تمثل العملية التي نُفذت أمس قرب مستوطنة دوليب، وسط الضفة الغربية المحتلة، وأدت إلى مقتل مستوطنة وجرح آخرين، نقلة نوعية من نموذجَي الطعن والدهس اللذين سادا الضفة طويلاً، إلى نموذج العمليات المُخططة. نقلة تثير الكثير من المخاوف لدى الاحتلال، من أن تمثل الحلقة الأولى في مسلسل قد يستمرّ ويتصاعد، وخصوصاً إن كان قرارها صادراً عن مستوى قيادي وليس فردياً.تثير عملية «دوليب» خشية كامنة لدى القيادة الأمنية الإسرائيلية من عودة هذا النوع من العمليات المُخطَّطة إلى الضفة الغربية المحتلة، وخصوصاً أن هذه القيادة سبق أن حذرت، في الأسابيع الماضية، من أن الهدوء في الضفة مخادع، وأن إمكانية الانفجار فيها باتت أكثر معقولية مما كانت عليه في الماضي. تلك الخشية تبدو، للأسف، مشتركة مع الجانب الفلسطيني الرسمي، الذي كان يعزز تنسيقه الأمني مع إسرائيل في ظروف مشابهة للكشف عن هوية منفذي العمليات، انطلاقاً من خوفه من أن يغلب النهج المقاوم على نهج التوسل السياسي الذي يتبعه.
وتشير ردة الفعل الأولية الصادرة عن رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، إلى فقدان أدوات مواجهة منفذي العمليات وصدّهم، إن وقائياً أو استباقياً، ما يدفع إلى التشديد على الأثمان التي يمكن للاحتلال تدفيعها للمنفذين وأهليهم وحاضنتهم، وهو ما يفسر لجوء نتنياهو إلى التوعّد بأفعال كيدية، من خلال التأكيد على تعزيز الاستيطان، و«تعزيز الجذور» في الضفة. في السياق نفسه، جاءت تعليقات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، الذي شدد على أولوية ملاحقة المنفذين، خشية نجاحهم في التواري بعد تمكّنهم من تنفيذ العملية نفسها، ما قد يشكل دافعاً إلى تنفيذ عمليات مشابهة من قِبَل مجموعات أو أفراد فلسطينيين. وقال كوخافي: «نحن في خضمّ عملية المطاردة، ونركز على الجهد الاستخباري العملاني الواسع للوصول إلى منفذي الهجوم الخطير»، مضيفاً إنه «يجري تقدير للوضع للتعرف إلى تفاصيل العملية، وعمليات البحث جارية في المنطقة».
بدوره، وصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الهجوم بالخطير للغاية حتى في نتائجه، موضحاً أن الانفجار ناجم عن قنبلة محلية الصنع، متابعاً «(إننا) لا نعلم ما إذا تم إلقاء العبوة الناسفة أو زرعها من قبل». وبيّن أن عملية الملاحقة تتضمن عدة حواجز، إضافة الى تعزيزات استُقدمت إلى موقع الانفجار، «إذ إننا في خضمّ محاولة لمنع هجمات لاحقة». وعقب تصريحات المتحدث، قدّرت مصادر عسكرية إسرائيلية أن يكون المنفذون قد خططوا مسبقاً لإيقاع التفجير في منطقة يرتادها المستوطنون، وهي نبع ماء بالقرب من مستوطنة دوليب، وفي لحظة اقتراب مجموعة منهم من العبوة، عمد الكامنون إلى تفجيرها عن بعد. وذكرت المصادر أن التحقيقات الأولية تظهر أن تنفيذ العملية جاء بعد معاينة المكان ورصده بعناية.
ترجمت عملية أمس موقف الشعب الفلسطيني الرافض للاحتلال وقيوده


على خط موازِ، مثلت العملية مناسبة لاستعار التراشق على الساحة السياسية الإسرائيلية ربطاً بالانتخابات المقبلة. إذ استغلّ عدد من منافسي نتنياهو التفجير للتصويب عليه ومهاجمة أدائه و«تراجعه» أمام «الإرهاب» الفلسطيني. ومن بين المواقف، برزت دعوة اليمين المتطرف إلى ضمّ الضفة وتفكيك السلطة الفلسطينية وإنهاء «جودة حياة» العرب، «التي لا تساوي في القيمة أي قتيل إسرائيلي»، مثلما جاء على لسان وزير المواصلات وعضو المجلس الوزاري الأمني المصغر، بتسلئيل سموتريش. من جهته، شجب الموفد الأميركي للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، العملية، واصفاً إياها بـ«البربرية» التي تقود إلى معاناة غير متناهية، مطالباً السلطة بشجبها بكلمات واضحة.
تؤكد العملية، من جديد، في شكلها ومضمونها وطريقة تنفيذها، تعذّر كبح الفلسطينيين وخيارهم المقاوم، على رغم كل الصعوبات الداخلية والخارجية التي يواجهونها. وبغض النظر عن هوية منفذي العملية وانتماءاتهم، وما إن كان قرارها فردياً أو قيادياً، فقد أثبت الفلسطينيون إمكانية تطوير العمليات على رغم إجراءات العدو والسلطة الفلسطينية، بحيث تكون أكثر إيلاماً للاحتلال، وعدم الاكتفاء بعمليات الدهس والطعن، على أهميتها. ميدانياً، يدور السباق الحالي بين الاحتلال والسلطة من جهة، والمنفذين من جهة ثانية، على التخفي أو الكشف والتصفية اللاحقة، والنتيجة المتحققة جراء هذا التسابق من شأنها التأثير على مجمل ساحة الضفة، وتحديداً ما يسميه الاحتلال «العمليات المقلدة»، التي يبدو احتمال استمرارها عالياً إن كانت بقرار قيادي.
الواضح أن العملية أربكت العدو بقيادتَيه السياسية والأمنية، في ظرف داخلي حساس جداً لرأس الهرم السياسي في الكيان، والذي يمكن أن يستغلّ منافسوه الأمر للطعن في أدائه في مواجهة الفلسطينيين، علماً بأن معظم من هاجموا نتنياهو أمس هم مِمّن تولّوا مسؤوليات الصف الأول أمنياً وعسكرياً وسياسياً، وكان أداؤهم في هذا الإطار نسخة تكاد تكون متطابقة عن أداء نتنياهو. كذلك، ترجمت عملية أمس، وهذه أهم نتائجها، موقف الشعب الفلسطيني الرافض للاحتلال وقيوده، ومشاريع التيئيس التي يُعمل عليها ضد قضيته.

«حماس»: العملية رسالة إنذار
في قطاع غزة، تواصلت العمليات الفردية على الحدود، حيث أنقذت الطواقم الطبية الفلسطينية، صباح أمس، شاباً مصاباً بعد اشتباكه مع قوات العدو ليلاً. وادعى جيش الاحتلال أنه أطلق النار على الشاب بينما كان يلقي عبوات متفجرة عند السياج الأمني الى الشرق من مدينة غزة. وخلال ساعات الظهر، ذكرت مواقع للمستوطنين أن عبوة صغيرة انفجرت في جيب عسكري على الحدود مع القطاع، من دون تسجيل إصابات في صفوف الجنود. وعلى رغم نشر «الهيئة العليا لمسيرات العودة» عناصر أمنية بلباس مدني على طول الحدود الشرقية لمنع المتظاهرين من التصعيد والوصول إلى أماكن تمركز جنود العدو، أفادت المصادر الطبية بأنها تعاملت مع 70 إصابة بجروح مختلفة. وسبق مسيرات أمس، التي شهدت مشاركة كثيفة، قدوم السفير القطري، محمد العمادي، فجراً، عبر حاجز «بيت حانون ــــ إيرز»، إلى القطاع، حاملاً دفعة جديدة من الأموال.
إلى ذلك، أشاد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، بالعملية التي نُفذت أمس غرب رام الله. وقال هنية، خلال خطبة الجمعة في غزة، إن «(العملية) تقول للاحتلال: ابتعدوا عن القدس التي تمثل برميل بارود سيتفجر بكم ويحرق من يعتدي عليها».