غزة | رفعت المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية جهوزيّتها لاستقبال شهر رمضان هذا العام، ليس استشعاراً منها لنيّة المقاومة في غزة فتح جبهة جديدة على غرار معركة العام الماضي، إنّما لأن الظروف الميدانية التي سيفرضها التقاء المناسبات الدينية الإسلامية واليهودية، ستكون كفيلة بتفجير الموقف على نحو أكبر. وفي محاولة لاستدراك ذلك، أعدّ الاحتلال جملة سيناريوات منفصلة لكلّ من الضفة والداخل المحتلّ، الذي ترك توقيعه مبكراً في مدينة الخضيرة ليلة أوّل من أمس. أمّا في غزة، فقد لوّح بـ«جزرة» التسهيلات الاقتصادية التي كان آخرها مضاعفة أعداد تصاريح العمل الممنوحة للعمّال داخل «الخطّ الأخضر»
لعلّها المرّة الأولى التي تولي فيها حكومة إسرائيلية، تصعيداً ميدانياً متوقّعاً إجراءات وقائية كهذه. إجراءاتٌ لم تترجمها الاحتياطات الأمنية المضاعَفة في مناطق النقب والضفة المحتلة، إنّما أحيطت بماراثون من اللقاءات السياسية والأمنية على أعلى المستويات، بدأ في 10 آذار الجاري بلقاء وزير خارجية الاحتلال يائير لبيد، الملك الأردني عبدالله الثاني، كون الأخير الوصيّ على المسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية في القدس. وبحسب ما جاء في بيانٍ صدر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن جدول الزيارة تضمّن «العمل معاً لتهدئة التوتر وتعزيز التفاهم، وبخاصّة في فترة شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي». وأخيراً، طار رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، «الشاباك»، إلى واشنطن، للقاء المسؤولين الأمنيين في الإدارة الأميركية، ودراسة الكيفية الأمثل للحدّ من الانفجار المُتوقَّع في رمضان. ووفقاً للتقديرات الإسرائيلية، فإن التوتّرات التي سيشهدها الشهر الهجري المقبل تتجاوز بمئات الأضعاف، الوقائع الميدانية التي أشعلت معركة «سيف القدس» في نهاية رمضان الفائت، والتي تمثّلت في محاولة تهجير سبع عائلات مقدسية من منازلها في حيّ الشيخ جراح.

تقاطعات فارقة
ويتقاطع شهر رمضان، هذا العام، لأوّل مرّة، مع عيد الفصح العبري، الذي يشكّل موسماً تقليدياً لليمين الإسرائيلي لاقتحام المسجد الأقصى، على نحو لا يقتصر على المظاهر الاستفزازية فحسب، إنّما يستغلّ هذا الحدث بشكل سنوي لتثبيت وقائع تهويد جديدة. ومنذ عام 2018، بدأت جماعة المعبد المتطرّفة بالاقتراب في ذبح قرابينها من أقرب نقطة إلى المسجد الأقصى، وقد استطاعت آنذاك ذبح القرابين على السور الجنوبي للمسجد، فيما أوقفت هبّة باب الرحمة في بداية 2019 ذبح القرابين الذي كان من المقرّر أن يمتدّ إلى باحة الحرم. وما يزيد من تعقيد المشهد، هو أن الجماعات اليمينية ستستغلّ ضعف حكومة نفتالي بينيت، بصورة تتخطّى «الإقامة المعنوية للهيكل» - والتي تعني اقتحام المسجد الأقصى لإقامة الشعائر التلمودية داخله على اعتبار أن الهيكل قائم فعلاً، ما يعني أن الأقصى مهدوم ضمناً -، إلى حدّ اقتطاع مساحة دائمة لصلاة اليهود داخل المسجد عبر فرض الطقوس الدينية فيه بالقوّة. وربّما تقدّر تلك الجماعات أن رئيس الوزراء الحالي لن يستطيع مواجهتها لخشيته من فقدان قاعدته الانتخابية اليمينية التي هي ضعيفة أصلاً، وصولاً إلى سقوط حكومته بشكل كلّي.
يتقاطع شهر رمضان، هذا العام، لأوّل مرّة، مع عيد الفصح العبري، الذي يشكّل موسماً تقليدياً لليمين الإسرائيلي


