«القتال أو الموت، المقاومة الدموية أو الإبادة، هذا هو السؤال الآن».جورج ساند: «جان زيسكا: حلقة من حرب الهوسيين». (2)
«في بداية الأمر، اعتقدنا أنه سيكون من الممكن لنا أن نقاوم باستخدام أساليب وتجارب البلدان الأخرى. جَرَّبْنا الإضرابات، وجَرَّبْنا التظاهرات، لكنّنا أدركنا لاحقاً أن كل ذلك لن ينفع».
أميلكار كابرال. (3)
هل تعرفون كيف ولماذا، استُعْبِدَ أولاً، ثم أبيد كلّياً لاحقاً شعب الأرواك؟ أهمية هذا السؤال تنبع من كون النموذج الاستعماري الاستيطاني الذي تطوّر في تلك المنطقة، هو أقرب للصهيونية الاستعمارية من نموذج جنوب أفريقيا.
الجواب المباشر والواضح نسمعه (أو نقرأه) من كريستوفر كولومبوس، المسؤول عن هذه الإبادة البشعة، فاتحة عصر الإبادات والعبودية والنهب والخراب التي قامت على أساسها الهيمنة الغربية، وَتَشَكَّلَ على أساسها العالم الحديث. ففي وصفه لسكان جزر الباهاما الأصليين، كتب كولومبوس في تقرير أرسله إلى مدريد: «إنهم لا يحملون السلاح، ولا حتى يعرفونه، فلقد أريتهم مرة سيفاً، فأخذوه من الحافة وجرحوا أنفسهم به لجهلهم (بالسلاح). ليس عندهم حديد، ورماحهم مصنوعة من القصب. لهذا، يمكن أن يكونوا خدماً جيّدين... ومع خمسين رجلاً فقط، يمكننا إخضاعهم جميعاً، وجعلهم يفعلون ما نريد».(4)
كان شعب الأرواك، الذي قَطَنَ ما يُعرف اليوم بجزر الباهاما، شعباً مُدهشاً في كرمه وأخلاقه وحسن ضيافته، كما كان مدهشاً بمشاعيته ومدى إيمانه بالتشارك في كلّ شيء، كما روى هوارد زين نقلاً عن شهود عيان أوروبيين. فلقد كانوا يعيشون في قرى مشاعية (كومونات)، كما ذكر برتولومي دي لا كاساس، صاحب «تاريخ مختصر لدمار الأنديز»، الذي قام بنسخ يوميات كولومبوس، وكانوا يفتقرون لأيّ معرفة بعادات التجارة سواء في البيع أو الشراء (بالمعنى الأوروبي الرأسمالي الحديث). وفوق كلّ ذلك، لم يضعوا، أو يعطوا، أي قيمة خاصّة للذهب، أو لأيٍّ من المعادن «الثمينة» الأخرى التي غزاهم، ولاحقاً استعبدهم ثم أبادهم، من أجلها مستعمِرو أوروبا البيض، بل اعتمدوا في عيشهم واستمرارهم حصرياً على بيئتهم الطبيعية المباشرة. ولكن، وبرغم فقرهم وقلّة ما كان لديهم، كانوا كرماء للغاية حين يتعلّق الأمر بأيّ وكلّ شيء يمتلكونه، كما يذكر دي لا كاسس، ولهذا كانوا يتوقّعون من أصدقائهم في المقابل الدرجة ذاتها من الكرم والاستعداد للمشاركة.
لكنّ أكثر التوصيفات تفصيلاً لطبيعة ومواصفات شعب الأرواك، هي المقاربة المقارنة بينهم وبين الغزاة الإسبان التي جاءت في تصدير برتولومي دي لا كاساس لـ«تاريخ مختصر لدمار الأنديز». فـ«من بين كل البشر في هذا العالم»، يقول دي لا كاساس، كان «هؤلاء الناس (أي الأرواك) هم الأقل ارتكاباً للذنوب على الإطلاق، الأكثر خلوّاً من الشر والجشع والنفاق، والأكثر طاعةً وإخلاصاً لأسيادهم الأصليين في قراهم، ولاحقاً للمسيحيين الإسبان الذين عملوا على خدمتهم. كانوا بطبيعتهم الأكثر تواضعاً وصبراً وسلاماً، لا يحملون أيّ ضغائن على الإطلاق، كما كانوا بعيدين عن الصراعات وإثارة المشاكل والمشاكسة. في الحقيقة، إنّ صفات وأفكار كالحقد، أو الكراهية، أو الرغبة في الانتقام، كانت غريبة عليهم تماماً»(5) (الترجمة بتصرف).

