لا يختلف القمع الرسمي الإسرائيلي عن قمع عصابات اليمين المتطرف سوى بأن الأول أكثر دهاءً ويرتدي لَبوساً قانونياً يبدو بموجبه من يناضل من أجل حقوقه خارجاً عن القانون الذي سنّه الاحتلال، فيما تصبح ممارسات الاحتلال القمعية ليست إلا تطبيقاً للقانون. وفق هذه المعايير التي يغطيها العالم الغربي، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تصبح مساعي ومحاولات المطرود من وطنه بالعودة إليه «اعتداءً» على الدولة المحتلة، وكمن يخرق «سيادة» الاحتلال، في حين أن المجازر التي يرتكبها كيان الاحتلال، الذي أضفت عليه الأمم المتحدة الصفة الدولتية، وقطاع غزة نموذجاً، دفاعاً عن النفس!
أيضاً، يصبح هدم المنازل تطبيقاً للقانون، وطرد السكان إجراءً إدارياً قانونياً له موجباته الأمنية... أما دور «المحكمة العليا الإسرائيلية»، فهو الاعتراض على بعض الإجراءات القمعية كي تصبح قانونية، بمعنى أن طرد السكان الفلسطينيين قبل أن تتم قوننته في الكنيست أمر مرفوض ويجمد، أما بعد سنّ الكنيست قانوناً يسمح بذلك، فيصبح هذا الإجراء بموجب معايير المحكمة نفسها قانونياً طبيعياً، وهو أمر مفهوم في الكيان الإسرائيلي، لكن ينبغي القول إنه يجسد أيضاً حقيقة أن هذه المحكمة والعديد من المؤسسات الأخرى هي صهيونية قبل أن تكون مهنية.
ما تقدم يلخص جانباً من خلفيات القانون الذي سنّه الكنيست وصدّق عليه بالقراءتين الثانية والثالثة، ويمنح وزير الداخلية حق إلغاء الإقامة الدائمة للفلسطينيين الذين يعيشون شرقي القدس المحتلة ولسكان إسرائيليين آخرين، سواء أكانوا متورطين في «الإرهاب»، أم انتهكوا «الولاء لدولة إسرائيل». ووفقاً للقانون، في حالة إلغاء المكانة، يمكن للدولة طرد السكان. وتم التصديق على القانون بدعم 48 نائباً ومعارضة 18 فقط، فيما امتنع 6 عن التصويت. الأمر نفسه ينطبق على تصديق الكنيست، بالقراءتين الثانية والثالثة، على مشروع قانون آخر يتيح احتجاز جثامين الشهداء منفذي العمليات، وفرض شروط على جنازاتهم بيد «قائد المنطقة» في الأجهزة الأمنية التابعة لسلطات الاحتلال.
وتمت صياغة قانون الطرد رداً على قرار سابق لـ«المحكمة العليا» بإلغاء قرار اتخذه وزير الداخلية روني بار أون، قبل أكثر من عشر سنوات، بإلغاء إقامة أربعة من سكان شرقي القدس، عندما رأت أنه تصرف من دون أي صلاحية عندما ألغى إقامة الأربعة. مع ذلك، جمّدت المحكمة القرار لنصف سنة من أجل تمكين الكنيست من سنّ قانون يشرّع عمليات طرد الفلسطينيين من وطنهم. وإذا ما تجاوزنا جانب الوقاحة التي تتّسم بها هذه القوانين، وكونها سلوكاً متوقعاً من احتلال طرد شعباً من وطنه، فهي تأتي ضمن سلة الأوراق والأدوات بهدف ردع الفلسطينيين عن مواصلة النضال ضد الاحتلال وإجراءاته، خاصة أن طرد أي فرد منهم أصعب عليه، وعلى عائلته، من السجن. وينطوي ذلك على كونه جزءاً من خطة أوسع تستهدف تفريغ القدس من سكانها الفلسطينيين. أما عن كيفية مواجهة هذا القانون، فهو بما أوضحه رئيس الكتلة البرلمانية لـ«القائمة المشتركة» ورئيس حزب «التجمع الوطني الديموقراطي»، النائب جمال زحالقة، بالقول إن «علينا التعامل مع هذا القانون بحذر شديد بعيداً عن التهوين أو التهويل. إسرائيل تريد أن تخيف الناس وتردعهم عن المشاركة في النضال ضد الاحتلال في القدس، وتلوح بتهمة خيانة الأمانة والإبعاد عن المدينة، ويجب ألا نقع في هذا الفخ. فالقانون لا يلزم وزير الداخلية الإبعاد بل يمنحه الحق بذلك، وهو لن يستطيع تنفيذ عمليات إبعاد جماعية لمواجهة نضال جماهيري واسع. الرد على هذا القانون يكون بتصعيد النضال بالذات».
في المقابل، وصف عضو آخر في القائمة القانون بالقول إنه «تشريع سيّئ وخطير. الآلية التي أوجدها هذا القانون هي وضع سكان القدس الشرقية أمام أسوأ شر في العالم. سكان القدس يعيشون هناك ليس لأنهم اختاروا أن يكونوا إسرائيليين، ولكن لأن هذا موطنهم. أنتم تريدون في الواقع فرض واجب الولاء على الأشخاص الذين لا يربطهم بدولة إسرائيل أي رابط من الولاء». وكان الكنيست قد صدّق أيضاً على قانون يتيح احتجاز جثامين الشهداء إذا توقعت الأجهزة المختصة، الشرطة وقائد المنطقة، أن تسليم الجثمان سيؤدي إلى تظاهرات متضامنة معه خلال عملية التشييع. ومن بين الشروط التي يفرضها الاحتلال تحديد عدد المشاركين في الجنازة وهويتهم، ومنع مشاركة شخص معين، وتحديد مسار الجنازة وموعد إقامتها، وتحديد أغراض يمنع استعمالها خلال الجنازة.