قبيل ربع الساعة الأخير على إعلان «صفقة القرن»، يبرز بحذر القلق الأردني القديم ــــ الجديد والحساسية المفرطة تجاه القضية الفلسطينية، لكن من شقها الداخلي المتعلق بالمملكة. مخاوف دوائر الحكم محصورة تقريباً في ثلاثة محاور هي: مستقبل الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس (وهو عنوان مهم لاستقرار البلد وضمان حكم الهاشميين)، وما يترتب على بقاء فكرة القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وفق «حل الدولتين»، وأخيراً تحوّل المملكة إلى وطن بديل. هذه المرة تبدو عمان أكثر هدوءاً، ولا سيما أن البرود الأميركي تجاهها تحلحل بالتزامن مع الإشكالات الداخلية الأميركية في الكونغرس المعروف بدعمه للنظام الهاشمي عامة، ولذلك لم تنقطع القنوات الثنائية مع الولايات المتحدة التي لربما نقلت بطريقة أو بأخرى تطمينات معينة إزاء هذه الملفات الثلاثة.الملك عبد الله هو من يدير الملف الخارجي برمّته، وكان أخيراً يتجوّل في محافظات الجنوب ويكثف ظهوره العلني الشعبي منذ أشهر، في وقت تنتشر فيه أقاويل عن عودة المملكة عن قرار «فك الارتباط» مع الضفة المحتلة الذي اتخذه الملك حسين في منتصف 1988 كحل وقائي. لكن وزير الخارجية، أيمن الصفدي، الذي يلتقي صحافيين وإعلاميين منذ أيام في العاصمة، ينفي أن تكون دوائر صنع القرار قد ناقشت هذا الأمر (إلغاء فك الارتباط وعودة الضفة إلى كنف المملكة)، أو حتى طرحته، بل يعيد الصفدي التأكيدات السابقة لجهة جهل الحكومة بمضامين «صفقة القرن». النقطة الأخيرة تتنافى مع تلميحات عبد الله حيال الخطة الأميركية، ولا سيما في مقابلته الأخيرة منذ أسبوعين مع قناة «فرانس 24» قبل جولته الأوروبية الأخيرة، إذ قال: «نحن بانتظار الفريق للكشف عن الخطة، وبالتالي أمامنا جميعاً منطقة رمادية، لأننا إن لم نعرف محتوى الخطة، وهنا يأتي دور ليس الأردن ودول المنطقة فحسب، بل الدول الأوروبية كذلك، فكيف لنا أن ننظر إلى الخطة عند إعلانها».
في المقابلة نفسها يبدي الملك مرونة مستجدة تجاه الصفقة في حال كُشف النقاب عن فحواها، ويصف مهمة بلده حين إعلان الصفقة «بالنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، وكيف بالإمكان البناء على الخطة للجمع بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، مشيراً إلى الأوروبيين كشركاء يجهلون بنود الصفقة «لكنهم حلفاء للمملكة»، خاصة بعد موقفهم الإيجابي الداعم للوصاية الهاشمية وعدم الاعتراف بالقدس «عاصمة لإسرائيل»، ما يعني في الخلاصة أن التحفظات الأساسية زالت، وأن النقاش هو في التفاصيل.