«الشهيد عز الدين القسّام»، لوحة للفنان السوري الراحل برهان كركوتلي (1980)

في مقابل كلّ ذلك، يخبرنا دي لا كاساس في النصّ ذاته الذي كتبه بعد أربعين عاماً من وصول كولومبوس، أنه حين «جاء بعض الإسبان إلى بلاد هؤلاء المنبوذين الضعفاء، تصرّفوا على الفور مثل الوحوش الكاسرة أو الذئاب أو النمور أو الأسود التي كانت تتضوّر جوعاً لأيام. ولأربعين عاماً (منذ الغزو) وحتى الوقت الحالي (حين كتب النص)، لم يختلف تصرف الإسبان مطلقاً، بل ما زالوا يتصرّفون مثل الوحوش الجائعة، ويمارسون القتل والترهيب والتعذيب والتدمير بحق الشعوب الأصلية، وفوق كلّ ذلك، قاموا بفعل كلّ جرائمهم بأساليب غريبة وجديدة ومتنوّعة وغاية في القسوة، لم يسبق لها مثيل، وحتى لم يسمع بها أحد من قبل، إلى درجة أن جزيرة هيسبانيولا (هايتي وجمهورية الدومينكان الحالية) التي بلغ عدد سكانها ذات يوم أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، أصبح الآن (حين كُتب النص بعد أربعين عاماً) بالكاد مئتي ألف» (دي لا كاساس، ص: ٢٩. الترجمة بتصرف).
أما كولومبوس، الذي تُخصّص الولايات المتحدة أحد أيام السنة للاحتفاء والاحتفال به، كما يتّضح من تقريره الذي أرسله إلى مدريد في أعقاب وصوله إلى هناك، فلقد رأى مشاعية شعب الأرواك وأخلاقهم وكرمهم وتواضعهم وصبرهم وطبيعتهم المسالمة، بعيون أوروبية استعمارية جشعة تقليدية: «إنهم سذّج للغاية» قال، و«متحرّرون تماماً في ما يخصّ ممتلكاتهم، بحيث أنّ من لم يشهد ذلك بأمّ عينه ما كان ليصدّق ذلك على الإطلاق. فلو طلبت منهم أيّ شيء، لن يقولوا لك لا مطلقاً. على العكس، هم سيعرضون مشاركة كل ما يمتلكون مع أيّ أحد».(6) وبذلك، ولذلك أيضاً، يقرّر هوارد زين، مؤرّخ «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة»، أنّ شعب الأرواك كان، بالتالي، على نقيض كامل في مواصفاته مع الأوروبيين. فأوروبا عصر النهضة «كان يسيطر عليها (حينها) دين الباباوات وحكومات الملوك، وسعار المال الذي ميّز الحضارة الغربية ورسولها الأوّل للأميركتين، كريستوفر كولومبوس».

الإبادة
أمّا المجزرة فلقد بدأت منذ اللحظة الأولى لوصول كولومبوس. فحين قام بعض سكان الجزيرة من الأرواك بالسباحة باتجاه السفن الإسبانية الثلاث (نينا، بينتا، وسانتا ماريا) للترحيب بكولومبوس ومن معه، وحتى أحضروا لهم الطعام والهدايا، كان أوّل ما لفت نظره (أي كولومبوس) أقراط الذهب التي لبسها بعضهم. فأخذهم أسرى على الفور، وبدأ باستجوابهم عن مكان الذهب (وهو ما فعله أيضاً حين أبحر إلى كوبا وجزيرة هيسبانيولا (هايتي والدومينكان حالياً) لاحقاً. فحين رحّب السكان الأصليون هناك أيضاً به وبعصابته، لفت نظره مباشرة إهداءهم له قناعاً مصنوعاً من الذهب، فقام بأسرهم لاستجوابهم عن مكان الذهب. هكذا، جنح خيال كولومبوس بعيداً ليتخيّل حقولاً ومناجم من الذهب في تلك البلاد ـــ كان كولومبوس قد أقنع ملك وملكة إسبانيا، وبعض الأغنياء الإسبان، بتمويل حملته عبر المبالغة بوجود المعدن الأصفر الثمين، وكان عليه الوفاء بهذا الالتزام بسرعة.
لهذا، بنى كولومبوس في هايتي أول قاعدة عسكرية أوروبية في القسم الغربي من العالم، وسمّاها «نافيداد» أو «عيد الميلاد». ومن هذه القاعدة، بدأ الأوروبيون إدارة حملة البحث عن الذهب وتجميعه لإرساله إلى أوروبا، بعدما تمّ تعزيز الحملة بسبع عشرة سفينة جديدة وأكثر من ١٢٠٠ عنصر آخر، انضموا إلى الحملة بناء على وعود كولومبوس بمناجم من الذهب. لكن المعضلة الرئيسية كانت عدم وجود الذهب أصلاً، سوى القليل من الغبار المتجمّع في الجداول (فكولومبوس كان يظنّ أنه في شرق آسيا لأنّه كان يتخيّل عالماً أصغر بكثير من العالم الحقيقي). لكن، وبسبب التزامات كولومبوس المالية لمموّلي حملته، كان على هؤلاء «المنبوذين» الأرواك أن يأتوا بالذهب بأيّ طريقة. لهذا، قاموا بالطلب من كلّ شخص فوق الأربعة عشر عاماً بتجميع كمية معيّنة من الذهب خلال ثلاثة أشهر، ومن نجح وهم أقليّة نجا لثلاثة أشهر أخرى عبر وضع علامة نحاسية على رقبته، ومن فشل، وهم الغالبية، قاموا بقطع يديه وتركوه ينزف حتى الموت. وللتعويض عن غياب الذهب، قام كولومبوس بملء سفنه بالآلاف من سكان هذه الجزر وإرسالهم إلى أوروبا، وفيما مات الآلاف منهم في الطريق، تمّ بيع من نجا كعبيد في أسواق أوروبا (انظر الجزء الأوّل من هذا النص).

وهم «مكافحة التمرّد»
كريم بلقاسم، هو «أكثر العسكريين العرب عبقرية لقرون خلت»، كتب إقبال أحمد في تعليقه على الدور المركزي الذي لعبه أحد أهم أبطال الثورة الجزائرية (طبعاً، يمكن أن نضيف إلى تلك العبارة الآن، وبعد تجربة حزب الله في لبنان، الشهيدين عماد مغنية ومصطفى بدر الدين أيضاً).(7) فهذه العقلية الثورية الفذّة (عسكرياً وأمنياً وسياسياً) كانت، إلى حدّ بعيد، ليس فقط وراء تحرير الجزائر في أقلّ من سبع سنوات (بعد الحسم لصالح خيار حرب الشعب في تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٥٤)، بل وحتى في خلفية سقوط الجمهورية الفرنسية الرابعة.(8) ولم تكن عبقرية بلقاسم (القائد العسكري للولاية الثالثة، والأهم ربما، في حرب التحرير) في كونه من القادة العسكريين الثوريين القلائل في التاريخ الحديث، الذين اعتمدوا في انطلاقة مقاومتهم، وحتى استمرارها لزمن طويل، على السلاح الذي غنمه الثوار من العدو، بل وكان أيضاً من القلائل الذين أدركوا بعمق علم الاجتماع النفسي لحرب الشعب. فالدرس الأول الذي تُعلّمنا إيّاه الثورة الجزائرية، التي كان بلقاسم أحد أهم قادتها، أنّ هذا العدو وهميّ وأنّ قوته وهمية. فحرب الشعب ليست كفيلة فقط بأن تجعل الشعب المستعمَر يُدرك مدى وهن العدو في مواجهة من هذا الطراز من الحروب، بل وتُفقده مصداقيته وتحطّم صورته أيضاً، بمجرّد أن تسيل نقطة الدم الأولى. وسيلان هذا الدم هو الذي يمكن له، وله فقط، أن يغسل الخوف والخنوع والقبول بالذل من عقول وقلوب المستعمَرين ويجعل منهم بشراً جدداً، بعدما مسخهم وَهْم صورة المستعمِر كليّ القدرة لعبيد. فالمستعمَر، بذاته وذاتيته وبوعيه بنفسه، وبالمستعمِر، وبالعالم، هو نتاج للحالة الاستعمارية، وينبغي لإعادة خلقه وتشكيل روحه على شكل إنسان جديد، بذاتية جديدة ووعي جديد بالذات وبالعالم وبالآخر، محوه كلياً في سياق كفاحي عنيفٍ ودامٍ من مقاومة الاستعمار (لن نَملَّ أبداً، أو يوماً، من تكرار فلسفة العظيم فرانز فانون، أو وديع حداد وعماد مغنية، فهي لنا نحن المؤمنين بخيار حرب الشعب عقيدة حياة وعقيدة انتصار).
لكن، لم يتعلّم الفرنسيون من تجربتهم في فيتنام، كما أثبت أداؤهم لاحقاً في الجزائر، كما لم يتعلّم الأميركيون من تجربة الفرنسيين في فيتنام قبلهم. فحين قلّدت أميركا فرنسا في فيتنام، خسرت الحرب أيضاً (كان السفير الأميركي، فرانك ويزنر، يعمل كمندوب لوزارة الخارجية الأميركية في الجزائر في نهاية الحرب مع فرنسا، وقبلها في سفارة بلاده في فيتنام، وشاهد الأداء الفرنسي الفاشل عن قرب في الحالتين. لكنّه حين انتقل إلى فيتنام لاحقاً، شارك في استخدام الأسلوب الفرنسي الفاشل نفسه في الجزائر، ظنّاً منه (ومنهم) أنّ زجّ المزيد من القوات واستخدام المزيد من العنف المفرط، سيقود حتماً إلى الانتصار). فالرؤية الاستعمارية لا ترى المقاومة، إلّا كقضية تقنية حصراً (كقضية تآمر وتخريب)، يكون حلّها والتعامل معها، بالتالي، بمزيد من العمل الاستخباري ومزيد من القمع والعنف.
ربما لهذا السبب سيُدهش من يقرأ ما يتوفّر من أدبيات وتقارير عن حرب الشعب، أو ما يسمونه استراتيجية «مكافحة التمرّد»، المألوفة الآن والتي تملأ رفوف البنتاغون، وسيدرك، أيضاً، دقّة تشبيه الصحافي آيسدور ستون لما ينتج من دراسات عنها: «سيشعر (القارئ لهذه الأدبيات) أن هؤلاء الكُتّاب يشبهون الرجال الذين يشاهدون شخصاً يرقص من الخارج، من خلال نوافذ زجاجية ثقيلة. فهم يستطيعون رؤية الحركة، لكنّهم لا يستطيعون سماع الموسيقى. إنهم يستطيعون نقل الحركات والإيماءات الميكانيكية التي يرونها أمامهم إلى الورق بدقة كبيرة. لكنّهم نادراً ما يرون المشاعر الوطنية المجروحة، البؤس، الضيق الشديد، الكراهية، التفاني، الإلهام، واليأس. لذا، فهم لا يفهمون حقيقةً ما الذي يدفع أيّاً من الرجال للتخلّي عن الزوجة، الأطفال، المنزل، الحياة المهنية، والأصدقاء ويذهب إلى الأدغال ويحمل البندقية ويعيش مثل حيوان مطارَد، برغم الصعوبات والتحديات العسكرية الهائلة التي يواجهها، بدل الاكتفاء في الاستمرار في التذمّر من الذل والظلم والفقر».(9)
والقلّة القليلة التي أدركت خطورة حرب الشعب، وحتى استحالة الانتصار عليها عسكرياً، لأنّها ربما أدركت روحها وجوهرها الحقيقي البعيد كلّ البعد عن التقنية، إمّا لم تكن في موقع القرار، أو اضطرّت للسكوت لأسباب سياسية. ففي أعقاب الهجوم الفيتنامي الناجح على «معسكر هولواي» الأميركي في ٧ شباط/ فبراير ١٩٦٥ (جاء كردّ على ردّ أميركي على حادث سابق هاجم فيه الفيتناميون سفينة أميركية في ما يعرف بـ«حادثة خليج تونكين» في ٢ آب/ أغسطس ١٩٦٤)، استنتج نائب الرئيس الأميركي، حينها، هوبرت همفري، أنه لا يوجد حلّ عسكري لـ«المشكلة الفيتنامية»، أو أنّه على الأقل غير ممكن خلال سنوات قليلة (خلال حكم جونسون)، وطالب رئيسه بالتريّث في الرد. لكن ردّ جونسون قام بمعاقبة همفري وإبعاده عن حلقة القرار، حتى تراجع عن موقفه.(10) لكن يبدو أنّ موقف همفري كان أكثر عمقاً ممّا يمكن لرئيسه حينها حتى أن يفهمه، فلقد تحدّث عن حرب الشعب (أو حرب العصابات، كما يفضّلون تسميتها) «كشكل عدواني جديد وجريء يمكن أن نُصَنِّفْ (أهمية ظهوره) بأهمية اكتشاف مسحوق البارود، والتحدّي الكبير الذي يشكّله لأمننا»(11).
ولم يكن همفري الوحيد الذي أدرك سذاجة وبساطة النظرة الرسمية (العسكرية والسياسية) إلى حرب الشعب. في «التدمير الذاتي»، جادل سيسيل كيوري، صاحب ثلاثية مهمة عن فيتنام، أنّ الأميركيين خسروا بشكل فادح في محاولاتهم للإبقاء على جمهورية جنوب فيتنام كدولة مستقلة وغير شيوعية، بسبب المَزاج والتصرفات داخل الجيش الأميركي. فلقد فشلوا في فهم ومعرفة عدوّهم، وبالتالي لم يستطيعوا تكييف تكتيكاتهم للعدو المحدّد الذي كانوا يواجهونه. فالسياسة العسكرية الأميركية، بحسب كيوري، كانت سطحية بشكل مخجل وخاطئة جداً. إذ اعتمدت بقوة على التكنولوجيا وعلى الإسراف في استخدام القوة النارية الهائلة، وكأنّها تقاتل وحدات عدوة من حلف وارسو في سهول أوروبا الوسطى.(12)
هذا لا يعني، طبعاً، أنّ سياسة مكافحة التمرّد، التي اتّبعتها الولايات المتحدة منذ قرن، لإخضاع شعوب الجنوب تحديداً (بأسماء مختلفة)، وتستخدمها المستعمرة الصهيونية حتى قبل اغتصاب فلسطين، لم تنتج الكثير من المآسي والخراب والقتل والدمار. على العكس، فهذه السياسة تهدف أساساً، وتتضمّن أصلاً، وبشكل منهجي، إيقاع الأذى البالغ والخراب والقتل، لكسر روح أعدائها وإخضاعهم. ولهذا السبب بالضبط، تشكل حرب الشعب الترياق الوحيد الممكن والفعّال.

سوسيولوجيا حرب الشعب في فلسطين: كيف نفهم المقاومة والخيانة؟
في خطابه في مؤتمر هافانا الشهير إلى قادة حركات التحرّر عام ١٩٦٦، أجمل أميلكار كابرال التجربة الثورية في مجتمعات الجنوب، واختصرها كما يلي: «معضلة البرجوازية الصغيرة في سياق النضال من أجل التحرّر الوطني هي إما خيانة الثورة أو الانتحار الطبقي». رؤية كابرال، الفيلسوف الثوري والقائد العسكري الميداني في الوقت ذاته(13)، تشكّل أساس وجوهر أيّ محاولة جدية للتأسيس النظري لحرب الشعب، وحتى لفهمها وفهم المواقف المتعدّدة والمختلفة منها وعليها. فرؤية كابرال تعمل، وبوضوح، على تفسير وفرز المواقف من حرب الشعب، والمقاومة عموماً، بإضاءتها وتشديدها على الظرف الطبقي (انتحار البرجوازية أو خيانتها)، وعلى أهمية فهم الخلفية الاجتماعية والمصلحة الطبقية، حتى في الموقف من حرب الشعب (مع أو ضدّ)، وليس فقط حول المشاركة فيها. الجدل حول حرب الشعب خصوصاً، وحول العنف الثوري عموماً، إذن، ليس حول مدى فعالية، أو إمكانية نجاح حرب الشعب، أو حتى قدرتها على تحقيق الانتصار. فهذه قضية حسمتها التجربة العملية، منذ أكثر من قرن (في إيرلندا مثلاً)، وحتى أصبحت بمثابة علم منذ التجربة الصينية (مع ماو تسي تونغ)(14) والكورية (مع كيم إيل سونغ)(15)، والفيتنامية (مع هوشي منه)(16)، والجزائر وكوبا، ومؤخراً في المساهمة العربية الفذّة للسيد حسن نصر الله.(17) ليست الفكرة هنا، إذاً، أنّ من يجادل أنّ الشعوب المستعمرة لم ولا تتحرّر، ولم ولا تحصل على استقلالها فعلاً بحرب الشعب، أو أنّ من يرفض حقيقة أنّ الشعوب المستعمَرة حين تتسلّح تنتصر، هو مجرّد شخص «عبيط» أو غبي أو حتى جاهل بالتاريخ فقط. القضية في الجوهر، كما يشير كابرال، هي في الظرف الطبقي الذي يشكّل السياق العام للحروب، ويؤسّس للفرز بين القوى الاجتماعية، ويقرّر حتى الموقف من المقاومة وحرب الشعب ـــ والطبقة هي حالة موضوعية، ويمكن حتّى قياسها وبدقة عالية، وأحد المؤشرات أو المقاييس الجذرية عليها في حالتنا هو الموقف من حرب الشعب.
وفي فلسطين، ليس السؤال الجدي حقاً هو إن كان خيار النخبة الفلسطينية الخيانة أو الانتحار الطبقي. فبعد كلّ ما نعرفه عن سياسات ومواقف وممارسات النخبة (المعلنة وغير المعلنة)، ومصالحها الطبقية المكشوفة، لا يمكن الجدل أنّ خيار النخبة الفلسطينية كان فعلاً خيار الخيانة. ومرة أخرى، ليست القضية هنا خلافاً حول تبعات أو مدى فعالية هذا الخيار، وكأننا في مؤتمر متخصّص في مناقشة قضايا فلسفية. القضية باختصار أنّ حرب الشعب، وتسليح الناس لا يشكل خطراً على الاستعمار، والإمبريالية أيضاً فقط، بل وعلى الشرائح الاجتماعية المرتبطة بها مصلحياً. فتسليح الناس، يُخلّ بقوة بموازين القوى المحلية، كما يخلّ بموازين القوى الدولية.
لهذا السبب بالضبط، يستمرّ الجدل حول سلاح المقاومة في لبنان، مثلاً. فانتصارات أيار ٢٠٠٠، وتموز ٢٠٠٦، والاستمرار في ردع العدو هي رموز حقيقية وعملية وراهنة للفعالية الهائلة لهذه التجربة لا تحتمل الجدل. لكنّ خطر انتصارَي أيار وتموز الحقيقي، كما يراه الكيان الصهيوني والإمبريالية الغربية، إضافة إلى بعض الشرائح اللبنانية والعربية، هو في إمكانية تعميم هذا النموذج ـــ بعض من يحاول التذاكي علينا بعدم التصريح برفضه القاطع لهذه النماذج العملية، وحتى يعلن تأييده للمقاومة حتى عام ٢٠٠٠ أو حتى ٢٠٠٦، وربما يحتفل معنا في ذكرى الانتصار أيضاً، لكنّه لا يتوقف عن التشكيك بأيّ وظيفة للمقاومة بعد عام ٢٠٠٦، هو في الحقيقة في خندق الخونة نفسه.
وبرغم التفوّق الأخلاقي للمقاومة ولحرب الشعب، بما تتضمنّه من معاداة للإرث والمصلحة الإمبريالية، وبمعاداتها للديناميكية الرئيسية لرأس المال، فإنّ ثمن الخيانة في فلسطين وجودي بامتياز وأبعد من فلسطين. ففيما يواجه شعب فلسطين نموذجاً استعمارياً استيطانياً من نوع خاص مؤسّس على الإبادة، وليس التمييز العرقي، كما قد يظنّ البعض، تواجه الأمة العربية (بناء على تجربة السنوات القليلة الماضية على الأقل) حرب وجود بالمعنى الحرفي للكلمة. فمن فلسطين إلى سوريا والعراق واليمن وليبيا والبحرين وحتى لبنان، يتمّ تفريغ أوطاننا سكانياً بالقتل والدمار والخراب والتشريد، لما يحقّقه ذلك من أرباح هائلة كأحد آليات تراكم رأس المال. لهذا، فإنّ المطلوب، الآن وأكثر من أي وقت مضى، هو العمل الجاد على تعميم نموذج وحالة حرب الشعب.

