رام الله | منذ أيام، طفت على الساحة الطالبية الفلسطينية، ولا سيما في جامعة بيرزيت في رام الله، أزمة جديدة عنوانها قرار إدارة الجامعة حظر أيّ «مظاهر عسكرية» ضمن الأنشطة التي تشهدها أروقتها. مرّت أول محاولة لتنفيذ القرار بهدوء، وذلك خلال فعالية «الشبيبة الفتحاوية» إحياءً لذكرى الرئيس الراحل ياسر عرفات في الحادي عشر من الشهر الماضي. لكن في المحاولة الثانية، الأكثر جدية، والتي كانت من نصيب «القطب الطلابي»، الذراع الطلابية لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، خلال إحيائه ذكرى انطلاقة الجبهة الأربعاء الماضي، منعت الإدارة إدخال اللافتات والمجسّمات والزيّ العسكري، الأمر الذي أدّى إلى احتكاك بين الطلاب وأمن الجامعة. طلبة «القطب» فتحوا البوابة بالقوة، رافضين «انصياع إدارة الجامعة لشائعات الاحتلال»، فردّت الإدارة بقطع الكهرباء وتعليق الدوام وإخلاء الجامعة، وهو ما لم تلتزم به الكتل الطالبية، بما فيها كتلتا «فتح» و«حماس» اللتان خرجتا في مسيرة مشتركة بالزيّ العسكري لإحياء انطلاقة «الشعبية».قبل أيام من ذلك، استدعت الإدارة الكتل الطالبية للتباحث معها في شأن ميثاق يحظر «عسكرة الفعاليات والأنشطة»، إلا أن الكتل رفضت هذا الأمر بشكل قاطع. وفي العُرف الطالبي الفلسطيني، فإن «عسكرة الأنشطة» هي مجرد لبس القناع واللثمات، وعرض مجسّمات المقاومة (المجسمات العسكرية)، والسير بالزي العسكري. لكن الميثاق جاء فضفاضاً، بنصّه على منع إلصاق أيّ محتوى أو منشور يحوي «مظاهر عسكرية»، في ما رأى الطلاب أن المقصود منه «حظر مظاهر المقاومة».

عصا «أفيخاي»
سبق أن أعلن المتحدث باسم جيش العدو بالعربية، أفيخاي أدرعي، في الرابع من الشهر الماضي، اعتقال طلبة من «بيرزيت» (من دون تحديد عددهم)، كان منهم ممثل «الكتلة الإسلامية» (ذراع «حماس»)، أسامة الفاخوري، بتهمة «رصد أهداف محتملة لعمليات، وإنتاج المتفجرات من مواد منزلية، وجمع معلومات استخبارية». وأرفق العدو إعلانه بـ«قصة فيديو رقمية» تظهر عروضاً لملثمين داخل الجامعة، كاتباً: «إدارة جامعة بيرزيت تُمكّن الكتلة من العمل وتنفيذ عمليات التحريض والإرهاب». على إثر ذلك، قررت الكتل الطالبية منح إدارة الجامعة «مواقف مرنة»، ووقف عروض الملثمين مؤقتاً لتخفيف الاحتقان وسحب الذرائع من العدو، بحسب ما يكشف مصدر في الكتل لـ«الأخبار».
يقترن اسم الجامعة بأسماء مهمة في تاريخ المقاومة كالشهيد يحيى عياش


