رجل يغوص
رأيتُ الرجلَ يصعدهُ الشك كالدخان.
رأيته يَقْتلع الظلّ.
رأيت الرجل يُنزل وجهه، يُنزل صوته، يُنزل تيّار خوفه.
رأيته لا يجد صراخه.
رأيت الرجل يغوص في مياه العذاب المنخفضة.
رأيته حصاة في ذاكرتكِ. رأيت الرجل عربة لكسلك، عطراً لخيالكِ،
نافذة لصباحكِ، وفريسة قاتلة لأحلامك.
رأيته يُصعّده اليقينُ كالدخان...
(«الوليمة» ــ 1994)
كان يكسر الماء
كان هدّاماً قبل أن ينهدم.
كان يهجم كالنسر، وحتى النسيم يتفجّر في قبضته. لم يكن يكسر الزجاج. كان يكسر الماء، والقطن، والحجر، والوحل، والأيدي الخفيّة. لم يستطع أحد أن ينتزع من جناحيه ريشة.
وهوى.
زحف عليه الخوف، فوق الخوف،
فوق الخوف.
نَخَرته الشفقة.
احذروا الحنان! لا تتركوه يلتف عليكم!
أيها النسر! ثمّة وردة تنتظرك دائماً، احترس أيها النسر!
(«كلمات كلمات كلمات» ــ 12 شباط 1967)
المتفرّج المجهول
صبرُكِ الجبّار، القدّيس، كيف استحال فخّاً
(وأنتَ، لا نهائيتكَ، ماذا تخفي؟ أتكون أنت أيضاً مثْلها؟ مثْلهم؟)
هذه السهول الخضراء كيف صارت جحيماً، هذا الهواء كيف صار مَغْرَقاً، هذا الفراغ اللذيذ كيف عجَّ قاعه بالخناجر.
لم أكن أعرف.
وأنَّ الوليمة التي دعوت إليها بغباوة ألمي، لعنةٌ ودمار.
وأن الوليمة التي دُعيتُ إليها هي روحي وجسدي!
أيّها المتفرج المجهول على أفعالي، هل يرونك أكثر مني؟
هل يعرفونك أفضل مني؟ أتكون مثْلهم وأكون منبوذك أنت أيضاً!؟
أكثر ما أُحبّ في عينيكَ اللتين لم أرَ، ليس وهج المجد بل عكَر الحنوّ الفائض.
لا تُشبه خلائقك، أرجوك. لا تُشبه هذه الليلة، ولا البارحة، ولا شيء. كن أنت ديمومة ذلك الوهم الذي أحْبَبْتُ من أحببتُهم بفضله. ليثبت عليكَ ذلك الوهم!
يا إلهي!
(«الوليمة» ــ 1994)
سِفْر التكوين والهجر
أراكِ وفمكِ الحُرّ، بعيدة.
يمرّ دهر عميق ثم أرفع فمك
وتمرّ هنيهة
مُقيّدة في صُرّة لا أزيح الباب عن قلبي.
شفتاي شفة.
أيُها المواطن الزّفرِ، إنّك معها!
أمرُّ قبل جَرعها
أتناول الحبر لأعميك.
مُصطفى كي أسْبح فيّ وحدي.
دهرُ أبوابك لديّ!
يا رجْلكِ ترتع في نظراتي النوّحة، رجلك عند رجليَ كاحتضان!
يا رأسك (متى؟) على رأسي!
يا هَرَبي يُردُّ إليّ، ينام عليّ...
أرقبكِ والضجرَ عارياً.
(«لن» ــ 1960)
إذا
يبدو أكثر حين يتكلم
يُعقَد لواؤه على امرأة
سيخونها وتخونه
وبثيابه الملمّعة كبعض الرسوم المرسومة للسيّاح
يعكس الينابيع صُدفة
يستضيفكَ في كوخ الغرائز.
■ ■ ■
إذا هناك بشر يعيشون
لن يلتقوه،
لكن الذين يعيشون سيتلاقون.
■ ■ ■
تعلّمَ الموسيقى كالجُنديّ
كالجُنديّ
تَعلّم الموسيقى
ليقهر الجُنديّ
وعندما قَهَره
تعلَّم الجنديّ ليقهر الموسيقى.
■ ■ ■
لن تعتاده
معه تهبط شفتاك وتتأخّر عيناك
كرجُل يلحقُ امرأة.
فحيحُ الطبيعة وأُمّهاتها
سيّدات الأشعار وبناتهنّ
استراحتْ على صوته
واحتَقَنَت به.
إذا صادفتَه اجلسْ معه
إنه كليلة ودمنة
وملايين الجدّات،
على عُنُقه قايين ومن رقبته هابيل
وفي حُنجرته ألف ليلة كجَوزة
والهند ممتلئة
والنيل
والطاحون والبُزُق،
لا يأكل وحده الرغيف
ولا يحادث وحد الأزهار
يُسطّر بِحبرِ نَفَسِه
بياض المستقبل.
■ ■ ■
ولكنْ إذا
أحببتَهُ
قُل له إنّك
أحببته.
(«ماضي الأيام الآتية» ــ 1965)
هوية
أخاف.
الصخر لا يضغط صندوقي وتنتشر نظّارتاي. أتبسّم،
أركع، لكنْ مواعيد السرّ تلتقي والخطوات تُشعُّ،
ويدخل معطف! كُلّها في العُنُق. في العُنُق آذان
وسَرِقة.
أبحث عنكِ ، أنتِ أين يا لذّة اللّعنة! نسلُكِ
ساقط، بصماتُكِ حفّارة!
يُسلّمني النوم ليس للنوم حافّة، فأرسمُ على الفراش
طريقة؛ أفتحُ نافذة وأطير، أختبي تحت امرأتي،
أنفعلُ !
وأشتعل!...
تعال أصيح. تعال أصيح. إنّني أهتف: النصر للعِلم!
سوف يتكسّر العقرب، وأتذكّر هذا كي أُنجبَ بلا
يأس.
■ ■ ■
تُمطر فوق البحر
..
أُناديكَ أيُّها الشبحُ الأجرد، بصوت الحليف، والعبد،
والدليل، فأنا أعرِف. أنت هو الثأر العائد، صلْباً كالرّبا،
فاحشاً، أخرس، وخططي بلا مجاذيف. أُسدِل رأسي على
جبيني فتحدجني عينُك الوحيدة من أسغل؛ النهارُ
يتركني اللّيلُ يحميك. النهارُ يدفعني «لك الّليل!»
فأركض، اللّيلُ رَجُل! أهربُ أين وأنا الأفق؟
■ ■ ■
الحياة حيّة. العين دَرَج، العين قَصَب، العينُ سوق
سوداء. عينيَ قِمْع تقفز منه الريحُ ولا تصيبه. هل
أعوي؟ الصراخ بلا حَبْل. هناك أريكة وسأصمد.
■ ■ ■
سوف يأتي زمن الأصدقاء لكن الانتظار
انتحر. الجياد تُسرع، عَبَثاً عَبَثاً، الخوف رقم لا نهائيّ.
■ ■ ■
السقفُ ينحلّ في قلبي والأرضُ لا مكانَ لها. أُهرولُ
وأُقذَف، يكنسني الصدى، صدى! الأرض بعيدة بلا
طريق، الأرض تنزل بلا عَتَبة.
أُطلَقُ على الهواء، أغرز الهواء بأليافي.
■ ■ ■
بلا تَعَتُّه، الحركة ليست ضدّ اللّيل، الحركة عمياء
تَرى باللّيل. قُم! المصباح خادم ويدك خادمة. (أضحكُ
منّي) قم! هوذا أنا، الباب يُطرَق.
الباب: هنا الموت. وجهُهُ وجه القَدَر وظهرُه الضياع.
يُطرَق ولا ينتفض، فهو يبقى.
■ ■ ■
يجب أنْ أبكي. كيف نسيتُ أنّ الدموع تعكّر
المرايا؟ المرآة غابة لكنِ الدمعةُ فدائيّ. فلأسمع
جلَبتكِ أيّتها الرفيقة! فلأرفع لواءك حتّى تتقطّع أوتار
كتفي!
تُمطر فوق البحر
لم يعد في العالم دمعة
■ ■ ■
والحزن؟
ما سعر رجل حزين! التغضّن علامة، الغضب إبحار.
دُرَفُ الصّرْع تذيع الربيع، وعند الصباح تتعانق
المذبحة والظّفَر وحسداً أخْلَعُ وجنتيّ.
لكنِ الخوف!
ما
الخوف؟
لا تبدأ. سأضؤل، وأصمت. جناحك. عينك الأُفقيّة!
مولاي: لا! خُذْ قبلي الآخرين!...
دم حديث.
