سيرحّب النظام السعودي ضمناً بما عرضه ترامب من دور في دعم إسرائيل
أما على المستوى الإسرائيلي، فمن أهم الرسائل التي انطوى عليها موقف ترامب أنه أقر علناً بأن استمرار إسرائيل في هذه المنطقة لم يكن فقط نتيجة توازنات ترتكز إلى قدراتها الاستراتيجية والعسكرية، مع أنها تمتلك قدرات دولة عظمى إقليمية، وأحدث التكنولوجيا العالمية، إنما الركيزة الأهم في تثبيت احتلالها فلسطين تكمن في الأنظمة العربية التي تؤدي دوراً وظيفياً في حماية وجودها وأمنها. حول هذه الدلالات يأتي ما أوضحه عضو «لجنة الخارجية والأمن» التابعة للكنيست، عومر بار لِف، تعقيباً على موقف ترامب، بالقول: «لم أكن أعرف أن وضعنا هش إلى هذه الدرجة». يعكس هذا الموقف حضور هذه الدلالات التي تُظهر حجم الأخطار التي تحدق بإسرائيل مقابل محور المقاومة، الأمر الذي يستوجب أداء دور مباشر من النظام السعودي بما يملكه من إمكانات مالية وقدرة على التجييش المذهبي لحمايتها.
وذهب بار لِف إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما تساءل: هل همس نتنياهو للرئيس الأميركي بهذه الحقيقة. ولم ينبع تساؤله من فراغ، بل أتى بعدما انتقل نتنياهو إلى مرحلة المناشدة العلنية للولايات المتحدة، خلال كلمة في العاصمة المجرية بودابست، قبل نحو 20 يوماً، بشأن مراعاة الأولويات الاستراتيجية الإسرائيلية عبر حفظ استقرار النظام السعودي، وابن سلمان، لدى معالجة عملية قتل الصحافي جمال خاشقجي. الوجه الآخر لهذا المفهوم (هشاشة مكانة إسرائيل الاستراتيجية الذاتية) الذي لم يكن بإمكان محور المقاومة بما يملكه من إمكانات إعلامية أن يروج له في أنحاء العالم، وتحديداً في المنطقتين العربية والإسلامية، هو أن النظام السعودي يحتل مكانة أساسية في استراتيجية الدفاع عن الوجود والأمن القومي الإسرائيلي. ومع أنه اضطر إلى تلك الصراحة في سياق توظيفي للداخل الأميركي، في محاولة لتبرير دعم بقاء ولي العهد السعودي في منصبه، فإنها على مستوى المضمون كانت كافية لتظهير هذه الدلالات ونشرها في العالم كافة.
في المقابل، كان يفترض أن تكون إسرائيل في أفضل ظرف استراتيجي تاريخي لم يكن ليخطر على بال مؤسسيها الأوائل، وتحديداً في أعقاب معاهدات التسوية التي عقدتها مع عدد من الأطراف العربية، وتم بها تحييد أكبر دولة عربية عن الصراع، مصر، وشرعنة الدور الذي يقوم به النظام الأردني في حماية حدودها الشرقية، ثم أتت الحروب التي خاضتها سوريا والعراق ولبنان في مواجهة الإرهاب الذي كان يفترض به استكمال الطوق العربي الحامي لإسرائيل. لكن الانتصارات التي حققها محور المقاومة، من إيران إلى العراق فسوريا ولبنان، وصولاً إلى داخل فلسطين، أفضت إلى احتواء مفاعيل هذا المسار التطبيعي، والارتقاء إلى مرحلة جديدة في معادلات الصراع، ما دفع ترامب إلى الإقرار بأنه دون الدور الذي قام به النظام السعودي ويقوم به، هناك خطر أن «ترحل إسرائيل».