القاهرة | لم يكن ترحيب مصر بـ«صفقة القرن» فور إعلانها، ودعوتها إلى إخضاعها للنقاش، مستغرباً، إذ إن القاهرة تتطلّع على ما يبدو إلى الاستثمارات المقترحة في الصفقة، والتي يمكن أن تنعش الاقتصاد المصري، فضلاً عن أن الخطة الأميركية تحاشت ما يمكن أن يولّد مشكلات داخلية لحليفتها، من قبيل تبادل للأراضي يشمل سيناء، وشدّدت على سيادة مصر على المعابر. وسبق للقاهرة أن رفضت، خلال المناقشات مع المسؤولين الأميركيين، مقترحات تبادل مساحات من الأراضي، وهو ما تمّت مراعاته، لتضحى الصفقة بالنسبة إلى المصريين «فرصة ذهبية للاستثمارات»، وإنهاء حالة التوتر في شبه جزيرة سيناء، وتحديداً منطقة الشمال التي تشهد مواجهات مستمرة منذ سبع سنوات.أيضاً، في مسألة اللاجئين، لم يظهر أن مصر تمانع منح الجنسية للاجئين الفلسطينيين من حَمَلة وثيقتها، لكن شريطة حصولها على الأموال اللازمة لذلك. وقد مهّد البرلمان لهذا الأمر، قبيل إعلان الصفقة، بإقراره إمكانية منح الجنسية لآلاف الفلسطينيين الموجودين في البلد منذ سنوات - كغيرهم - مقابل ودائع في البنوك أو استثمارات معينة. وإلى جانب الأموال، لا شك في أن المراجعات الأمنية تلعب دورها، خاصة في بعض الحالات غير المرغوب في منحها الجنسية لأسباب سياسية. وتشير الإحصاءات غير الرسمية إلى حصول عدد كبير من الفلسطينيين على الجنسية، سواء بعد زواجهم بمصريات لخمس سنوات، أو بفعل ولادتهم من أمّهات مصرية.
لا تخفي مصر رغبتها في أن تكون المصدر الرئيسي للكهرباء لـ«الدولة» الفلسطينية المفترضة


هكذا، تتعامل مصر مع «صفقة القرن» بطريقة تعاملها مع اتفاقية «كامب ديفيد»: أرباح مقبلة يمكن العمل على تعزيزها في ظلّ نجاح مصر في فرض شروطها على عرّابي الخطة بما يجنّبها أيّ حرج سياسي، ومفاوضات طويلة قد تعدّل «المسار المنحاز» في كثير من التفاصيل. ويرتبط الشقّ الاقتصادي، والذي هو الأهمّ بالنسبة إلى القاهرة، بأمرين: الأول دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومساندتها، والثاني آليات تسهيل حركة البضائع والأشخاص على الشريط الحدودي، والثالث مشروع توفير الكهرباء لقطاع غزة تحديداً وفلسطين عامة، خاصة في ظلّ الفائض الكبير في الإنتاج من محطات الكهرباء المصرية التي تمّ التوسع فيها من دون دراسات كافية للاحتياجات خلال السنوات الماضية. ولذلك، لا تخفي مصر رغبتها في أن تكون المصدر الرئيسي للكهرباء لـ«الدولة» الفلسطينية المفترضة، إلى جانب العمل على زيادة حركة التجارة عبر المعابر، وهو ما من شأنه أن يسهم في إنعاش التجارة المصرية التي تضرّرت بعد إغلاق الأنفاق عقب إطاحة نظام «الإخوان المسلمين» في 2013، علماً بأن حركة التبادل - بحسب ما تدعو إليه الصفقة - لا تقتصر على البضائع فقط، بل تشمل ما تحتاج إليه «الدولة» المقترحة كاملاً.
كذلك، تقترح الصفقة فائدة لمصر من فكرة إعادة إحياء مطار العريش وفتحه أمام حركة السفر للمدنيين، إذ ستتركّز الصناعات التي سيُعمل عليها في منطقة بئر العبد، على بعد نحو 80 كلم من معبر رفح الذي صار جاهزاً بالكامل لإعادة التشغيل، بعدما تمّت إزالة جميع منازل المنطقة المحيطة به بعمق أكثر من 1.5 كلم خلال السنوات الست الماضية. كما تدعو الخطة إلى فتح الأسواق الأميركية أمام البضائع المصرية من دون ضرائب، مع تخفيض نسبة المكوّن الإسرائيلي في اتفاقات مثل «كويز».