الصهيونية العسكرية: لماذا حرب الشعب فقط؟
في الرؤية الصهيونية للدولة وفلسفة تأسيس الجيش، كما جاءت في سلسلة خطابات لبن غوريون (أهمّها كلمة في الكنيست في ١٨ آب/ أغسطس ١٩٥٢)، لم يكن الجيش الصهيوني المأمول، مثل كلّ الجيوش الأخرى، مجرّد قوة مسلّحة للدفاع عن وطن أو عن دولة، بل كان أحد الأدوات الأساسية، إن لم يكن الأداة الأهم، لتكوين وتشكيل أمة غير موجودة، وكأداة لصهر «الإثنيات» اليهودية المختلفة والمستوطنين القادمين من كلّ أصقاع الأرض بلغات وثقافات وعادات مختلفة ومتناقضة أحياناً، وتجاوز الاختلافات والتناقضات العميقة بينها وعبرها. ففي سنوات قليلة عقب النكبة، تضاعف عدد المستوطنين القادمين من شتّى بقاع الأرض إلى فلسطين، وواجه بن غوريون وعصابته سؤال الأمة التي عليهم تشكيلها.
وسؤال الأمة كان مؤرقاً جداً لهم منذ البداية، ما جعل أهداف كل المشاريع الأولى والأساسية (بما فيها تشكيل الجيش) تتمحور حول دورها (أي المشاريع) في بناء الأمة أساساً، وليس في البعد أو الهدف الظاهر أو المُعلن (أي ليس العسكري الدفاعي أو الهجومي فقط في حالة الجيش). مثلاً، كان في خلفية تأسيس ما سُمي بـ«شبكة المياه القطرية»، التي تربط جميع مستوطني الكيان بشبكة مائية واحدة إدراك مهم ودقيق مفاده أن مصادر المياه المحلية المعزولة وغير المتواصلة (كالآبار)، كما كان حال المستوطنات قبل النكبة، ساهمت في إنتاج وعي استيطاني انعزالي جهوي لا يصلح لأمة، أو أنتجت وعياً قبل دولتي مشوّه، لا وعيَ مواطني دولة وأعضاء أمة. لهذا، كانت شبكة المياه القطرية ثاني المشاريع «القومية» القليلة جداً التي تشاركت بها، لأهميتها القصوى، كلٌّ من المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي، رغم اختلاف نشاطات هذه المؤسسات وعدم تقاطعها في مشاريع مشتركة، إلا نادراً جداً (وكان المشروع، لاحقاً، في خلفية حرب ١٩٦٧).
في ذلك الخطاب أعلاه، بدا بن غوريون مدركاً تماماً أنّ عصابات المستوطنين لا تشكّل أمة حقاً، ويبدو أنه أدرك كذلك، باستحضاره مثل إنكلترا، أنّ تشكُّل الأمم هي عملية تاريخية طويلة جداً ومعقّدة، تتشابك وتتداخل فيها الكثير من المتغيّرات وقد تتطلّب مئات السنين (هذا إن تجاهلنا حتى طبيعة المشروع الاستيطاني الصهيوني). لكن، «نحن»، يقول بن غوريون، «لا نستطيع الانتظار مئات السنين، وبدون أداة الجيش لا يمكننا أن نصبح أمة. لهذا، علينا أن نعمل على قيادة التقدّم التاريخي وتسريعه وتوجيهه، وهذا يتطلّب إطاراً من الانضباط الوطني». طبعاً، يمكن القول بكل ثقة، إنّ من يفهم التاريخ الإنساني والاجتماعي بهذه الطريقة، ويعمل ويخطّط بمنطق «الهندسة الاجتماعية» الـ«بنغوريونية» هذه، سينتهي حتماً حيث انتهت النازية (وطريقة التفكير هذه ليست العامل المشترك الوحيد بين الصهيونية والنازية).
لهذا، واستتباعاً لرؤيته تلك، دَرَسَ بن غوريون نماذج جيش اليعاقبة في فرنسا (كل مواطن جندي وكل جندي مواطن) وجيش نابليون من بعدهم، تجربة الجيش البروسي (ثلاث سنوات من التجنيد تتبعها سنتان من الاحتياط ثم عضوية في الجيش الشعبي/ الفيدرالي لإسناد الجيش)، والجيش الياباني في فترة إصلاحات الإمبراطور ميجي في عام ١٨٨٦ (عامان من التجنيد تتبعها خمس سنوات وأربعة شهور من الاحتياط الأول، ثم عشر سنوات من الاحتياط الثاني). نسي بن غوريون أنّ الكيان الصهيوني ليس فرنسا أو ألمانيا أو اليابان. فبإمكان كلّ هذه الأمم وغيرها أن تخطّط، وأن تخطئ في التقدير والتخطيط والتنفيذ، لكنّ الفشل لن تكون له تبعات وجودية كما هي بالضرورة عند الكيان، كما أدرك بن غوريون ذاته. ففرنسا وألمانيا واليابان، لا تزال موجودة رغم الفشل والهزائم القاسية التي واجهتها في تاريخها الحديث على الأقل. أمّا الكيان الصهيوني فهو شاذ عن هذه القاعدة، كما هو شاذ تقريباً في كل شيء ـــ فأن تَهزِم جيشهم يعني أن تُزيل كيانهم.
برغم التفوّق الأخلاقي للمقاومة ولحرب الشعب بما تتضمنّه من معاداة للإرث والمصلحة الإمبريالية، فإنّ ثمن الخيانة في فلسطين وجوديّ بامتياز