لكن في مساء العاشر من الشهر الجاري، عادت إدارة «بيرزيت» لتقول إن «أعمالاً ومظاهر تنفذها الحركة الطلابية لا تمتّ لرسالة الجامعة بصلة، ومنها عسكرة النشاطات المخالِفة لقوانين الجامعة وأنظمتها»، مهدّدة في بيان بأنها «لن تتردّد في اتخاذ ما تراه مناسباً بحق المخالفين». وجراء الرفض الجماعي من قِبَل الكتل لهذا البيان، ومن ثم تعليق الدوام، أصدرت الإدارة بياناً ثالثاً أعلنت فيه استئناف التدريس كالمعتاد في الجامعة أول من أمس (الخميس) «لمنح الفرصة للحوار بين إدارة الجامعة والطلبة». ونفى مجلس إدارة الجامعة في تصريحات عدة أن يكون العدو وتهديداته سبب قرارها، فيما رأى نائب رئيس الجامعة لشؤون التنمية والاتصالات، غسان الخطيب، أن «المظاهر العسكرية تخرج عن صلاحيات أيّ جامعة ووظيفتها ودورها... وعن نطاق حرية التعبير».
لكن صفحة «بيرزيت» الرسمية عبر «فايسبوك» نشرت كلاماً مغايراً على لسان أحد الأساتذة فيها، جاء فيه: «الموج عالٍ هذه المرة، ومنع العسكرة لم يكن سوى الحل الأخير بعد حملة تحريض منظّمة من مؤسسات الاحتلال... قد يصل الأمر إلى إغلاق الجامعة والتضييق عليها على كلّ الصعد». ووفق ناشطين سابقين في «الكتلة الإسلامية»، فإن منع الاستعراضات في «بيرزيت» أمر قديم، وقد أوقفت إدارة الجامعة نشاط أحد الأطر عام 2000 بسبب ذلك، وسبق أن أقرّ مجلس الإدارة فصل طالب عام 1996 للسبب نفسه. مع ذلك، يقول الناشطون إنه لا أحد يستطيع إنكار الدور المشهود للجامعة في الانتخابات النزيهة الدورية لمجلس الطلبة، في وقت تتعامل فيه إدارات أخرى «مثل قوة بوليسية».

«القلعة الأخيرة»
وتتميّز «بيرزيت» عن غيرها بإرثها الوطني الكبير، إذ إنها خرّجت نخبة من الشخصيات، وكوكبة من 28 شهيداً منذ الانتفاضة الأولى حتى الآن. كما يقترن اسم الجامعة بأسماء مهمة في تاريخ المقاومة كالشهيد يحيى عياش، والأسير مروان البرغوثي. حتى في أصعب سنوات الضفة، مثّلت مستوطنة «بيت إيل» وحاجزها هدفاً لطلاب الجامعة؛ فعندما كان يحلّ الليل على رام الله والبيرة وتبدأ اقتحامات العدو، يترك عشرات الشبان، ومنهم طلبة «بيرزيت»، كرّاساتهم ليقارعوا العدو بالحجارة والزجاجات الحارقة. ولذلك، أثارت هذه القضية صخباً على صعيد أكبر من الجامعة نفسها التي يُنظر إلى حركتها الطالبية كاستثناء بين صراع الفصائل وانقساماتها. ومن هنا تحديداً، يسعى العدو بكلّ قوة إلى تحييدها، لأنه إن نجح في هذا فسيضمن تحييد الشباب والحركة الطالبية في الجامعات.
وفي إحصائية وصلت إلى «الأخبار»، بلغ عدد معتقلي «بيرزيت» منذ 2004 حتى الآن نحو ألف طالب، من بينهم 19 طالبة، وسبعة أسرى من الأحكام العالية. ومنذ بداية العام الجاري، اعتُقلت ثلاث طالبات هنّ: سماح جرادات، ميس أبو غوش، وقبل أيام شذى حسن، فيما يعاني 12 أكاديمياً ومحاضراً يحملون جوازات أجنبية من خطر الإبعاد قسراً عن الجامعة في حال قرر العدو ألّا يجدّد إقاماتهم. كذلك، شهد شهر آذار/ مارس الماضي خطوة إسرائيلية غير مسبوقة، عندما اقتحمت قوة خاصة بلباس مدني حرم الجامعة واختطفت ثلاثة طلاب. ويرى الباحث رازي نابلسي أنه لا يمكن فهم أزمة «بيرزيت» بمعزل عما يجري خارج أسوار الجامعة، فما يحدث «يتماهى مع سياسة الرضوخ للاحتلال بدعوى إرضاء الرأي العام الدولي». ولذا، يحذّر نابلسي من أن هذه الأزمة «فخٌ إذا وقع الجميع فيه، لن يكون مستغرباً مستقبلاً استضافة إسرائيلي داخل الجامعة... وهكذا».