غابت فلسطين عن اهتمامات الرئيس الأميركي، جو بايدن، طوال فترة حملته الانتخابية، وهو ما جعل قضية الصراع، في ذاتها، تحتلّ موقعاً متأخّراً على جدول أولويّاته في المنطقة، سعياً منه، أوّلاً، إلى صقل «الإنجازات» التي حقّقتها الإدارة السابقة في هذا المضمار، والبناء عليها؛ وثانياً، إلى تجنُّب تغيير الوضع القائم ببركة الحلف «المقدّس» الذي يَجمع الولايات المتحدة بإسرائيل، والذي لن يتبدّل، والحال هذه، بتعاقُب الإدارات في البيت الأبيض. هاتان النقطتان تبدّتا في تصريحات رموز الإدارة الأميركية، الذين شدّدوا، في غير مناسبة، على تأييد بايدن اتفاقات التطبيع مع الاحتلال، التي رعاها سلفه دونالد ترامب، كما في إعلان الرئيس نفسه التمسُّك باعتبار القدس عاصمة للكيان العبري، وغيرها من «الثوابت» التي باتت تشكِّل معاً رؤية الإدارة الحالية.في ضوء ما تقدَّم، تصبح الخطوات «التصحيحية» مِن مِثل استئناف المساعدات الأميركية للفلسطينيين، مجرّدة من أيّ سياق يترك انطباعاً بأن الإدارة الجديدة عازمة على إحداث تغيير في مقاربتها، وهو ما تجلّى خصوصاً في ردّها على أحداث التصعيد الأخيرة في القدس المحتلّة وقطاع غزّة، والذي اقتصر، طبعاً، على إدانة الهجمات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية، وعدّها «تصعيداً غير مقبول». كذلك، تبدّى غياب الاهتمام في قرار إدارة بايدن عدم تعيين مبعوث خاص لـ»عملية السلام الإسرائيلية ــــ الفلسطينية»، على غرار الإدارات السابقة، ما يعني، على الأغلب، إناطة القضية بعمل وزارة الخارجية، أي منح دور متقدِّم لـ»الدبلوماسية»، وتحديداً لنائب مساعد وزير الخارجية لشؤون إسرائيل وفلسطين، هادي عمرو (لبناني فلسطيني)، في هذا الملفّ. ويُعدُّ عمرو، بحسب موقع «أكسيوس» الأميركي، «أحد اللاعبين الرئيسيين في صياغة السياسات الأميركية الجديدة تجاه الصراع الفلسطيني ــــ الإسرائيلي، وسيكون له أيضاً دور رئيسيّ في تنفيذها، كونه «يحظى باحترام كبير من قِبَل المسؤولين الفلسطينيين الذين يرون فيه شخصيّة متوازنة في السياسة الأميركية».
دعا السيناتور الجمهوري، تيد كروز، إلى الوقوف «جنباً إلى جنب شعب إسرائيل وحكومته»


وفي انتظار موقف يوضح التوجّهات المستقبلية للإدارة الأميركية في هذا الخصوص، بدأ نقاش محموم في الكونغرس الأميركي بين قلّة قليلة من «تَقدُّميّي» الحزب الديموقراطي وزملائهم المحافظين وعتاة الحزب الجمهوري من الذين سيفعلون كلّ في مستطاعهم للدفاع عن إسرائيل و»حقّها في الدفاع عن نفسها»، على ما يقول السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس، تيد كروز، الذي دعا إلى الوقوف «جنباً إلى جنب شعب إسرائيل وحكومته... سأعمل مع زملائي لضمان حصولهم على الدعم الذي يحتاجون إليه وهم يدافعون عن سيادتهم ويردّون على هذه الهجمات». يقابل هذا الطرح، حديثٌ عن غضب متصاعد في أوساط بعض الديموقراطيين إزاء تصرّفات إسرائيل في المنطقة، وخصوصاً بعد التصعيد الأخير في كلٍّ من القدس وغزة. فالمرجّح، بحسب موقع «ذا هيل» الأميركي، أن يكون التقدّميون الصاعدون أكثر ميلاً إلى عقد مقارنات بين محنة الشعب الفلسطيني والظلم الذي مورس على السود الأميركيين، أو مقارنة مواقف إسرائيل وسلوكها بما عرفته حقبة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. على أن هناك ثلاث شخصيات فقط من الذين دانوا ما جرى في المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جرّاح في القدس وفي غزة، وهم كلّ من السيناتور بيرني ساندرز، والنائبتين الديموقراطيتين في مجلس الشيوخ إليزابيث وارين، وألكساندريا أوكاسيو كورتيز. وبحسب الموقع، فإن انتقاد إسرائيل بسبب تجاوزاتها في غزّة والقدس المحتلّة قد يزداد حدّة مع مرور الوقت، مع استبعاد أن يكون لذلك تأثير على سياسة إدارة بايدن التي تفاعلت مع الأزمة الحالية من خلال تصريحات بيّنت أنها لا تعتزم تبنّي مقاربة مختلفة عن تلك السائدة. فقد رأى وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، تعليقاً على ما جرى في الأراضي الفلسطينية، أن «جميع الأطراف بحاجة إلى خفض التصعيد وتقليل التوتّر واتخاذ خطوات عملية لتهدئة الأمور»، فيما تحدّث مستشار الأمن القومي، جايك سوليفان، مع نظيره الإسرائيلي، مائير بن شبات، و»كرّر مخاوف الولايات المتحدة الجادّة» في شأن عمليات الإخلاء المحتملة، لكنه عبّر، في الوقت ذاته، «عن التزام الإدارة الأميركية أمنَ إسرائيل». في هذا الوقت، نشطت جهود اللوبي اليهودي الأقوى في الولايات المتحدة، «إيباك»، والسفارة الإسرائيلية في واشنطن لتوجيه الخطاب الأميركي بما يصبّ في مصلحة تل أبيب، ومحاولة إسكات أيّ أصوات معارضة لوجهة النظر الإسرائيلية القائمة على مبدأ «الدفاع الشرعي عن النفس» في مواجهة «الأعمال الإرهابية التي تقوم بها منظّمة حماس المدعومة من طهران».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا