لا يجد المزارع المسنّ أبو يوسف ما يتفقده في أرضه التي كانت قبل أيام مزروعة بأشجار الفواكه المثمرة، سبع حفر بعمق يتجاوز العشرة أمتار وقطرٍ يصل إلى عشرين متراً توزّعت في أنحاء بستانه الممتد على مساحة 5 آلاف متر.
بالنسبة إلى الحاج الذي تحكي تجاعيد وجهه عن عمرٍ يتجاوز الستين قضاه بين الأشجار، ليست الأزمة في مئات الأشجار التي طمرتها الرمال، إنما في خشيته من تكرار تجربة جاره أبو محمد اللوح، إذ أن الأخير، نالت صواريخ الطائرات الحربية من أرضه عام 2008، وظل طوال عشرة أعوام يحاول زراعتها دون جدوى.

يقول أبو يوسف: «لا أحد يعرف بماذا يحشو هؤلاء قنابلهم، أرض جارنا قٌصفت قبل 12 عاماً بالطريقة نفسها، وقد حاول عاماً بعد عام زراعتها دون جدوى، المواد السامة التي تدخل التربة تحرمنا من الزراعة لأعوام طويلة، قبل عامين فقط بدأت أرض الجيران تثمر».

وزارة الزراعة في قطاع غزة، قالت إنها لا تمتلك تقديراً زمنياً للمدة التي يمكن أن تعود الأرض فيها صالحة للزراعة، إذ أن هناك أراضيَ قُصفت في عام 2008 ونجحت الزراعة فيها بعد عامين، وأخرى لم تعد قادرة على الإثمار بعد 10 أعوام.

«لا تقديرات دقيقة» يقول إبراهيم القدرة وهو وكيل الوزارة في قطاع غزة. ويكمل حديثه مع «الأخبار»: «في هذه الحرب هناك استهداف واضح للقطاع الزراعي، ليس على صعيد الأراضي التي هي رأس مال الفلاحين فقط، إنما على مستوى البنية التحتية، من شبكات الري ومخازن الأسمدة والآبار الجوفية وحتى المشاتل والمشاريع الريادية لم تسلم».

وبلغة الأرقام، بلغت خسائر القطاع الزراعي خلال 11 يوماً من الحرب 204 ملايين دولار، 126 مليوناً منها هي خسائر القطاع النباتي الذي يوفر 100% من حاجة السوق المحلي، ويساهم في تدعيم اقتصاد القطاع من خلال التصدير إلى الأسواق الخارجية، فيما بلغت خسائر القطاع الحيواني 8 ملايين دولار، وتوزّعت قيمة الأضرار الأخرى على مخازن الأسمدة وشبكات الري والأدوات الزراعية.

وتمتد آثار العدوان إلى ما هو أبعد من الخسائر المباشرة، فقد تسبب منع الاحتلال لتصدير المنتجات الزراعية بخسائر كبيرة لدى المزارعين الذين اضطروا إلى ضخّ منتجاتهم في السوق المحلية، بأسعار أقل من تكلفتها، فضلاً عن ذلك، ساهم التلاعب في السماح بحركة التصدير، في انعدام الثقة بين الزبائن الأجانب ومزارعي القطاع، إذ تسببت حالة عدم الاستقرار بفقدان الشركات التواصل مع الأسواق الخارجية.

غير أن أبرز الأزمات التي يطالب مزارعو شمال غزة على وجه التحديد تداركها، هي عدم مقدرتهم على توصيل المياه إلى حقولهم، بعد تعمّد الاحتلال الإضرار بالبنى التحتية لشبكات الري. وما زاد الطين بلة، تزامن العدوان الإسرائيلي مع فصل الصيف، حيث ترتفع درجة الحرارة على نحو يجبر المزارعين على ري أشجارهم مرتين في اليوم.

(الأناضول)


سنوات في انتظار التعويض
بالنسبة إلى يوسف الزهار، أبو حليمة، فإن الأرقام التي تصدرها وزارة الزراعة عن حجم الخسائر في القطاع الزراعي، ليست ذات قيمة، فالعدوان الأخير كان الرابع الذي استهدفت فيه أراضيه المحاذية للشريط الحدودي أقصى شرق مدينة بيت لاهيا شمال غزة من الغارات، وتعرّضت للتجريف المباشر؛ لكنه لم يحصل على تعويض حقيقي عن أيٍّ من تلك الخسائر.

يقول أبو حليمة لـ«الأخبار»: «بودّي لو أطلعك على أرشيفي الخاص عن خسائري منذ عام 2000 وحتى اليوم، لم أخرج من أي تصعيد أو حرب بدون خسائر، وخلال كل تلك السنوات بقيت في انتظار أي تعويض يعزز من صمودنا، دون جدوى».

يكمل الرجل: «ما نحصل عليه هو مساعدات عينية في هيئة شبكات ري وأسمدة ومستحضرات زراعية وأشتال، في كثير من الأحيان لا نكون بحاجت إليها»، ويختم الرجل حديثه متسائلاً عن جدوى الأرقام والإحصاءات إذا لم يكن هناك تعويض.

يجيب وكيل وزارة الزراعة في حديثه إلى «الأخبار»: «الوزارة جهة حكومية معتدى عليها أيضاً، وليس باستطاعتها تقديم التعويضات، نحن نطرح حجم الخسائر على شركائنا وأصدقائنا الداعمين، وننادي بشكل مستمر بضرورة تعزيز المزارع، لكن بكل أسف، القطاع الزراعي على هامش الاهتمامات، حيث الأولوية دائماً للمنشآت العمرانية ومنازل المواطنين».

ويشرح القدرة: «ما نستطيع تحصيله من مساعدات، يأتي في كثير من الأحيان من منظمات دولية مثل (الفاو) في هيئة أدوات زراعية، نقدمها للمزارعين الأكثر تضرراً. لا نستطيع أن نفرض شكل الدعم وطبيعته، وإن كنا نطالب بأن يُدرج المزارع على جدول اهتمامات الدول المانحة».

(الأناضول)


تحذيرات من كارثة كيماوية
إلى جانب ما سبق، حذّرت وزارة الزراعة الفلسطينية من كارثة بيئية تهدد مناطق شمال القطاع، إذ تسبب استهداف مخازن شركة خضير للأسمدة الكيماوية بتلوث كبير في التربة والبيئة المحيطة، وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية قد أقدمت بعد منتصف يوم 15 أيار الماضي، على قصف أكبر مستودع للأسمدة الكيماوية والأدوية الزراعية في القطاع.

يقول سهيل خضير إن النيران بقيت مشتعلة في مخازن الأسمدة لثلاثة أيام، إذ ظلت النيران تشتعل على نحو متصاعد عقب كل محاولة إطفاء، ما تسبب بتشكّل سحابة سوداء كبيرة من الغازات السامة غطّت منطقة بيت لاهيا لأيام.

وتُقدر وزارة الزراعة بأن يكون استهداف مخازن خضير قد تسبب بتسرب كميات كبيرة من المواد الكيماوية ليس إلى المحيط البيئي فقط، إنما إلى المياه الجوفية، وبحسب أدهم البسيوني وهو المتحدث باسم وزارة الزراعة، فإن الرواسب المركزة من الأدوية والمبيدات التي لا تزال على الأرض خطيرة جداً، وهي مواد عالية السمية تُستخدم بعد تخفيفها بالماء بدرجات كبيرة.