تقاذفت إسرائيل مسؤولية الفشل إزاء التصعيد الأمني الأخير في قطاع غزة. اتهامات واتهامات متبادلة لم تُستثنَ منها المؤسسة الأمنية التي سارعت إلى توجيه الاتهام إلى السياسيين، والتشديد على افتقارهم إلى أي رؤية واستراتيجية تجاه غزة، لكن مع تجديد رفضها الخيارات العسكرية وضرورة الابتعاد عنها. فلليوم الثاني على التوالي، تواصل تراشق الاتهامات في إسرائيل على خلفية الفشل في مواجهة غزة، وكذلك الاحتجاجات في الشارع. وفيما تداخلت الأهداف الشخصية والعامة في كل الاتجاهات ولدى جميع الأطراف والشخصيات السياسية، فإن التموضع الدفاعي لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، كان الأبرز، في ظل انتقاد واسع النطاق للمؤسسة العسكرية التي اتهمت السياسيين بضيق الأفق والرؤى، وفقدان الخيارات أمام التهديدات، حتى في مواجهة القطاع الذي يعدّ تهديداً مقلصاً قياساً بالساحات الأخرى.نتنياهو ادعى أن «أعداءنا («حماس») طالبوا بوقف النار، وكانوا يتوسلون من أجل ذلك، وهم يعرفون جيداً لماذا». لكنه كان دفاعاً لم يشفع له أمام منتقديه والجمهور، إذ كشفت استطلاعات الرأي (قناة «كان») أن 14% فقط يعتقدون أن الجيش خرج منتصراً من التصعيد الأخير. أما خصوم نتنياهو، فواصلوا انتقاده لليوم الثاني، ووسمه أيضاً بأنه تهيّب مواجهة «حماس» وجَبُن أمامها. مع ذلك، كان اللافت انتقاد المؤسسة الأمنية للحكومة ومسؤوليها، إذ انتقدت مصادر أمنية رفيعة المستوى بشدة المسؤولين السياسيين، وأشارت في حديث إلى «الإذاعة العبرية» إلى أنه ليس لدى الحكومة رؤية أو تصور مسبق للأهداف السياسية كما يجب أن تكون جراء العمليات العسكرية في غزة، وتحديداً ما تعلق بجولة القتال الأخيرة. وأكدت المصادر أنه في حال الافتقار إلى رؤية وأهداف لدى السياسيين، فمن المستحيل تحديد أهداف أي حرب، مضيفة: «الحديث عن خوف الجيش وخشيته من القتال كلام بلا أسس».
كان لافتاً حديث المصادر العسكرية عن رفض استدعاء الاحتياط


المصادر نفسها أشارت إلى أن استقالة وزير الأمن أفيغدور ليبرمان «كشفت عورات المؤسسة السياسية»، إذ لم يعد لجلسات «المجلس الوزاري المصغر» أي قيمة فعلية جراء اللعبة بين السياسيين. وفي دفاع واضح عن الجيش وامتناعه عن خوض المعارك وتوسعتها، ذكرت المصادر أن «الجميع يدركون أن حماس هي أضعف أعداء إسرائيل، وأن هناك حلولاً أقل تكلفة من عملية عسكرية واسعة النطاق». وفي إشارة لافتة جداً، أكدت تلك المصادر رفض الدعوات التي طالبت باستدعاء الاحتياط خلال التصعيد الأخير، لأن «من المستحيل تجنيد الاحتياط، فذلك حدث ثلاث مرات في السنوات الخمس والنصف الماضية، وهذا أمر غير سوي بالمطلق»، وأضافت: «تمنع إدارة الأمور هكذا، إذ لدى استدعاء الاحتياط، فهذا يعني مباشرة الحرب، وهذه ليست لعبة بلاي ستايشن».
الخشية من العملية العسكرية، كما رفضتها المصادر الأمنية، أكدها وزير التعاون الإقليمي، عضو «الكابينت» تساحي هنغبي، الذي شدد على أن الخسائر من الحرب هي التي دفعت إلى قبول التهدئة. وقال هنغبي إن المواجهة التي يطلبها البعض قد تتسبّب في إطلاق مئات الصواريخ يومياً على تل أبيب، وشلّ مطار بن غوريون لأسابيع، و«إذا دخلنا إلى غزة، فسيُقتل منا على الأقل 500 جندي، نعود بجثثهم لاحقاً إلى إسرائيل».
وبينما عرض وزير التربية نفتالي بينت «اقتداره» و«أحقيته» في تولي وزارة الأمن بعد استقالة ليبرمان، على خلفية الفشل في غزة، أكد خلال عرضه، ومحاولة تحسين أوراق ترشيحه لتولي المنصب، جملة من الحقائق المرتبطة بخيارات المواجهة مع القطاع، وكذلك في الساحة الشمالية في سوريا ولبنان، مع التشديد كما ورد في ديباجته على ضيق وتقلص خيارات إسرائيل العملية. يَرِد في حديث بينت تشخيص التهديد، وهو بمعظمه توصيف للواقع الذي تراه تل أبيب. أما معالجته عبر توزيره لـ«الأمن»، كما يطلب، فمسألة تدخل في أقل تقدير في دائرة الشك، مع التشديد على أن السياسات الأمنية والخيارات العسكرية والأمنية تحددها المؤسسة الأمنية نفسها التي هي أكبر من إمكانات وزير، خاصة إن لم يكن صاحب تجربة وخبرة ومكانة عسكرية أو أمنية، كما حال بينت، وإن كان يدّعيها.
بينت قال إن إسرائيل تمر في مرحلة أمنية هي الأكثر تعقيداً وخطورة منذ وجودها، فـ«الأخطبوط الإيراني يرسل سلسلة من الأذرع المعادية الوحشية لتطويقنا: من الشمال حزب الله، وفي سوريا قوات إيرانية، وعلى حدود غزة حماس التي تزداد تمركزاً وتعاظماً». وأضاف: «منذ عشرات السنين منظوماتنا دخلت في جمود وامتناع عن الالتحام مع العدو. نظرية الفصل والابتعاد عن التماس مع العدو يراها عدونا خشية لدينا من القتال. حزب الله تحول من منظمة صغيرة إلى جيش كبير مسلح بـ 130 ألف صاروخ، أما حماس فباتت أكثر وقاحة، لأنها تؤمن بأننا نخشى المواجهة؛ الردع الإسرائيلي تآكل».