وتشير الزيارات التي يقوم بها المسؤولون السياسيون والأمنيون في حكومة بينيت، إلى أنه لن يستطيع مواجهة الخطوات الاستفزازية التي أخذت الجماعات اليهودية تحشد لها فعلياً. ولذا، فإن ما تحاول دولة الاحتلال القيام به الآن، ليس معالجة الأسباب التي قد تقود إلى الانفجار، إنّما تخفيف التبعات المتوقَّعة، عبر فرض إجراءات أمنية، إلى جانب تقديم جملة من التسهيلات التي من شأنها أن تخفّض حدّة التوتّر المنتظَر. ومن ذلك ما أقرّته المحكمة الإسرائيلية العليا بشأن تأجيل عمليات إخلاء العائلات المقدسية من حيّ الشيخ جراح، إضافة إلى إزالة الحواجز من منطقة باب العَمود خلال شهر رمضان. وعلى رغم معارضة قيادة شرطة الاحتلال التي تتولّى المسؤولية في المدينة المقدسة، إلّا أن الجيش الإسرائيلي طالب بفتح المجال أمام سكّان الضفة الذين تزيد أعمارهم عن 45 عاماً، للصلاة في الأقصى من دون تصريح.
أمّا في الداخل المحتل، فقد بدا الوضع أكثر تعقيداً، مع زيادة حدّة العمليات الفردية التي يقوم بها مَن اصطُلح على تسميتهم «الذئاب المنفردة». ولعلّ ما شهدته شاشات التلفزة العبرية ليلة أول من أمس من مشادّة حادّة بين وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف وعضو «الكنيست» إيتمار بن غفير، خلال بثّ مباشر على الهواء من مكان عملية الخضيرة بين تل أبيب وحيفا، اتّهم فيها بن غفير، غريمه السياسي بالفشل، يدلّل على عمق الأزمة التي يعيشها المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي، الذي يتبادل طرفاه التّهم عن السبب في زيادة الفعل المقاوم في مدن الداخل.

تسهيلات بالجملة لغزّة
وبخصوص غزة، فقد تمثّلت السياسات الإسرائيلية الجديدة في زيادة هامش التسهيلات الممنوحة لسكّان القطاع. وبحسب الإعلام العبري، فإن تلك التسهيلات تتلخّص في موافقة حكومة الاحتلال على رفع عدد تصاريح العمّال الغزّيين داخل «الخطّ الأخضر» إلى 20 ألفاً، إضافة إلى إعلان السفير القطري، محمد العمادي، تجديد المنحة القطرية بواقع 360 مليون دولار ستُصرف بشكل شهري خلال العام الجاري. وبحسب مصادر مطّلعة في الفصائل الفلسطينية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن الحديث عن التسهيلات اقترن بنقل الوسطاء الدوليين جملة من الطلبات، أبرزها «كفّ يد المقاومة في قطاع غزة عن مساندة المقاومة في الضفة المحتلة، وتحريض الداخل المحتل»، تحت طائلة «الردّ على العمليات التي تشهدها الضفة، في غزة، إذا ما ثَبُت وجود صلة في التخطيط» بين الساحتَين. غير أن مصدراً في المقاومة أكد أن الفصائل نبّهت الوسطاء إلى أن «الوقائع التي أفرزتها معركة سيف القدس العام الماضي، ما زالت قائمة»، مُحذّرة من أن «أيّ تغيير ديموغرافي سيعمل الاحتلال على تدشينه في البلدة القديمة في القدس، أو في المسجد الأقصى، سيواجَه بموقف حازم من المقاومة في غزة».