّلية أكدت أن الحريق نَجَمَ عن تخزين العائلة لكمية كبيرة من وقود البنزين.

على مواقع التواصل الاجتماعي، تداول الآلاف من المواطنين مقاطع مصوّرة تُظهر الأطفال الضحايا، وتروي قصصاً مؤثّرة لعائلات بأكملها. الأم المعلّمة روز، والوالد الصيدلانيّ نادر أبو ريا، وأطفالهم الأربعة، الجميع موتى. قال أحد المعلّقين إن ثمّةَ شيءُ يعزّي بالفقد، وهو أن لن يبقَ أحد ليحزن على أحد. أما صهر العائلة محمد جاد الله، فقد كان أقلّ حظاً من نسيبه، إذ لم يكن الفارق بينه وبين اللحاق بزوجته وأطفاله الثلاثة سوى بضع دقائق، تأخّر الوالد عن الاحتفالية العائلية، وكانت زوجته وأطفاله قد سبقوه إلى هناك، عاش هو وقضى جميع أفراد عائلته.

سيطول الحديث، وستكثُر الاتهامات بالتقصير، سيعلن الكثير نقمته على تقصير وحدات الدفاع المدنيّ، وسيفنّد آخرون رواية وزارة الداخلية حول سبب الحريق، لكن الأكيد، هو أن صورة الطفل الذي كان ينظر من شرفة البيت والنيران تلتهم ذويه قبل أن تلتهمه أيضاً، لن ينساها أحد، كما أن تفاصيل اللحظة الأخيرة، ستبقى رهينة الفرضيات، إذ لم تترك الكارثة شهوداً ليرووا ما حدث.