رام الله | لم يكن إعلان السلطة الفلسطينية إعادة العلاقات مع العدو الإسرائيلي مجّاناً. إذ مقابل أموال الضرائب (المقاصة) التي ستتسلّمها رام الله قبل نهاية الشهر الجاري وعودة الدعم الأميركي، شرعت السلطة في تغييرات جوهرية تمسّ بمكانة الأسرى في سجون الاحتلال. فبعد قطعها رواتب المئات منهم في قطاع غزة والضفة المحتلة خلال العام الماضي، ها هي الآن ترضخ وتريد تغيير التعامل معهم مالياً. وبدلاً من تقديم الرواتب إليهم كواجب وطني، حوّلت قضيتهم إلى مساعدات اجتماعية وإغاثية! وهذا هو المخرج الذي توصّلت إليه خلال المباحثات مع الوسطاء الأوروبيين حتى لا يَقتطع العدوّ ما يعادل رواتبهم من «المقاصة».تكشف مصادر فلسطينية أن السلطة بدأت فعلياً التمهيد لتعديلات من شأنها تغيير طبيعة التعامل مع عائلات الأسرى الذين يُقدّر عددهم بسبعة آلاف أسير، إذ بدلاً من تلقي واحدهم راتباً تُقدّر قيمته وفقاً لنوع العملية الفدائية التي نَفّذها والأحكام التي يقضيها (تُمنح رتب عسكرية أحياناً)، سيكون التعامل معهم وفق الوضع الاجتماعي وعدد أفراد الأسرة التي يُعيلها الأسير. ومن دون الإعلان عبر وسائل الإعلام، شرعت «هيئة الأسرى والمحرّرين» (وزارة سابقاً) في إعداد استمارات للأسرى وعائلاتهم في خطوة أولى لتطبيق التصنيف الجديد للرواتب. وعلى رغم نفي رئيس الهيئة، اللواء قدري أبو بكر، ذلك، تؤكد مصادر في حركة «فتح» بدء الخطوات التمهيدية المذكورة قريباً، كشرط لوصول «المقاصة» كاملة وعودة الدعم الأميركي.
تسعى السلطة حالياً إلى تمرير التعديلات الجديدة بهدوء


وفي أيار/ مايو الماضي، شكّل رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، لجنة برئاسة محافظ «سلطة النقد» تضمّ رئيس «شؤون الأسرى» وجمعية البنوك وممثلاً عن وزارة المالية، لدراسة التهديدات الإسرائيلية ضدّ البنوك التي لديها حسابات لذوي الأسرى والشهداء. لكن بعض التوصيات التي قدّمتها اللجنة لاستمرار وصول الأموال إلى الأسرى هي تغيير تصنيفهم وعائلاتهم وتحويل الدعم على أنه اجتماعي إغاثي وليس على أساس مقاومة الاحتلال. وشُكّلت هذه اللجنة بعد سَنّ الكنيست تشريعاً في شباط/ فبراير 2019 يقضي بمصادرة حصيلة المبلغ الذي يُدفع لرعاية أسر الأسرى والشهداء، تبعه أمر عسكري بعد عام أصدره ما يسمى «الحاكم العسكري للضفة»، يقضي بملاحقة كلّ من يتعاون في إيصال هذه المبالغ، بما في ذلك البنوك الفلسطينية، مع تهديد المخالفين بالسجن سبع سنوات.
في المقابل، حاولت السلطة المناورة أمام الضغوط الأميركية، بعدما سبق أن ألغت وزارة الأسرى والمحرَّرين وحوّلتها إلى هيئة تابعة لـ«منظمة التحرير»، فضلاً عن أنها كانت تنوي تحويل الهيئة إلى جمعية تتبع وزارة الداخلية أو الشؤون الاجتماعية (راجع عدد السبت: 31 تشرين الأول). وكعادة «فتح» في تبرير التنازلات، تسعى السلطة حالياً، تحت مظلّة الأزمة المالية، إلى تمرير التعديلات الجديدة، من دون إحداث ردّ فعل كبير من الشارع الذي أنهكته الأزمة، تحت عنوان أن المال في النهاية سيصل إلى العائلات والأسرى.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا