يتعذّر على نتنياهو الاستفادة الشخصية الكاملة من الفرص التي تكاثرت أمامه
في جانب آخر، تضغط احتمالات الانزلاق إلى تصعيد فمواجهة على جبهة قطاع غزة على نتنياهو، وخاصة بعدما استأنفت الفصائل ضغطها لتخفيف ما أمكن من الحصار الإسرائيلي والمصري، عبر استغلال ظرف تراه أكثر من مؤاتٍ لها، وإن بأدوات ميدانية لا يبدو أنها تهدف أو بإمكانها فعلياً التسبّب بمواجهة واسعة. وواحدة من هذه الأدوات هي البالونات المفخخة التي يبدو أنها تترك تأثيرها في الجانب الآخر، وتتسبّب في إحراج المستويين السياسي والأمني في تل أبيب. وعليه، فإن الوضع الميداني الضاغط جنوباً من شأنه التأثير سلباً في وضع نتنياهو الانتخابي قبل أسابيع من الانتخابات، وخاصة أن مواجهتها، من ناحية المؤسسة الأمنية، بمزيد من الإجراءات وردود الفعل العقابية للجانب الفلسطيني ستجرّ ردوداً مقابلة، ويمكن أن تستجلب مواجهة كبرى يُتوقع أن تنتهي كسابقاتها بلا تغييرات فعلية في المعادلات.
أما في الضغوط الواردة من الجبهة الشمالية، والتي باتت ممتدّة من لبنان وسوريا إلى العراق وإيران، فهي الآن أكثر حضوراً من غيرها على طاولة القرار الإسرائيلي ربطاً بخطورتها، الأمر الذي يتيح لنتنياهو هامش مناورة محدوداً إزاءها، في حال أراد تجييرها لمصلحته الشخصية. إذ إن مستوى التهديد، ومقدار الإيذاء المتوقّع لإسرائيل في حال نشوب مواجهة شمالاً، هما من الصنف الذي يمنع المخاطرة على خلفيات شخصية. والقرار هنا مؤسّساتي في جوهره، ويتأثر بتوجّهات المؤسسة الأمنية وتقديراتها، مع تأثير هائل لعوامل خارجية ترتبط بالطرف الآخر أولاً، وكذلك بالحليف الأميركي الذي بات معنيّاً أكثر بتداعيات أيّ فعل عدائي إسرائيلي في الإقليم. أيضاً، لا تختلف عما سبق تأثيرات حملة العلاقات العامة التي يقودها نتنياهو في الخارج، ومن بينها الكشف عن لقاءات مع زعماء عرب وأفارقة، وسلسلة تقارير تكاثرت في الأيام الماضية عن تنمية علاقات إسرائيل مع الخليج. إذ بحسب استطلاعات الرأي، فإن تلك الحملة لن تُغيّر كثيراً في أمزجة الناخبين، وعليه ستبقى نتيجة الانتخابات الثالثة قريبة جداً من نتائج العمليتين الانتخابيتين السابقتين.
بطبيعة الحال، لا يتعلّق الحديث المتقدّم بمصلحة إسرائيل في «صفقة القرن» وغيرها، بل بمدى استفادة نتنياهو شخصياً من التطورات الأخيرة وتفاعلاتها، وهي مسألة تشكّل موضع أخذ وردّ بين المتابعين. وما يجدر التنبيه إليه هنا هو أن وجود مصلحة شخصية لنتنياهو أو غيره من المسؤولين في قضية ما لا يعني أنه بات بالإمكان توقع سيناريوات ربطاً بتلك القضية واستبعاد أخرى، وخصوصاً لدى وجود تقديرات بمستوى إيذاء مرتفع لإسرائيل.