كما هو الحال في كلّ عام - باستثناء عام 2021 بسبب انتشار وباء "كوفيد - 19" -، أقام "المجلس التمثيلي للمؤسّسات اليهودية في فرنسا" (CRIF) عشاءه السنوي في 22 شباط، حيث يتسابق السياسيون للحضور. الحكومة كلّها كانت حاضرة تقريباً، كما تمّت دعوة ممثّلي المرشّحين للانتخابات الرئاسية - باستثناء إريك زيمور، ومارين لوبان، وجان لوك ميلانشون، الذين جرى تصنيفهم على أنهم "متطرّفون" - بما في ذلك "حزب الخضر" (يانيك جادوت) و"الشيوعي" (فابيان روسيل)، اللذان كان قد جرى استبعادهما في المرّة الماضية، مثل غيرهما ممّن ينتقدون إسرائيل بشدّة. الأوّل كان حاضراً - فقد رفض استخدام كلمة "أبرتهايد" لوصف إسرائيل (بعد نشر تقرير منظّمة العفو الدولية) -؛ أمّا الثاني، فقد رفض الدعوة، التي لا يُفهم المغزى من ورائها، على اعتبار أنّ "الحزب الشيوعي" تمسّك بموقفٍ مستنكر للسياسة الإسرائيلية، بينما دعم تقرير "العفو الدولية".لم يستطع الرئيس إيمانويل ماكرون الحضور، بسبب الأزمة الأوكرانية. فقرأ خطابه رئيس الوزراء، جان كاستكس. نقطتان بارزتان في هذا الخطاب، تؤكّدان الانحياز الفرنسي للسياسة الإسرائيلية. في البداية، قال: "أنتم تعلمون تعلّقي بالقدس. القدس هي العاصمة الأبدية للشعب اليهودي. لم أتوقّف عن قول ذلك. وهذا لا يمنع، في أيّ حال من الأحوال، من الاعتراف واحترام ارتباط الديانات الأخرى بهذه المدينة، وبهذه الروح قمتُ أنا شخصياً بالتجوُّل في المدينة القديمة، في عام 2020، وزرت كلّ الأماكن المقدّسة، اليهودية والمسيحية والمسلمة. لكن محو اليهودية من القدس أمر غير مقبول". ما لم يذكره هو أن القدس الشرقية، بحسب القانون الدولي، تُعتبر أرضاً محتلّة، وهو الأمر الذي لا تتوقّف فرنسا عن تكراره في التصريحات الرسمية، وأن مسألة القدس ليست دينية، بالدرجة الأولى، بل سياسية. كذلك، هو لم يشر إلى العقيدة الدبلوماسية الفرنسية، التي تنصُّ على وجوب أن تكون القدس عاصمةً لدولتين.
ما أوضحه هذا العشاء هو الانحراف من قِبَل جزء كبير من الطبقة السياسية لصالح إسرائيل


ماكرون أشار، من خلال كاستكس، إلى أنه "من غير المقبول أن تسيء الجمعيات استخدام المصطلحات المليئة بالخزي لوصف دولة إسرائيل، باسم الكفاح العادل من أجل الحرية. كيف يجرؤون على الحديث عن الفصل العنصري، في دولة يتمّ فيها تمثيل المواطنين العرب في الحكومة والبرلمان، كما يتقلّدون المناصب القيادية، ومناصب المسؤولية، وحيث يدرك جميع المواطنين، بغضّ النظر عن ديانتهم، أن أملهم الوحيد هو السلام؟ ليس من خلال التأكيد على مثل هذه الأكاذيب، تفي الجمعيات التي تدّعي السعي لتحقيق هدف السلام، بدعوتها". كاستكس لم يتطرّق إلى "منظّمة العفو الدولية"، لتجنُّب الاضطرار، على الأرجح، إلى إدانة مثل هذه المنظمة المرموقة، التي تشيد الحكومة بعملها بانتظام عندما يتعلّق الأمر بروسيا أو إيران. النقطة الإيجابية الوحيدة في الخطاب، هي أن الرئيس الفرنسي لم يتبنَّ، كما فعل قبل عامين، فكرة أن معاداة الصهيونية هي شكل من أشكال معاداة السامية.
ما أوضحه هذا العشاء هو الانحراف من قِبَل جزء كبير من الطبقة السياسية (الماكرونيون، اليمين الكلاسيكي الذي انفصل تماماً عن "الديغولية"، الحزب الاشتراكي) لصالح إسرائيل. هؤلاء المسؤولون جعلوا من الإسلاموفوبيا حجّة أساسية في خطابهم الذي يستهدف السكّان المهاجرين، أو السكان الذين يأتون في الأصل من الدول الإسلامية، حتى عندما تكون لديهم الجنسية الفرنسية. لقد جعلوا هذا الأمر حجّة مركزية في الحملة الرئاسية (من المقرّر إجراء الانتخابات في نيسان)، على الرغم من أن الأزمة الأوكرانية يمكن أن تغيّر الوضع. هم يعتبرون أنّ إسرائيل حليفٌ استراتيجيٌ في "الحرب على الإرهاب"، وأنّ العلاقات الثنائية بين البلدين تطوّرت إلى مستوى غير مسبوق. تكثَّف مناخ الترهيب الذي يستهدف أيّ نشاط مساندٍ للفلسطينيين، وهو ما تجلّى في حلّ جمعيّتَين مؤيّدتَين للفلسطينيين. غالباً ما يتمّ توصيف هذا الدعم بمعاداة السامية، وقد قام "المجلس التمثيلي للمؤسّسات اليهودية في فرنسا" بتوزيع عريضة بشأن "تقرير معادٍ للسامية" صادر عن "منظمة العفو الدولية". حتّى إن هذا المناخ يلقي بثقله على الحملة الرئاسية، لأحزاب مثل "الشيوعي"، أو "فرنسا الأبية" اللذين يميلان إلى تجنّب الموضوع الفلسطيني.

* رئيس تحرير موقع OrientXXI.info