غزة | الشتاء، الطقس الذي ترونه رومنسياً، يراه آخرون غير ذلك تماماً. الفقراء، غالباً، يكرهون قدوم هذا الفصل الذي يكشف سوءة مساكنهم. في غزة، على وجه الخصوص، حيث بدأ موسم المنخفضات الجوية، يتحايل الفقراء على البرودة بإيقاد النار وستر أسقف مساكنهم بالنايلون وخرق بالية.
تقول دلال عبد المعطي (29 عاماً)، وهي سيدة تقطن بلدة بيت لاهيا شمال غرب القطاع، إن جلّ ما يمكنها فعله لإحلال الدفء في المنزل هو إشعال موقد الحطب: «نطهو عليه من جهة، ونستغلّه في التدفئة من جهة ثانية». السيدة التي لم تكمل تعليمها الجامعي، نظراً إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية، وتعيل أسرة مكوّنة من ستة أفراد، تعاني من البرد لأن سقف مسكنها الصفيحي غير مهيّأ لاستقبال المطر. «زوجي متعطّل من العمل وليس بمقدوره شراء النايلون لتغطية ثقوب السقف، ولذلك نقضي معظم ساعات الليل في وضع أوعية بلاستيكية لاستيعاب ماء الدلف والمزاريب».

ولئن احتوت أسرة عبد العاطي أزمتها بالأوعية البلاستيكية، فإن أسرة سليم عليان، القاطنة غرب محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، قد استسلمت إلى مياه الأمطار التي تسلّلت إلى مسكنها الصفيحي وبلّلت فُرش الأطفال وأغطيتهم. يقول سليم (42 عاماً) لقد قضى أفراد أسرتي السبعة ليلهم واقفين على الأقدام، في انتظار جفاف أرضية المسكن الخرسانية. اضطر للاستنجاد بجيرانه لمساعدته في دفع المياه المتدفّقة من أسفل باب المسكن والتي أغرقت أرجاء المسكن كافة بما في ذلك الدواليب. في صباح اليوم التالي، اضطر سليم إلى حفر قناة يزيد طولها عن عشرة أمتار لطرد المياه بعيداً من مسكنه المنخفض عن مستوى الحي الذي يقطن فيه.

(الأخبار)

تعتمد أسرٌ تعاني الفقر المدقع على وزارة التنمية الاجتماعية في توفير أغطية النايلون. غير أن عدداً كبيراً لم يتسلّم حصّته هذا الموسم، إلى جانب تعثّر صرف شيكات الشؤون الاجتماعية التي تنفقها السلطة الفلسطينية على هذه الأسر كل ثلاثة أشهر.

تعيش مئات الأسر في بيوت غير مهيَّأة، وأخرى من الصفيح والخيام. تزداد هواجس سكّان المناطق التي تضرّرت إبّان الحرب الإسرائيلية الأخيرة (أيار الماضي) من مخاطر انهيارات أرضية، بسبب تسرّب مياه الأمطار والصرف الصحي.

تخشى سهير صلاح (44 عاماً)، من سكان مدينة غزة، في ظل فصل الشتاء، من حدوث انهيار في المبنى الذي تسكن فيه، والذي سبق وتصدّعت جدرانه بفعل تدمير مسكن مجاور. وهي قلقة من استمرار الحال على ما هو عليه في ظل الحاجة الماسة إلى إعادة ترميم مسكنها، وتعبّر عن استيائها من غياب أفق إعادة إعمار ما خلّفته الحرب.

وكانت بلدية غزّة قد أعلنت سابقاً عن هبوط كبير حدث في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، والذي تضرّر من الحرب الأخيرة، في تكرار لحادث مماثل غرب المدينة بالقرب من الميناء. على ضوء ذلك، دعا رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين علي الحايك، المانحين إلى ضرورة توجيه أموالهم بشكل عاجل لإعمار البنى التحتية، لافتاً إلى أن المنخفض الجوي الحالي كشف عن حجم الضرر الكبير الذي تعرّضت له البنى التحتية خلال العدوان الأخير.
وحذّر الحايك، في تصريح صحافي، من تفاقم الأزمة الإنسانية، في ظل وجود آلاف المشرّدين والشقق السكنية التي دُمّرت كلّياً أو جزئياً ولم تُعمّر حتى الآن، إضافة إلى انهيارات أرضية وغرق لشوارع وتقاطعات رئيسية استُهدفت أثناء العدوان الأخير. ونبّه إلى أن تأجيل المانحين لإعمار البنى التحتية، التي تحتاج بمجملها في مناطق القطاع كافة إلى 50 مليون دولار، هو أمر مقلق مع دخول فصل الشتاء، ولا سيما في المناطق المنخفضة والساخنة ذات الكثافة السكانية.