على رغم تكاثر الفرص أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وفي مقدّمها إعلان «صفقة القرن» الأميركية، إلا أن الاستفادة الكاملة منها على المستوى الشخصي تبدو متعذّرة بالنسبة إليه، وإن كان ظاهر الأمور يوحي بخلاف ذلك. مردّ هذا أن تداخل المصالح في إسرائيل بين الشخصي والعام يضغط على جدول أعمال نتنياهو الذي يصارع من أجل بقائه السياسي. وهو تداخلٌ بات أكثر حدّة مع اقتراب موعد انتخابات «الكنيست» بعد أقلّ من شهر من الآن. يضاف إلى ما تقدّم خسارة نتنياهو معركة الحصانة القضائية، وبدء مسار محاكمته في قضايا فساد ورشى. على جبهة «صفقة القرن»، وجد نتنياهو نفسه بين مطلبين متباينين: أوّلهما التوجّه سريعاً لتلقّف الصفقة واقتطاع ما يصبّ منها في المصلحة الإسرائيلية ويلبّي مطالب الناخب اليميني، وذلك عبر ضمّ سريع لكلّ المستوطنات وغور الأردن وجزء آخر من المنطقة المصنفة «ج» في الضفة المحتلة، وهو ما ووجه برفض أميركي ألزم إسرائيل تأجيل الضمّ إلى ما بعد الانتخابات، على اعتبار أن واشنطن معنيّة الآن بإيجاد فسحة لتبريد الأجواء، وتمكين الحكام العرب من تجاوز الضغوط التي دفعتهم إلى رفض الصفقة في العلن. ولئن كان نتنياهو مطمئناً إلى أن ردّ فعل رام الله يبقى «إنشائياً» ما دام لا يقترن بوقف «التنسيق الأمني»، لكن إعلان الصفقة نفسه وردّ الفعل الفلسطيني عليه، بمعزل عن مستواه، من شأنه توليد الأجواء الملائمة لعمليات ضدّ الاحتلال، غير مرتبطة بتوجيهات عليا، تؤدي إلى إحراج نتنياهو وإسرائيل التي ستكون مجبرة آنذاك على قصر ردودها على الحدّ الأدنى، على خلفية مصلحتها الآنية في تهدئة الوضع الأمني في الضفة، ومنع تولّد عوامل إضافية تؤدي إلى تصعيد وربما انتفاضة باتت أكثر احتمالاً الآن. وهذا التموضع شبه الانكفائي يغضب الناخبين، ويتسبّب في اتهام نتنياهو بالتقصير.
يتعذّر على نتنياهو الاستفادة الشخصية الكاملة من الفرص التي تكاثرت أمامه


في جانب آخر، تضغط احتمالات الانزلاق إلى تصعيد فمواجهة على جبهة قطاع غزة على نتنياهو، وخاصة بعدما استأنفت الفصائل ضغطها لتخفيف ما أمكن من الحصار الإسرائيلي والمصري، عبر استغلال ظرف تراه أكثر من مؤاتٍ لها، وإن بأدوات ميدانية لا يبدو أنها تهدف أو بإمكانها فعلياً التسبّب بمواجهة واسعة. وواحدة من هذه الأدوات هي البالونات المفخخة التي يبدو أنها تترك تأثيرها في الجانب الآخر، وتتسبّب في إحراج المستويين السياسي والأمني في تل أبيب. وعليه، فإن الوضع الميداني الضاغط جنوباً من شأنه التأثير سلباً في وضع نتنياهو الانتخابي قبل أسابيع من الانتخابات، وخاصة أن مواجهتها، من ناحية المؤسسة الأمنية، بمزيد من الإجراءات وردود الفعل العقابية للجانب الفلسطيني ستجرّ ردوداً مقابلة، ويمكن أن تستجلب مواجهة كبرى يُتوقع أن تنتهي كسابقاتها بلا تغييرات فعلية في المعادلات.
أما في الضغوط الواردة من الجبهة الشمالية، والتي باتت ممتدّة من لبنان وسوريا إلى العراق وإيران، فهي الآن أكثر حضوراً من غيرها على طاولة القرار الإسرائيلي ربطاً بخطورتها، الأمر الذي يتيح لنتنياهو هامش مناورة محدوداً إزاءها، في حال أراد تجييرها لمصلحته الشخصية. إذ إن مستوى التهديد، ومقدار الإيذاء المتوقّع لإسرائيل في حال نشوب مواجهة شمالاً، هما من الصنف الذي يمنع المخاطرة على خلفيات شخصية. والقرار هنا مؤسّساتي في جوهره، ويتأثر بتوجّهات المؤسسة الأمنية وتقديراتها، مع تأثير هائل لعوامل خارجية ترتبط بالطرف الآخر أولاً، وكذلك بالحليف الأميركي الذي بات معنيّاً أكثر بتداعيات أيّ فعل عدائي إسرائيلي في الإقليم. أيضاً، لا تختلف عما سبق تأثيرات حملة العلاقات العامة التي يقودها نتنياهو في الخارج، ومن بينها الكشف عن لقاءات مع زعماء عرب وأفارقة، وسلسلة تقارير تكاثرت في الأيام الماضية عن تنمية علاقات إسرائيل مع الخليج. إذ بحسب استطلاعات الرأي، فإن تلك الحملة لن تُغيّر كثيراً في أمزجة الناخبين، وعليه ستبقى نتيجة الانتخابات الثالثة قريبة جداً من نتائج العمليتين الانتخابيتين السابقتين.
بطبيعة الحال، لا يتعلّق الحديث المتقدّم بمصلحة إسرائيل في «صفقة القرن» وغيرها، بل بمدى استفادة نتنياهو شخصياً من التطورات الأخيرة وتفاعلاتها، وهي مسألة تشكّل موضع أخذ وردّ بين المتابعين. وما يجدر التنبيه إليه هنا هو أن وجود مصلحة شخصية لنتنياهو أو غيره من المسؤولين في قضية ما لا يعني أنه بات بالإمكان توقع سيناريوات ربطاً بتلك القضية واستبعاد أخرى، وخصوصاً لدى وجود تقديرات بمستوى إيذاء مرتفع لإسرائيل.