على رغم مرور قرابة عامين على واحدة من أكبر الأزمات الأمنية التي اندلعت بين «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) من جهة، والأجهزة الأمنية التابعة لحركة «حماس» من جهة أخرى، إلّا أن الحدث لا يزال غامضاً. ففي مساء الخامس عشر من كانون الثاني 2019، تخطّت سيارة من نوع «تويوتا لاند كروزر» حاجزاً أمنياً لـ«كتائب القسام» في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، واستطاعت الوصول بعد مطاردة صعبة إلى مقرّ «الأونروا» وسط مدينة غزة، قبل أن يحاصر المئات من عناصر «القسام» المقرّ طوال 24 ساعة، ويطالبوا القوّة الأمنية التابعة للوكالة بتسليم العناصر الثلاثة الذين كانوا يستقلّون السيارة، لإجراء تحقيق معهم. وأكدت المعلومات، التي نشرتها وسائل الإعلام حينها، أن الأشخاص الثلاثة المقصودين كانوا يحملون أسلحة أوتوماتيكية أميركية من طراز «M4»، وكانت سيّارتهم تتجوّل في مناطق أمنية شديدة الحساسية، ما دفع جنود «القسام» إلى إيقافهم للتثبّت من هويّاتهم.الساعات التي فرضت فيها المقاومة طوقاً أمنياً على مقرّ «الأونروا»، كانت حبلى بضغوط مارستها وساطات إقليمية ودولية، تَمثّل أبرزها في تدخّل المفوّض العام للاتحاد الأوروبي، نيكولاي ميلادينوف، فضلاً عن رسالة بعثت بها السفارة الإيطالية إلى وزارة الداخلية في غزة، أخطرتها فيها بأن الأشخاص الثلاثة هم مواطنون إيطاليون كانوا يؤدّون مهمّة رسمية تتعلّق بتأمين المواقع التي من المقرّر أن يزورها السفير الإيطالي بعد أيام في القطاع. انتهى الحدث بتسوية شكلية قضت بدخول فريق أمني تابع للمقاومة، أجرى تحقيقاً مقتضباً وعاين المتعلّقات الشخصية التي كانت بحوزة المستهدَفين، قبل أن يُصار إلى إطلاق سراحهم. لكن الجدل ازداد، مذّاك، حول الحالة الأمنية التي تشكّلها «الأونروا» في غزة، خصوصاً بعد الاستجابة السريعة التي أظهرتها القوّة الأمنية الحامية للسيارة، في ما بدا معه وكأن الجسم الذي يحمي الوفود الأجنبية، هو ذاته الذي يقدّم الخدمات الأمنية لـ«الأونروا».
الوصول إلى داخل مقرّ رئاسة «الأونروا» لا يشعرك بأنك تزور مؤسّسة خدماتية تحمل طابعاً مدنياً


تقول مصادر في المقاومة، لـ«الأخبار»، إن الحادثة التي لم يجرِ التعامل معها وفق الأصول الأمنية، وجاءت بعد أيام من كشف قوة «سيرت متكال» الأمنية الإسرائيلية التي كانت تنفّذ مهمّة أمنية على الحدود الشرقية لمدينة خانيونس، عزّزت تقديراً تمتلكه المقاومة عن الحالة المريبة التي تحيط بعمل الوحدات الأمنية التابعة لـ«الأونروا». غير أن ثمّة جملة من الحسابات الحسّاسة التي تستلزم تعاطياً خاصاً مع الوكالة، وتساهلاً في مفاصل لا تقبل التساهل عادة، خصوصاً أن «الأونروا» تقوم بدور إغاثي لا يمكن الاستغناء عنه، ومن الممكن أن يتمّ استغلال أيّ تضييق قد تتعرّض له وحداتها، في تقليص خدماتها المقدَّمة للاجئين.

في داخل «الأونروا»
الوصول إلى داخل مقرّ رئاسة «الأونروا» لا يشعرك بأنك تزور مؤسّسة خدماتية تحمل طابعاً مدنياً؛ فالمرور إلى داخل المقرّ يسبقه تفتيش إلكتروني تضطرّ معه إلى خلع ما ترتديه من قطع معدنية، وما تحمله من عملات، ثمّ وفق بروتوكول دقيق، تُقدِّم المهمة القادم لأجلها، قبل أن يعطيك موظّف الأمن خارطة طريق إلى داخل المكاتب التي تودّ زيارتها. يمكنك أن ترى، وأنت في داخل المقرّ الممتدّ الشاسع ذي الجدران الشاهقة التي تحيط بها الأسلاك الشائكة والعشرات من كاميرات المراقبة، أن ثمّة كياناً أمنياً مستقلّاً يعيش واقعه الخاص بعيداً عن تعقيدات غزة وحساباتها.
ووفقاً لمصدر أمني تحدّثت إليه «الأخبار» خلال إعداد هذا التقرير، فإن «الأونروا» تمتلك بروتوكولاً أمنياً خاصاً بها، وجهازاً أمنياً يعمل فيه العشرات من الموظفين الذين يحمل بعضهم جنسيات أجنبية، ويحظون بتسهيلات خاصة، إذ لا تخضع سيّاراتهم للتفتيش عند الدخول من معبر بيت حانون شمال قطاع غزة، ولا يقدّمون أيّ معلومات أمنية أو يشاركونها مع الأجهزة الأمنية في القطاع، فضلاً عن أن تواصلهم مع وزارة الداخلية ينحصر في حدوده الدنيا، عبر تسجيل خروج أو دخول، لا أكثر ولا أقلّ. وعلمت «الأخبار»، أخيراً، من مصادر أمنية، أن «الأونروا» استقدمت فريقاً أجنبياً يتبع شركة خاصة من أجل إزالة الركام الذي تسبّب به القصف الإسرائيلي الذي طاول جدران الوكالة الخارجية. وبحسب المعلومات، فإن الفريق يعمل من دون تدخّل أو إشراف من وزارة الأشغال ولا بلديات الحكم المحلّي في القطاع، وقد تسبّب دخوله بجدل أمني على مختلف المستويات، انتهى بالإذعان لرغبة «الأونروا»، خوفاً من أن يتسبّب الحادث بأزمة في العلاقة معها، لا سيما أن الوكالة تقوم بدور رئيس في مهمّة إعادة إعمار غزة.