غزة | تحاول أماني تخفيف حساسيّة الجلد التي ألهبت ظهور أطفالها الثلاثة، بغمرهم في المياه لعدّة ساعات يومياً. من خارج كوخها الصفيحي الواقع ضمن حدود ما يسمى بـ«نهر البارد»، وهي منطقة عشوائية غرب محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، تقوم أماني (30 سنة) بنقل غالونات المياه، لأن المياه لا تصل إلى المساكن. تقول الشابة إنها لا تملك كلفة علاج بثور الحساسية التي انتشرت في أجساد أطفالها، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، والتي حوّلت جدران الصفيح إلى «مقلى».النهر لم يعد بارداً، إذ تصفه أماني التي لم تكمل تعليمها الثانوي، بأنه «نهر جهنم»، لافتة إلى أن المساكن غير مؤهلة إطلاقاً للعيش، بخاصّة أن أكواماً من النفايات تحيط بها، في ما يمثّل مائدة مفتوحة للقوارض والكلاب الضالة. ولم يفعل الطقس إلا أن ضاعف مأساة هذا الحيّ الذي لا تصل الكهرباء إلى الكثير من مساكنه.
وحتى في المناطق الأكثر تحضُّراً، كالمخيمات الموزعة على خمس محافظات في قطاع غزة مثلاً، ليس الوضع أفضل حالاً، إذ يجد السكّان في الخروج إلى الأزقّة، سبيلاً وحيداً للهروب من الرطوبة التي زادت مستوياتها في القطاع الساحلي. يضطجع محمد أبو سالم على جنبه فوق حصير افترشه أمام عتبة مسكنه الواقع في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وهو يرتدي خرقة بيضاء، محاولاً تعريض جسمه لنسمة هواء. تتوافر لدى أبو سالم مروحة كهربائية، لكنها تتوقّف أكثر من 16 ساعة يومياً بسبب انقطاع الكهرباء. الرجل عاطل من العمل ويعيش على المساعدات الغذائية داخل مسكن لا تتجاوز مساحته الـ60 متراً يقطنه ثمانية أفراد. ويقول: «إنه واقع صعب جداً، لكننا مضطرون لاحتماله والتأقلم معه في ظلّ انعدام مصادر الدخل». وارتفعت نسبة البطالة في غزة بشكل فلكي، خصوصاً في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع في أيار الماضي واستمرار الحصار، إذ تشير إحصاءات غرفة التجارة إلى أن نسبة البطالة وصلت إلى 78 في المئة. ويشير أبو سالم إلى أن الزقاق المؤدّي إلى بيته داخل المخيم، أصبح يمثّل المساحة الوحيدة للهروب مع أبنائه الستة وزوجته من حرارة المسكن المسقوف بالأترنيت، قائلاً إنه يفعل ذلك فقط خلال ساعات الليل، حين يرتفع مستوى الرطوبة.
بالاتجاه شمالاً، وبالتحديد إلى غرب بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، يشكّل الشاطئ ملاذ محمد عامر (38 سنة) الوحيد للهروب من الحرّ والعتمة. يصطحب عامر أسرته معه، ويستثمر مكوثه تحت خيمة مقامة على أعمدة خشبية في بيع الذرة والترمس. يقول الرجل الذي يقيم مسكناً مخالفاً فوق أرض حكومية: «لا سبيل لديّ إلّا المجيء إلى هنا، فهي فرصة للهروب من الحرّ والفقر معاً». وليس أمام زوجته إلّا الصبر على هذا الوضع، إذ تقول، وهي تحاول أن تخفي ملامحها بكمامة تالفة: «المسكن لا يتوافر فيه لا ماء ولا كهرباء. والحرّ يلهب أجسادنا. لذا أفضل أن نترافق جميعاً بالمجيء إلى هنا، فعلى الأقلّ المشهد على الشاطئ ينسينا بعضاً من مأساتنا في هذا الصيف الحار». تنادي الأم على طفلتها التي لم تتجاوز ربيعها الثالث، بعدما تعثّرت على الرمل، وتضيف: «هنا حرّ وهناك أيضاً (تقصد المسكن) لكنّنا على الأقلّ نتحرّر قليلاً من سجن العتمة إلى فضاء البحر».