اسبانيا | المكان: تجمع مسلاتا للاجئين مقاطعة فلنسيا ــ إسبانيا. أما الحدث فهو إضراب مفتوح عن الطعام، أعلنه اللاجئون المقيمون في مركز مسلاتا هنا في إسبانيا، وذلك احتجاجاً على سياسة الحكومة الإسبانية في التعامل مع اللاجئين.
بعض من ذكريات ماض قريب أو بعيد. قصاصات صور تجمعها مع أفراد عائلة تشردت، أو تناقص أفرادها تدريجاً. حلم بدأ يبنيه وانهار عند اكتمال الرؤية. هذا جلّ ما قد تجده في جعبة اللاجئ السوري، أو من في حكمه (الفلسطيني)، الهارب من حرب طاحنة لا يعلم متى تنتهي، فضلاً عن أنه لم يكن سبباً في إعلانها. حرب تسد من حوله السبل، فيركب موتاً محتملاً هرباً من موت محتم.
يحطّ رحاله على أول أرض استطاع الوصول إليها، ناجياً بروحه، يعتقد بأن حلماً جديداً سيبدأ بالتشكل هنا، حكاية جديدة، فرصة أخرى، وحجة الحلم بعض قوانين الحماية الخاصة باللاجئين في الدول الأوروبية.
في إسبانيا، يدرك فجأة مدى ضآلة الحلم. يفهم أن حياة مليئة بالعذابات تنتظره، فيحاول النجاة من جديد. لكن قوانين «دبلن» تمنعه من المغادرة، فالحكومة الإسبانية تجبره على البقاء لاجئاً على أرضها أسوة بغيرها من دول اتفاقية «دبلن»، التي تملك برامج احتضان للاجئين الهاربين من الموت، لتوفر لهم حياة كريمة ريثما يستطيع إعادة الوقوف على قدميه بعد الانكسار.
لكن برامج الاحتضان التي تديرها الحكومة الإسبانية تحطم جميع أحلام اللاجئين. فهي غير قادرة على منحهم بداية جديدة أو حتى فرصة حقيقية للمساعدة ريثما يستعيدون قدرتهم على استعادة الحياة من جديد.
المؤسّستان اللتان تعنيان باللاجئين تغفلان توعيتهم
على حقوقهم

في إسبانيا، المسؤول عن متابعة شؤون اللاجئين من ناحية المساعدات ليس المؤسسات الحكومية بل تلك غير الحكومية منها. بالتحديد هناك مؤسستان: «ثيار»، و«الصليب الأحمر الدولي»، إذ تقومان باستضافة اللاجئ لمدة 6 أشهر فقط، بمشروع يسمّونه مشروع احتضان اللاجئين، يقدمون لهم خلالها مساعدات تخص الإقامة والطعام، وبعض المساعدات كتنمية مهارات اللاجئ لمساعدته على دخول سوق العمل.
الأمر قد يكون مرضياً لذلك اللاجئ الذي لا يدرك بعد طبيعة الحياة في إسبانيا. وقد تشكل له بداية حياة جديدة لطالما حلم بها، فببعض من التفاؤل سيعتقد أنه خلال الأشهر الستة سيصبح قادراً على متابعة حياته في هذه البلد، وأنه سيعود للإقلاع في حياة جديدة بعد خساراته الكثيرة؛ إلا أن واقع الحال مختلف تماماً عن هذه الصورة البراقة التي تقدمها تلك المؤسسات للاجئ.
تؤمن المؤسسات مراكز سكنية لا تتساوى ظروفها بين مقاطعة وأخرى، حيث تكون الخدمات في بعضها في أدنى مستوياتها، وفي بعض الشقق السكنية قد يفتقد اللاجئ أموراً أساسية كأجهزة التدفئة، أو أجهزة التبريد، وهي أجهزة بطبيعة الحال غالية الثمن جداً هنا، وقد لا يتمكن من توفيرها ضمن المبلغ الشهري المخصص له، وهو لا يتجاوز 50 يورو (حوالى ٨٠ دولاراً)
للفرد.
وقد يتجاوز اللاجئ هذا الأمر إن لم يكن لديه أطفال، وقد يكتفي آخر المطاف بحلم تعلم اللغة ومن ثم خوض رحلة البحث عن عمل في هذا البلد، لكن الأمر سيكون بمثابة حلم جديد يتكسر على واقع مشوه. فدورات اللغة المقدمة تشبه محو الأمية لا أكثر، إذ إنها غير كافية لامتلاك اللغة، على الرغم من أنه يحق لأصحاب الشهادات الالتحاق بمدارس تعليم اللغة وفق مشروع الاحتضان في إعلان المؤسستين، غير أن أفراد هاتين المؤسستين لا يرشدون اللاجئين الى هذا الحق، ليصبح من لا يعرف بلا مدرسة تعلمه لغة البلاد.
بانتظار بتّ قرار منح الإقامة، الذي قد يستمر حلم الحصول عليها أكثر من عام ونصف، يصبح اللاجئ بعد مضيّ ستة أشهر بلا مأوى، مجرداً من أبسط حقوق الإنسان، وهو ما يخالف اتفاقية «جنيف 1951» الخاصة باللاجئين، وبذلك تتضاءل فرصه في الحصول على عمل لكونه ما زال لاجئاً من دون بطاقة إقامة، وبذلك بعد مضيّ فترة الاحتضان التي تقدمها المؤسسات، يجد اللاجئ نفسه أمام مصير مجهول معتم، غير قادر على العمل، لا يملك سكناً يؤويه مع عائلته، إضافة إلى أنه غير متمكن من لغة البلد، فيكون الطريق ملاذه الأخير، وتصبح جلّ أحلامه أن يعود إلى بلده حتى وإن كانت عودة محفوفة بالمخاطر. عندها، سيفضّل الموت على طرقات بلد ولد وعاش فيه، وبنى أحلامه فيه، حتى لو تضمنت تلك الاحلام بعض الصور المتخيلة عن الحياة في الدول الأوروبية.
ومن أجل كل ذلك، بدأ في 23 من نيسان الماضي 74 لاجئاً في مركز «مسلاتا» اعتصاماً احتجاجياً في المركز، وأعلن 10 منهم الإضراب المفتوح عن الطعام، مطالبين الحكومة الإسبانية بتحمل مسؤولياتها تجاههم كلاجئين، أو عتقهم ليبحثوا عن حياة أفضل في دول تحترم قيمة الإنسان، وتمنحه جزءاً من الحياة يجعله قادراً على بدء حياة أخرى رغم كل الخيبات.




تعرف الاتفاقية المقصود بلفظة «لاجئ»، وتشمل حقوق اللاجئ، كحقوقه من قبيل حرية العقيدة، والتنقل من مكان إلى آخر، والحق في الحصول على التعليم، ووثائق السفر، وإتاحة الفرصة للعمل، كما أنها تشدد على أهمية التزاماته/ التزاماتها تجاه الحكومة المضيفة. وينص أحد الأحكام الرئيسية في هذه الاتفاقية على عدم جواز إعادة اللاجئين ــ والمصطلح القانوني هو حظر الطرد أو الرد ــ إلى بلد يخشى/ أو تخشى فيه من التعرض للاضطهاد. كذلك فإنها تحدد الأشخاص أو مجموعات الأشخاص الذين لا تشملهم هذه الاتفاقية.