صحيح أن الرّد الإسرائيلي على مبادرة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في قطاع غزة يحيى السنوار قد تأخّر لأيام قبل أن يظهر، مع ذلك، لنتخيل ما الذي قد يحدثه النبأ إذا ما وجد طريقه إلى الزنزانة؟ حيث يُكوّم الاحتلال الأسرى الفلسطينيين في سجونه كأسماك محشورة في علبة، ولا سيما أنه منذ أكثر من شهر، يعيش هؤلاء الأسرى حالة مضاعفة من القلق على مصيريهم، خاصة أن أكثر من ألف من بين ستة آلاف منهم يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة. وقد استعدوا لوصول الكائن المجهري، «كورونا»، إلى تلك الغرف المكتظة، الفاقدة لأدنى معايير الوقاية الطبية. وفجأة... يظهر في التلفاز أمامهم خبر عاجل يفيد بأن «رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يدعو إلى حوار فوري عبر وسطاء لاستعادة القتلى والمفقودين في غزة (من خلال عملية تبادل)»، مع المقاومة. بالنسبة إلى الأسرى، سرعان ما سيتحوّل الفيروس، الذي يربط أيدي صنّاع القرارات في حكومات الدول منذ أشهر ويقعد البشرية في حجرها المنزلي، إلى فرصة قد تقصّر طريقهم إلى الحرّية من الأسر! إذ يبدو أن الدعوة التي أطلقها السنوار، قبل أيام، عبر فضائية «الأقصى»، بشأن مبادرة لتحريك ملف الأسرى، وإفراج الاحتلال عن المرضى منهم، مقابل تقديم تنازل جزئي (لم يوضحه السنوار)، قد فعلت فعلها في الجانب المقابل.
فأمس، دعا نتنياهو إلى «حوار فوري» عبر وسطاء لاستعادة «القتلى والمفقودين، وإغلاق هذا الملف». وأضاف نتنياهو في بيان مقتضب أن «منسّق شؤون الأسرى والمفقودين، يارون بلوم، وطاقمه، وبالتعاون مع هيئة الأمن القومي والمؤسّسة الأمنية، مستعدّون للعمل بشكل بنّاء من أجل استعادة القتلى والمفقودين وإغلاق هذا الملف، ويدعون إلى بدء حوار فوري من خلال الوسطاء».
ورغم أن ملف المفاوضات بين إسرائيل والمقاومة في غزة بشأن تبادل الأسرى عالق منذ سنوات، بسبب تعنّت الاحتلال، وبسبب الأزمة السياسية التي تمنع منذ سنة تأليف حكومة في إسرائيل، ورغم الغموض الذي يلف هذا الملف بسبب حساسيّته (حيث لم تظهر «حماس» أي إشارة واضحة إلى مصير الإسرائيليين الأربعة المعتقلين لديها)، يبدو أن الأزمة الصحّية التي استجدت بتفشّي فيروس «كورونا» في صفوف الإسرائيليين، وفي غزة أيضاً، قد فرضت عودة هذا الملف إلى أجندة البحث.
دعوة نتنياهو جرت مناقشتها في إسرائيل خلال الأيام الماضية


وبالعودة إلى دعوة السنوار، فقد قال الأخير بوضوح إن «هناك إمكانية أن تكون مبادرة لتحريك الملف (تبادل الأسرى) بأن يقوم الاحتلال الإسرائيلي بعمل طابع إنساني أكثر منه عملية تبادل، بحيث يطلق سراح المعتقلين الفلسطينيين المرضى والنساء وكبار السن من سجونه، وممكن أن نقدّم له مقابلاً جزئياً (من دون توضيح طبيعة هذا المقابل)». لكنه استدرك، موضحاً أن «المقابل الكبير لصفقة تبادل الأسرى هو ثمن كبير يجب أن يدفعه الاحتلال... قيادة كتائب القسام (الجناح العسكري للحركة) ترقب احتمال وصول فيروس كورونا للسجون الإسرائيلية بقلق كبير».
على هذه الخلفيّة، يمكن قراءة دعوة نتنياهو المقتضبة على أنها: أولاً، ردّ على دعوة السنوار، وثانياً خضوع للتهديد الأخير الذي أطلقه السنوار نفسه أيضاً ردّاً على وزير الأمن الإسرائيلي نفتالي بينت، إذ ربط الأخير بين تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة والتقدّم في ملف الاسرى. وعليه، هدّد السنوار بشكل واضح قائلاً: «إذا وجدنا أنّ مصابي كورونا في قطاع غزة ليس بمقدورهم التنفّس، فإننا سنقطع النفس عن ستة ملايين صهيوني، وسنأخذ ما نريده منكم خاوة (بالقوة)». وأوضح أنه «في الوقت الذي نكون فيه مضطرين إلى أجهزة تنفس لمرضانا أو طعام لشعبنا، فإننا مستعدون أن نرغمك على ذلك، وستجد أننا قادرون».
في الشكل، تأخر الرّد الإسرائيلي على «عرض» السنوار، لكنه على ما يبدو كان متأخراً فقط في ظهوره إلى العلن، إذ إن دعوة نتنياهو التي أطلقها أمس جرت مناقشتها، بحسب صحيفة «معاريف»، داخل الأروقة السياسية والأمنية في إسرائيل خلال الأيام الماضية.