حملت «القائمة العربية المشتركة» في دورة الكنيست الإسرائيلي الماضي بذور تفككها منذ ولادتها عام 2015. صحيح أنها جمعت التنوع والاختلاف الأيديولوجي بين مركباتها، حيث تحالف القومي العربي مع الشيوعي الأممي، والإسلامي الإخواني مع الشعبوي، لكن هذا الاختلاف نفسه كان الشرارة التي أشعلت فتيل النهاية. ظهر الخلاف خلال 2017، عندما تعنتت بعض مركبات القائمة في تطبيق اتفاق التناوب على المقعدين 12 و13. فبعد وقت طويل من تعنّت النائب أحمد الطيبي وحزب «الجبهة العربية للسلام والمساواة»، تسلّمت النائبة عن حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» نيفين أبو رحمون، بموجب اتفاقية التناوب، مقعدها. لم يدم الأمر طويلاً حتى انسحب رئيس «الحركة العربية للتغيير»، الطيبي، بالتزامن مع إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إجراء الانتخابات المبكرة التي استُحقت أول من أمس، ما مثّل في النتيجة نهاية «القائمة العربية».مُتتبع المسار السابق يجد وضعاً مَنح فيه أكثر من نصف أصحاب حق الاقتراع من فلسطينيي الـ48 هذه القائمة أصواتهم عام 2015. ثقة هؤلاء كانت نابعة من فكرة أن أصواتهم تصبّ في مصلحة «الهمّ الواحد والمصير المشترك» الذي على أساسه توحدت الأحزاب العربية. اعتقد المصوتون آنذاك أنهم يصوتون للنموذج الأنجح: القادة العرب في الداخل موحدون أخيراً، وبإمكانهم بعدما صاروا قوة ثالثة في الكنيست أن يوقفوا هدم البيوت ومصادرة الأراضي والمشاريع التهويدية في الجليل والنقب والمثلث، وأن يطالبوا بمستقبل أفضل لأولادهم وبتوسيع المساحات الخضراء للعب الأطفال في القرى، وكذلك إقرار الخرائط الهيكليّة لبناء البيوت والمشاريع السكنيّة.
قد يعود خطاب الأسرلة والتصالح مع الاحتلال داخل المجتمع العربي بقوة


لكنّ أيّاً من ذلك لم يحدث. لم تكن المشكلة في فكرة التحالف الموحّد، ولا أن العرب قوة ثالثة أو ثانية أو غيرها، بل كانت في الإيمان بأن الكنيست الذي يسنّ ويُشرع القوانين العنصرية والتهويدية قد «يغير جلده»! كانت المشكلة أيضاً في المسؤولين الذين انشغلوا في أمور ثانوية في سلَّم اهتمامات الفلسطينيين مثل المطالبة بالترجمة الصحيحة للغة العربية على اللافتات! إذاً، خاب أمل الناس في القائمة التي سُنّ في عهدها المزيد من القوانين التمييزية ضدهم، خاصة «القومية»، وفي كونها لم تستطع وقف هدم بيت واحد أو ترحيل قرية واحدة في النقب، ولا حتى جلب الاعتراف لقرية واحدة من آلاف القرى غير المعترف بها هُناك. ولذلك، كان من الطبيعي أن تخفت حماسة هؤلاء وألا يهرعوا إلى الصناديق، وألا تتجاوز نسبة المصوتين في القرى العربية بحدود السادسة مساءً من يوم التصويت نحو 33٪، قبل أن تستنفر مآذن المساجد في البلدات عبر مكبرات الصوت، تتوسل الناس للنزول والتصويت وإنقاذ القائمتين العربيتين.
في النهاية، أُنقذت القائمتان، ولكن خسرت الأحزاب العربية ثلاثة مقاعد، وتراجع تمثيل العرب من 13 مقعداً إلى عشرة، ما يعني أن أكثر من مئة ألف فلسطيني من الذين صوّتوا في المرة الماضية قرروا عدم التصويت هذه المرّة، علماً أنه «في اللحظات الأخيرة، وكما في كُل مرّة، اشترت الأحزاب آلاف الأصوات بالمال، فضلاً عن تلك التي دُفعت لكبارية (رؤوس) العائلات لضمان أصوات أفرادها»، كما تقول مصادر مُطلعة لـ«الأخبار». لكن الأخطر أنه بجانب عقاب الأحزاب العربية في عمليّة التصويت يظهر أن هناك 123 ألف فلسطيني أعطوا أصواتهم للأحزاب الصهيونية، وقد توزعت كما يأتي: حزب «ميرتس» (يسار صهيوني) 35 ألف صوت، «أزرق أبيض» بزعامة رئيس هيئة الأركان الأسبق بيني غانتس 34 ألفاً، «كلنا» 9143 صوتاً، «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان ستة آلاف، «العمل» بقيادة آفي غباي 5500، «الليكود» بزعامة نتنياهو 10 آلاف. أمّا الأحزاب التوراتية، فنال «شاس» (حراس التوراة الشرقيين) من الأصوات العربية 8600، و«يهودية التوراة» 878. كذلك، نالت الأحزاب الصهيونية الدينية 2026 صوتاً موزعة بين «اليمين الجديد» (916)، وبين «اتحاد أحزاب اليمين» (أتباع الحاخام الصهيوني مئير كهانا) (1110).
على هذه الخلفية، قد يعود خطاب الأسرلة والتصالح مع الاحتلال داخل المجتمع العربي بقوة أكبر، ولا سيمّا أن مركبات «القائمة المشتركة» ممثلة بمسؤوليها أنتجت، عن قصد أو غير قصد، فجوة كبيرة بين إرادة الناس في الشارع، وبين إرادة المسؤولين في رأس الهرم. بالتوازي مع ذلك، يتزايد الداعون إلى مقاطعة الكنيست والبحث عن جسم سياسي بديل يدافع عن هموم تلك الفئة المنسيّة من الشعب الفلسطيني.