ليست الفكرة هنا، فقط، أن «الصهيونية العسكرية» تؤكد لنا جانباً نعرفه جيداً عن هذا العدو، وعن طبيعته وبنيته العميقة ووظيفته المؤسسة على العدوان والقتل والدمار نيابة عن الإمبريالية الغربية وبشراكة معها، وبالتالي لا يمكن له أن يتغيّر أو يتحوّل ـــ ساذج، إذن، من يحلم بأن يصحو يوماً ليجد هذا الكيان الاستيطاني قد قرّر التخلّي عن عدّة وعقيدة القتل والخراب والحروب، وقرّر التحوّل إلى العمل في التجارة والصناعة والسياحة. هذه الرؤية تتجاهل طبيعة الكيان الصهيوني، وتتجاهل أنه ليس في بنيته أو سبب وجوده أو وظيفته، أي إمكانية أن يتحوّل «للشغل» في التجارة أو السياحة، أو شيء آخر غير القتل والخراب والحرب. لهذا، لا حلّ معه إلّا بحرب الشعب.
لكنّ الفكرة الأساسية من مختصر «الصهيونية العسكرية» أعلاه، حيث وظيفة ودور الجيش عندهم أكثر بكثير من كونه مجرّد جيش تقليدي، بقدر ما يشكل الرحم الذي سيستولد «الأمة» والبوتقة التي ستصهرها، فإنّ دليل عمل إزالة هذا الكيان لأيّ مقاوم، يجب أن يتمثل أولاً وقبل أي شيء بالعمل الدائم على كسر عموده الفقري، عبر سحق هذا الجيش وقهره. وأهمية وعبقرية ومثالية خيار حرب الشعب في حالة فلسطين هي هنا بالذات: فحرب الشعب ليس بإمكانها فقط أن تَهزم الجيش الصهيوني، بل يمكنها أيضاً إزالة الكيان ذاته من الوجود.

خاتمة: الذين لديهم الحديد لديهم الخبز
لا نعرف العدد الدقيق لشعب الأرواك حين غزاهم الأوروبيون، في عام ١٤٩٢. ففي حين يضع دي لا كاسس، الذي عايش الإبادة، العدد قريب من ثلاثة ملايين، يجادل العديد من المؤرّخين، كما يشير هوارد زين، أنّ العدد كان بين ٢٥٠ ـــ ٣٠٠ ألف إنسان. لكن ما هو معروف بدقة من السجلات، أنه في عام ١٥١٥، أي بعد الغزو بسبعة عشر عاماً، كان هناك خمسون ألفاً فقط نجوا حتى ذلك الوقت من الهمجية الأوروبية. وفي عام ١٥٥٠، أي بعد ستة وخمسين عاماً لم يبقَ منهم سوى ٥٠٠ إنسان فقط على قيد الحياة. أما في عام ١٦٥٠، فيشير أحد التقارير الذي يقتبسه الكثير من المؤرّخين، أنه لم يبقَ حينها من شعب الأرواك الأصلي أو من نسله أي أحد. أبادوهم جميعاً.
لكن في هذه الإبادة عبرة، ربما على أهل فلسطين أن يتعلّموها أكثر من غيرهم، كونهم الشعب الأخير الذي يواجه البربرية الاستعمارية الاستيطانية: لم تكن مأساة شعب الأرواك أن إبادتهم تمت قبل تأسيس اليونسكو (وبالتالي، لم يكن بإمكانهم طلب تدخلها لإنقاذهم، كما طالب مسؤول فلسطيني اليونسكو بالتدخل لمنع الكيان الصهيوني من ضمّ باقي أراضي الضفة الغربية، في لحظة استحمار متميزة من المتحدثين باسم عصابة أوسلو)، ولم تكن مأساتهم في غياب «المجتمع الدولي» ليمنع المجزرة (كما يطالب صائب عريقات ذلك الكائن الخرافي، المجتمع الدولي، ليلاً ونهاراً بالتدخل). كانت مأساتهم الحقيقية هي التي رآها كولومبوس وفهمها جيداً وتصرف على أساسها وانتهت إلى إبادتهم جميعاً: «أنهم لا يحملون السلاح، ولا حتى يعرفونه. ليس عندهم حديد، ورماحهم مصنوعة من القصب». ربما كان شعب الأرواك سيتعلم كثيراً من قائد كومونة باريس، «أوغست بلانكي»، الذي فهم عالم الهيمنة الرأسمالية الغربية جيداً، وربما على شعب فلسطين، خصوصاً، أن يستمع إليه جيداً: «الذين لديهم الحديد، لديهم الخبز».