(«لن» ــ 1960)
رأيتُ الرجلَ يصعدهُ الشك كالدخان.
رأيته يَقْتلع الظلّ.
رأيت الرجل يُنزل وجهه، يُنزل صوته، يُنزل تيّار خوفه.
رأيته لا يجد صراخه.
رأيت الرجل يغوص في مياه العذاب المنخفضة.
رأيته حصاة في ذاكرتكِ. رأيت الرجل عربة لكسلك، عطراً لخيالكِ،
نافذة لصباحكِ، وفريسة قاتلة لأحلامك.
رأيته يُصعّده اليقينُ كالدخان...
(«الوليمة» ــ 1994)
كان يكسر الماء
كان هدّاماً قبل أن ينهدم.
كان يهجم كالنسر، وحتى النسيم يتفجّر في قبضته. لم يكن يكسر الزجاج. كان يكسر الماء، والقطن، والحجر، والوحل، والأيدي الخفيّة. لم يستطع أحد أن ينتزع من جناحيه ريشة.
وهوى.
زحف عليه الخوف، فوق الخوف،
فوق الخوف.
نَخَرته الشفقة.
احذروا الحنان! لا تتركوه يلتف عليكم!
أيها النسر! ثمّة وردة تنتظرك دائماً، احترس أيها النسر!
(«كلمات كلمات كلمات» ــ 12 شباط 1967)
المتفرّج المجهول
صبرُكِ الجبّار، القدّيس، كيف استحال فخّاً
(وأنتَ، لا نهائيتكَ، ماذا تخفي؟ أتكون أنت أيضاً مثْلها؟ مثْلهم؟)
هذه السهول الخضراء كيف صارت جحيماً، هذا الهواء كيف صار مَغْرَقاً، هذا الفراغ اللذيذ كيف عجَّ قاعه بالخناجر.
لم أكن أعرف.
وأنَّ الوليمة التي دعوت إليها بغباوة ألمي، لعنةٌ ودمار.
وأن الوليمة التي دُعيتُ إليها هي روحي وجسدي!
أيّها المتفرج المجهول على أفعالي، هل يرونك أكثر مني؟
هل يعرفونك أفضل مني؟ أتكون مثْلهم وأكون منبوذك أنت أيضاً!؟
أكثر ما أُحبّ في عينيكَ اللتين لم أرَ، ليس وهج المجد بل عكَر الحنوّ الفائض.
لا تُشبه خلائقك، أرجوك. لا تُشبه هذه الليلة، ولا البارحة، ولا شيء. كن أنت ديمومة ذلك الوهم الذي أحْبَبْتُ من أحببتُهم بفضله. ليثبت عليكَ ذلك الوهم!
يا إلهي!
(«الوليمة» ــ 1994)
سِفْر التكوين والهجر
أراكِ وفمكِ الحُرّ، بعيدة.
يمرّ دهر عميق ثم أرفع فمك
وتمرّ هنيهة
مُقيّدة في صُرّة لا أزيح الباب عن قلبي.
شفتاي شفة.
أيُها المواطن الزّفرِ، إنّك معها!
أمرُّ قبل جَرعها
أتناول الحبر لأعميك.
مُصطفى كي أسْبح فيّ وحدي.
دهرُ أبوابك لديّ!
يا رجْلكِ ترتع في نظراتي النوّحة، رجلك عند رجليَ كاحتضان!
يا رأسك (متى؟) على رأسي!
يا هَرَبي يُردُّ إليّ، ينام عليّ...
أرقبكِ والضجرَ عارياً.
(«لن» ــ 1960)
إذا
يبدو أكثر حين يتكلم
يُعقَد لواؤه على امرأة
سيخونها وتخونه
وبثيابه الملمّعة كبعض الرسوم المرسومة للسيّاح
يعكس الينابيع صُدفة
يستضيفكَ في كوخ الغرائز.
■ ■ ■
إذا هناك بشر يعيشون
لن يلتقوه،
لكن الذين يعيشون سيتلاقون.
■ ■ ■
تعلّمَ الموسيقى كالجُنديّ
كالجُنديّ
تَعلّم الموسيقى
ليقهر الجُنديّ
وعندما قَهَره
تعلَّم الجنديّ ليقهر الموسيقى.
■ ■ ■
لن تعتاده
معه تهبط شفتاك وتتأخّر عيناك
كرجُل يلحقُ امرأة.
فحيحُ الطبيعة وأُمّهاتها
سيّدات الأشعار وبناتهنّ
استراحتْ على صوته
واحتَقَنَت به.
إذا صادفتَه اجلسْ معه
إنه كليلة ودمنة
وملايين الجدّات،
على عُنُقه قايين ومن رقبته هابيل
وفي حُنجرته ألف ليلة كجَوزة
والهند ممتلئة
والنيل
والطاحون والبُزُق،
لا يأكل وحده الرغيف
ولا يحادث وحد الأزهار
يُسطّر بِحبرِ نَفَسِه
بياض المستقبل.
■ ■ ■
ولكنْ إذا
أحببتَهُ
قُل له إنّك
أحببته.
(«ماضي الأيام الآتية» ــ 1965)
هوية
أخاف.
الصخر لا يضغط صندوقي وتنتشر نظّارتاي. أتبسّم،
أركع، لكنْ مواعيد السرّ تلتقي والخطوات تُشعُّ،
ويدخل معطف! كُلّها في العُنُق. في العُنُق آذان
وسَرِقة.
أبحث عنكِ ، أنتِ أين يا لذّة اللّعنة! نسلُكِ
ساقط، بصماتُكِ حفّارة!
يُسلّمني النوم ليس للنوم حافّة، فأرسمُ على الفراش
طريقة؛ أفتحُ نافذة وأطير، أختبي تحت امرأتي،
أنفعلُ !
وأشتعل!...
تعال أصيح. تعال أصيح. إنّني أهتف: النصر للعِلم!
سوف يتكسّر العقرب، وأتذكّر هذا كي أُنجبَ بلا
يأس.
■ ■ ■
تُمطر فوق البحر
..
أُناديكَ أيُّها الشبحُ الأجرد، بصوت الحليف، والعبد،
والدليل، فأنا أعرِف. أنت هو الثأر العائد، صلْباً كالرّبا،
فاحشاً، أخرس، وخططي بلا مجاذيف. أُسدِل رأسي على
جبيني فتحدجني عينُك الوحيدة من أسغل؛ النهارُ
يتركني اللّيلُ يحميك. النهارُ يدفعني «لك الّليل!»
فأركض، اللّيلُ رَجُل! أهربُ أين وأنا الأفق؟
■ ■ ■
الحياة حيّة. العين دَرَج، العين قَصَب، العينُ سوق
سوداء. عينيَ قِمْع تقفز منه الريحُ ولا تصيبه. هل
أعوي؟ الصراخ بلا حَبْل. هناك أريكة وسأصمد.
■ ■ ■
سوف يأتي زمن الأصدقاء لكن الانتظار
انتحر. الجياد تُسرع، عَبَثاً عَبَثاً، الخوف رقم لا نهائيّ.
■ ■ ■
السقفُ ينحلّ في قلبي والأرضُ لا مكانَ لها. أُهرولُ
وأُقذَف، يكنسني الصدى، صدى! الأرض بعيدة بلا
طريق، الأرض تنزل بلا عَتَبة.
أُطلَقُ على الهواء، أغرز الهواء بأليافي.
■ ■ ■
بلا تَعَتُّه، الحركة ليست ضدّ اللّيل، الحركة عمياء
تَرى باللّيل. قُم! المصباح خادم ويدك خادمة. (أضحكُ
منّي) قم! هوذا أنا، الباب يُطرَق.
الباب: هنا الموت. وجهُهُ وجه القَدَر وظهرُه الضياع.
يُطرَق ولا ينتفض، فهو يبقى.
■ ■ ■
يجب أنْ أبكي. كيف نسيتُ أنّ الدموع تعكّر
المرايا؟ المرآة غابة لكنِ الدمعةُ فدائيّ. فلأسمع
جلَبتكِ أيّتها الرفيقة! فلأرفع لواءك حتّى تتقطّع أوتار
كتفي!
تُمطر فوق البحر
لم يعد في العالم دمعة
■ ■ ■
والحزن؟
ما سعر رجل حزين! التغضّن علامة، الغضب إبحار.
دُرَفُ الصّرْع تذيع الربيع، وعند الصباح تتعانق
المذبحة والظّفَر وحسداً أخْلَعُ وجنتيّ.
لكنِ الخوف!
ما
الخوف؟
لا تبدأ. سأضؤل، وأصمت. جناحك. عينك الأُفقيّة!
مولاي: لا! خُذْ قبلي الآخرين!...
دم حديث.
(«لن» ــ 1960)