في حصيلة الجولة الواسعة من المشاورات التي اجراها في بيت الوسط او حيث توجّه، اكد الرئيس سعد الحريري المؤكد، الناجم عن آثار ما بعد اجتماع باريس بينه والنائب سليمان فرنجيه في تشرين الثاني، ودفع في وجهة تثبيت المواقف والمواقع تبعاً لما حدث، وتالياً ردود الفعل عليه وخصوصاً اتفاق معراب الشهر الفائت. على ان ذلك كله لم يعدُ كونه صرخة في واد. من دون محادثة مباشرة وجهاً لوجه مع الرئيس ميشال عون، وكذلك مع حزب الله، لا حظوظ للاستحقاق الرئاسي لابصاره النور. حاور الحريري كل مَن يقاسمه الرأي في مقاربة انتخابات الرئاسة والآلية الدستورية المنصوص عليها والتسليم بالمرشحين المعلنين، ومن ثمّ الاحتكام الى مجلس النواب لاختيار ذاك الذي يحوز النسبة الاعلى من الاصوات. ناقش المشكلة مع هؤلاء على أن الثغرة تكمن فحسب في النصاب الدستوري الذي يقتضي اكتماله، يصير على الاثر الى المضي الى الاقتراع اياً يكن الفائز من الدورة الاولى او الثانية او التي تليها. لائحة المواقف هذه سبقت عودة الحريري الى بيروت. بيد انها لا تكفي لانتخاب الرئيس.
شكلت اللائحة تلك القاسم المشترك بينه والرئيس نبيه برّي الذي لم يفصح علناً على الاقل حتى الآن عن مرشحه من الثلاثة المعلنين او آخر سواهم، وبينه والنائب وليد جنبلاط ولديه مرشحه النائب هنري حلو، وبينه وحزب القوات اللبنانية الذي انضم الى ترشيح عون، وبينه وحزب الكتائب الذي له شروطه وله مرشحه الرئيس امين الجميل، وبينه والنواب والشخصيات المسيحية المستقلة. لا حاجة به حتماً الى وقوفه على رأي تكتله تيار المستقبل، ولا سؤال مرشحه فرنجيه.
يظل ذلك كله يدور خارج صحن الاستحقاق الرئاسي، ما دام الحريري يعرف ان ما يحتاج اليه انتخاب الرئيس ليس اصغاءه الى حلفائه القدامى والجدد فحسب، بل ايضاً ـ وخصوصاً ـ خصومه، وتحديداً رئيس تكتل التغيير والاصلاح أولاً، ثم حزب الله. لا يزور عون لأنه مرشح وفق ما صرح غداة عودته في 15 شباط، ولا يحاور حزب الله "صنيعة" النظام الايراني. لعل وجهة النظر الثمينة في قطيعته مع الحزب ان ما يصحّ حصوله في عين التينة بين الفريقين السنّي والشيعي ويقتصر على الملف الامني دونما مقاربة ما عداه وتحديداً انتخابات الرئاسة، ولم يناقشه حتى منذ الاجتماع الاول في كانون الاول 2013، لا يمكن تعميمه على لقاء بين الرئيس السابق للحكومة والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، او أي مسؤول آخر في الحزب. قطيعة شخصية مقفلة وحازمة الا في حضور ملائكة عين التينة.
من دون حوار مع عون وحزب الله لا تفقد جهود الحريري جدواها، لكنها لا تقوده والمجتمعون معه على موقفه الى انتخاب الرئيس اليوم او غداً. وهو ما سيحل بجلسة 2 آذار، وربما تلك التي تعقبها، شهراً تلو آخر. مع ذلك تعوَّض القطيعة التي تنتظر ترياقاً سعودياً ـ ايرانياً، بتصويب الاتهامات الى حزب الله وتحميله وزر تعطيل انتخاب الرئيس بعدم توجهه وعون الى ساحة النجمة للاقتراع تارة، وعدم ممارسته ضغوطاً على حليفه لحمله على التنحي لسواه ما دام عاجزاً عن انتزاع الاجماع على انتخابه طوراً. يستكمل الحريري موقفه هذا بالجزم بانتخاب فرنجيه ـ العضو المؤسس في قوى 8 آذار ـ رئيساً ما ان يلتئم نصاب الحضور.
مغزى ما يلح عليه الرجل نصاب ثلثي الاجتماع، على انه يتكفل وحلفاؤه القريبون والبعيدون بنصاب الانتخاب من الدورة الثانية.
ليست حتماً المقاربة نفسها في المقلب الآخر.
في احسن الاحوال لا يتعامل حزب الله مع انتخاب الرئيس ببساطة ذاك الرأي، تبعاً لفحوى موقفه الفعلي والجدي من الاستحقاق:
1 ـ تقع مسؤولية المقاطعة، والحؤول دون اكتمال نصاب التئام البرلمان، على عون الذي يرفضه وتكتله التوجه الى جلسة لا يُنتخب فيها رئيساً للجمهورية. حزب الله متضامن معه في هذا الموقف بلا تردد: يذهبان معاً الى المجلس أو لا يفعلا.
2 ـ ما لم يقرّر عون التخلي عن ترشيحه، لن يطلب منه الحزب ذلك. وبالتأكيد لن يكون في اي وقت في صدد ممارسة ضغوط عليه للتنحي. بيد ان المعطيات المحوطة بموقف رئيس تكتل التغيير والاصلاح لا تشي من قريب او بعيد بأن الرجل مستعد للتخلي عن تصلبه واصراره عليه.
3 ـ يعزو حزب الله اتهامه بالتعطيل الى تمويه يتوخى التصويب عليه هو بالذات في اكثر من ملف، من بينها الاستحقاق الرئاسي.
4 ـ ما لم يوافق عون على التوجه الى مجلس النواب، مرشحاً او ناخباً، ويكون راضياً تماماً عن جلسة الانتخاب ونتائجها، لن يقدم حزب الله على اي خطوة منفردة او مستقلة عن حليفه.
5 ـ ما دام عون مرشحاً فهو الاسم الوحيد لدى الحزب الذي يرفض انعقاد جلسة يتنافس فيها شريكاه في الائتلاف نائبا كسروان وزغرتا. عندما يتخلى الاول ـ عندما؟ ـ يصبح فرنجيه حكماً مرشحه الوحيد.
مآل ذلك ان الحوار المنشود لتوقع انتخاب رئيس الجمهورية، جلوس الرئيسين السابقين للحكومة وجهاً لوجه كي يخترعا حلاً للمأزق، والا يطيلان عمره.