برغم التفوّق الأخلاقي للمقاومة ولحرب الشعب بما تتضمنّه من معاداة للإرث والمصلحة الإمبريالية، فإنّ ثمن الخيانة في فلسطين وجوديّ بامتياز

(1) الجزء الأوّل من هذا النص منشور في «الأخبار»، الأربعاء 10 تشرين الأوّل/ أكتوير 2018

(2) George Sand. (1843) 2008. “Jean Ziska: Épisode de La Guerre Des Hussites”. Moscow: Dodo Press. P. 3

(3) Quoted in David A. Andelman, “Profile: Amilcar Cabral”, in Africa Report (New York), May 1970, p. 19.

(4) Howard Zinn. 1994. “A People’s History of the United States”. NY: Longman.

(5) Bartolome de Las Casas. 1992. “A Short Account of the Destruction of the Indies”. NY: Penguin Books. Pp. 9-10

(6) إضافة لكونه قائد حملة الإبادة، كانت شخصية كولومبوس تتميز بالوضاعة أيضا. يذكر هوارد زين انه كان من المفروض ان يحصل أول من يرى اليابسة من البحارة على راتب سنوي مقداره عشرة آلاف مارافيد مدى الحياة، وكان أول من رأى الشمس تتلألأ على الرمال البيضاء بحار يدعى رودريغو، لكن كولومبوس ادعى لاحقا انه رأى اليابسة قبها بليلة وسرق المكافأة التي كان من المفروض ان يحصل عليها ذلك البحار.
(انظر هوارد زين. التاريخ الشعبي للولايات المتحدة. ص: ٢)

(7) Eqbal Ahmad. 2006. “The Selected Writings of Eqbal Ahmad”. NY: Columbia University Press. P. 96

(8) في الثالث والعشرين من حزيران ١٩٥٤ التقى في منزل المناضل الجزائري إلياس دريش في منطقة المدنية في الجزائر العاصمة اثنان وعشرون مناضلا جزائريا لمناقشة الازمة التي كانت تعصف بالحركة الوطنية الجزائرية والانقسام الكارثي بين جناحي حزب «حركة الحريات الديمقراطية»، بين مركزيين ومصاليين (اتباع مصالي الحاج). وبسبب الازمة المستفحلة التي واجهت مناضلي الجزائر في تلك الفترة، خصوصا مع إصرار القيادة (مصالي الحاج) على الخيار السياسي في مواجهة الاستعمار الفرنسي. وجاء في البيان الأول للجبهة: «وهكذا فإن حركتنا الوطنية قد وجدت نفسها محطمة، نتيجة لسنوات طويلة من الجمود والروتين، توجيهها سيئ، محرومة من سند الرأي العام الضروري، قد تجاوزتها الأحداث، الأمر الذي جعل الاستعمار يطير فرحا ظنا منه أنه قد أحرز أضخم انتصاراته في كفاحه ضد الطليعة الجزائرية. ان المرحلة خطيرة. أمام هذه الوضعية التي يخشى ان يصبح علاجها مستحيلا، رأت مجموعة من الشباب المسؤولين المناضلين الواعين التي جمعت حولها أغلب العناصر التي لا تزال سليمة ومصممة، ان الوقت قد حان لإخراج الحركة الوطنية من المأزق الذي أوقعها فيه صراع الأشخاص والتأثيرات لدفعها الى المعركة الحقيقية الثورية».

(9) I. F. Stone. 1968. “In Time of Torment”. NY: Vintage. Pp. 173-174.

(10) Townsend Hoopes. “The Limits of Intervention: An inside account of how the Johnson policy of escalation in Vietnam was reversed”. NY: W. W. Norton. P. 31

(11) “The Selected Writings of Eqbal Ahmad”. P. 13

(12) Cecil Currey. 1981. "Self-Destruction: The Disintegration and Decay of the United States Army During the Vietnam Era". NY: Norton.

(13) Reiland Rabaka. 2014. “Concepts Of Cabralism: Amilcar Cabral and Africana Critical Theory.” London: Lexington Books.

(14) Mao Tse-tung. “Selected Military Writings of Mao Tse-tung.”

(15) Kim Il Sung. 2012. “History of Revolutionary Activities of President Kim IL Sung”. Pyongyang: Foreign Languages Publishing House.

(16) Ho Chi Minh. “Ho Chi Minh on Revolution: Selected Writings 1920-1966.” NY: Signet Books.

(17) Nicholas Noe (Ed). 2007. “Voice of Hezbollah: The Statements of Sayyed Hassan Nasrallah.” NY: Verso